مبحث التعارض واختلاف الأدلّة

مقتضی الأصل علی السببیّة

مقتضی الأصل علی السببیّة

‏ ‏

‏وأمّا لو قلنا بأنّ المستند لها هو بناء العقلاء علی السببیّة والموضوعیّة، فهی‏‎ ‎‏تتصوّر علی وجوه :‏

الوجه الأوّل :‏ أنّه لیس للوقایع حکم واقعیّ یشترک فیه العالم والجاهل، ولا‏‎ ‎‏مصالح ومفاسد واقعیّة، وأنّه تصحّ الإرادة الجُزافیّة أیضاً ـ العیاذ بالله ـ فبقیام الأمارة‏‎ ‎‏یحدث الحکم، فإن اُرید منه أنّ متعلّق الأمارة حکم واقعیّ متعلّق بالشیء بعنوانه‏‎ ‎‏الواقعی، وأنّ صلاة الجمعة ـ مثلاً ـ بما أنّها صلاة الجمعة، واجبة واقعاً بقیام الأمارة‏‎ ‎‏علیها، ومحرّمة کذلک بسبب قیام الأمارة علیها.‏

ففیه :‏ أنّه لایمکن حجّیّة کلتا الأمارتین ولو قلنا بصحّة الإرادة الجُزافیّة ـ‏‎ ‎‏تعالی الله عنها ـ للزوم التضادّ فی الإرادة؛ وإرادة إیجاب صلاة الجمعة بعنوانها الواقعی‏‎ ‎‏وتحریمها کذلک، وحینئذٍ یعلم بکذب إحدی الأمارتین، ومقتضی القاعدة هو التوقّف.‏

الوجه الثانی :‏ أن یقال : أنّ لکلّ واقعة من الوقائع حکماً واقعیّاً یشترک فیه‏‎ ‎‏العالم والجاهل، لکن تترتّب بقیام الأمارة مصلحة غالبة علی مصلحة الواقع، فالحکم‏‎ ‎‏الفعلی تابع لقیام الأمارة، فتجری فیه الاحتمالات المذکورة فی الوجه الأوّل:‏

فإن قلنا :‏ إنّه یوجد بقیام الأمارة مصلحة فی مؤدّاها بعنوانه الواقعی، فیلزم فی‏‎ ‎‏صورة تعارض الخبرین اجتماع مصلحتین أو مفسدتین متضادّتین فی شیء واحد‏‎ ‎‏بعنوان واحد، وهو محال، فیعلم بکذب أحد الخبرین، ومقتضی القاعدة هو التوقّف.‏

وإن قلنا :‏ بأنّه یوجد بقیام الأمارة مصلحة فی مؤدّاها بما أنّه مؤدّی الأمارة، لا‏‎ ‎‏بعنوانه الواقعی، وکذلک فی الأمارة المعارِضة لها، فلو وافقت إحدی الأمارتین الواقع‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 523
‏فی مقام الثبوت، فهی الحجّة فقط دون الاُخری ، ومع مخالفتهما للواقع فمقتضی القاعدة‏‎ ‎‏هو التخییر.‏

‏وأمّا فی مقام الإثبات، فحیث إنّه لا طریق لنا إلی تمییز الموافق للواقع من‏‎ ‎‏المخالف فمقتضی القاعدة هو التوقّف.‏

‏نعم، بناءً علی القول بوجود المصلحة فی مؤدّی الأمارة فی صورة موافقتها‏‎ ‎‏للواقع أیضاً، فمقتضی القاعدة هو التخییر، لکنّهم لایلتزمون بهذا القول؛ أی وجود‏‎ ‎‏المصلحة فی مؤدّی الأمارة فی صورة موافقتها للواقع.‏

الوجه الثالث :‏ أن یراد من السببیّة أنّ اتّباع خبر الثقة یوجب إیجاد مصلحة فی‏‎ ‎‏متابعته، وهو المراد من المصلحة السلوکیّة، ومقتضی القاعدة فی تعارض الخبرین‏‎ ‎‏حینئذٍ التخییر.‏

‏هذا کلّه فی بیان مقتضی القواعد العقلائیّة فی المتکافئین.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 524