تنبیهات البراءة

أمّا المقام الأوّل: فی جریان أصالة عدم قبول التذکیة

أمّا المقام الأوّل: فی جریان أصالة عدم قبول التذکیة

‏فالکلام فیه یقع فی جهتین: الاُولی: فی جریان أصالة عدم قبول التذکیة فی ‏‎ ‎‏الحیوان المشکوک قابلیته للتذکیة، والثانیة: فی تقدّمها علی أصالة عدم التذکیة، ‏‎ ‎‏علی فرض جریانها فی حدّ نفسها.‏

‏وحیث إنّ البحث عن أصالة عدم قبول التذکیة طویل الذیل مترامی ‏‎ ‎‏الأطراف، بخلاف البحث عن تقدّمها علی أصالة عدم التذکیة، فنؤخّر البحث ‏‎ ‎‏عنها ونقول: ‏

أمّا الجهة الثانیة: ‏وهی تقدّم أصالة عدم قبول التذکیة علی فرض جریانها ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 7
‏فی حدّ نفسها، علی أصالة عدم التذکیة علی فرض جریانها فی حدّ نفسها، کما ‏‎ ‎‏علیه شیخنا العلامة الحائری قدس سره، فظاهر مقاله‏‏ کغیره تقدّمها علیها؛ لأنّ الشکّ ‏‎ ‎‏فیها مسبّب عن الشکّ فی قابلیته للتذکیة وعدمها، وبجریان الأصل فی القابلیة ‏‎ ‎‏یرفع الشکّ فی ناحیة التذکیة.‏

‏ولکن أشرنا غیر مرّة فی أمثال المقام: أنّه لا حکومة لأحد الأصلین فی حدّ ‏‎ ‎‏نفسه علی الآخر، إلا إذا کان الأصل الجاری فی أحدهما منقّحاً لموضوع دلیل ‏‎ ‎‏الآخر، وبعد تنقیح موضوع الدلیل الاجتهادی یقدّم الدلیل الاجتهادی علی ذلک  ‏‎ ‎‏الأصل، ولذا قلنا فی الثوب المغسول بالماء المشکوک کرّیته المسبوق بالکرّیة: ‏‎ ‎‏إنّ إجراء الأصل فی کلّ منهما یصادم الأصل الجاری فی الآخر، إلا أنّ الأصل ‏‎ ‎‏الجاری فی الماء المشکوک کرّیته المسبوق بها منقّح لموضوع الدلیل ‏‎ ‎‏الاجتهادی؛ وهو کون ذاک الماء کرّاً، وبذلک ینهدم ویرتفع الشکّ فی ناحیة ‏‎ ‎‏الثوب المغسول به، بخلاف الأصل الجاری فی ناحیة الثوب المغسول به، فإنّه ‏‎ ‎‏غیر منقّح لموضوع الدلیل الاجتهادی.‏

‏فالقول بکون الأصل المنقّح للموضوع سبباً رافعاً للشکّ فی الأصل غیر ‏‎ ‎‏المنقّح، غیر وجیه؛ فإنّ الرافع فی الحقیقة إنّما هو الدلیل الاجتهادی والأصل ‏‎ ‎‏منقّح لموضوعه. نعم إن اُطلق السببی علی أحد الأصلین بهذه العنایة مسامحة فله ‏‎ ‎‏وجه، وإلا فلا، فتدبّر.‏

‏فعلی هذا نقول: إنّ أصالة عدم قبول التذکیة وإن کان یرفع الشکّ فی ناحیة ‏‎ ‎‏التذکیة عقلاً؛ لأنّ التعبّد بانتفاء القابلیة التی لها دخل فی التذکیة علی أحد ‏‎ ‎‏الوجوه المتقدّمة یلازمه عقلاً انتفاء التذکیة ویحکم العقل عند ذلک بعدم ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 8
‏التذکیة، إلا أنّها غیر منقّح لموضوع الدلیل الاجتهادی إذ لیس عدم قبول ‏‎ ‎‏التذکیة موضوعاً لعدم التذکیة فی شیء من الأدلّة الشرعیة؛ لأنّ ما هو الموضوع ‏‎ ‎‏للأثر الشرعی هو عنوانی المذکّی وغیر المذکّی.‏

‏فإذاً علی فرض جریان أصالة عدم قبول التذکیة فی حدّ نفسها لا تکاد تنفع ‏‎ ‎‏ولا تقدّم بالنسبة إلی أصالة عدم التذکیة؛ لعدم کون الترتّب بینهما شرعیاً بل ‏‎ ‎‏عقلیاً فیکون مثبتاً. ‏

أمّا الجهة الاُولی: ‏وهی جریان أصالة عدم قبول التذکیة فی حدّ نفسها ‏‎ ‎‏فنذکر لتوضیح الأمر مسألة القرشیة فیعلم منها حال غیرها، فنقول:‏

‏إذا ورد: أنّ المرأة تری الحمرة أو الدّم إلی الستّین إلا أن لا تکون قرشیة، أو ‏‎ ‎‏أن تکون غیر قرشیة، فهناک قضیتان:‏

‏إحداهما عقد المستثنی منه.‏

‏والثانیة: عقد المستثنی.‏

‏یتصوّر فی عقد المستثنی بحسب الاحتمالات البدوی صور تختلف من حیث ‏‎ ‎‏جریان الأصل وعدمه.‏

‏الاُولی: أن یکون غیر القرشیة عنواناً مشیراً إلی أصناف النساء غیر صنف ‏‎ ‎‏القرشیة کالنبطیة والإیرانیة والزنجیة والحبشیة وغیرها، یکون بالعنوان الجامع بین ‏‎ ‎‏الطوائف موضوعاً للحکم.‏

‏الثانیة: أن یکون عنوان غیر القرشیة علی نحو الموجبة المعدولة موضوعاً ‏‎ ‎‏للحکم؛ أی المرأة المتّصفة بعدم القرشیة.‏

‏الثالثة: أن تکون عنوان غیر القرشیة علی نحو السالبة المحمول بمعنی سلب ‏‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 9
‏المحمول ـ وهو القرشیة ـ عن الموضوع، ثمّ إثبات ذلک السلب علی الموضوع.‏

‏وهاتان الصورتان مشترکتان مع الموجبة البسیطة، فی لزوم وجود الموضوع ‏‎ ‎‏أداءً لحقّ القاعدة الفرعیة؛ وهی أنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له، إلا ‏‎ ‎‏أنّ المیزان فی اعتبار المعدولة أن یکون للمعنی العدمی المنتسب إلی الموضوع ‏‎ ‎‏نحو حصول فی الموضوع کأعدام الملکات کـ«زید لا بصیر» المساوق لقولنا: ‏‎ ‎‏«زید أعمی» بخلاف الموجبة السالبة المحمول؛ فإنّ المیزان فی اعتبار ما ‏‎ ‎‏توصیف الموضوع بما یدلّ علی سلب الربط.‏

‏الرابعة: أن تکون غیر القرشیة علی نحو السالبة المحصّلة؛ أی المرأة التی لا ‏‎ ‎‏تکون قرشیة، وحیث إنّ السالبة کما یصدق مع عدم المحمول ووجود الموضوع ‏‎ ‎‏فکذلک یصدق مع عدم الموضوع، فتکون هذه الصورة أعمّ الصور السابقة.‏

‏ثمّ إنّ هذه القضیة یمکن أن یجعل بنحو الأعمّیة موضوعاً، کما یمکن أن ‏‎ ‎‏یجعل عند تحقّقها فی القسم الخاص؛ وهو ما یکون بوجود الموضوع وسلب ‏‎ ‎‏المحمول، موضوعاً.‏

‏وبعد ما عرفت الصور المحتملة تصل النوبة إلی مقام التصدیق، فنقول:‏

‏لا یمکن التصدیق بإرادة بعضها، کما لا تنفع المقام إرادة بعضها الآخر علی ‏‎ ‎‏فرض إمکان إرادته؛ وذلک لأنّه لا یمکن إرادة السالبة المحصّلة بالأعمّ من ‏‎ ‎‏وجود الموضوع مع عدم المحمول وعدم الموضوع؛ لأنّ الموضوع المعدوم لا ‏‎ ‎‏یصلح للحکم علیه. فلا یصحّ جعل المرأة المعدومة موضوعاً فی لسان الدلیل، ‏‎ ‎‏بأن یقال: المرأة المعدومة تری الحمرة إلی ستّین إلا أن تکون غیر قرشیة أو لا ‏‎ ‎‏تکون قرشیة.‏


کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10
‏وأمّا إرادة قسم خاصّ من السالبة المحصّلة؛ وهو ما یکون بعدم المحمول ‏‎ ‎‏فقط؛ أو إرادة الموجبة المعدولة المحمول، أو الموجبة السالبة المحمول من ‏‎ ‎‏الدلیل فبمکان من الإمکان، إلا أنّه لا حالة سابقة لها.‏

‏والکلام فی عدم التذکیة کالکلام فی عدم القرشیة من حیث عدم إمکان ‏‎ ‎‏جعل بعض الصور موضوعاً دون الآخر، ولا فرق فی ذلک بین کون المحمول هو ‏‎ ‎‏الحرمة، کأن یقال الحیوان الذی لا یقبل التذکیة محرّم، وبین کونه غیر محلّل ‏‎ ‎‏الأکل؛ لأنّ نفی الحلّیة عبارة اُخری عن الحرمة، فیکون وزانه وزانها من حیث ‏‎ ‎‏الاحتیاج إلی الموضوع.‏

‏وبهذا یظهر ضعف ما توهّم: أنّ سلب الحلّیة لا یحتاج إلی وجود الحیوان غیر ‏‎ ‎‏القابلة للتذکیة، بخلاف الحلّیة التی هی حکم ثبوتی.‏

‏توضیح الضعف: أنّ سلب الحلّیة أیضاً حکم ثبوتی وهو الحرمة، مجعول من ‏‎ ‎‏الشرع.‏

‎ ‎

کتابجواهر الاصول (ج. ۶): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 11