مبحث التعارض واختلاف الأدلّة

تذنیب : هل تعمّ أخبار التعارض والعلاج العامّین من وجه أم لا ؟

تذنیب : هل تعمّ أخبار التعارض والعلاج العامّین من وجه أم لا ؟

‏ ‏

‏وممّا لابدّ من تقدیمه علی الشروع فی أصل المبحث، هو الکلام فی أنّه هل تعمّ‏‎ ‎‏أخبار التعارض والعلاج العامّین من وجه، أو لا؟‏

‏توضیحه : أنّ التعارض بین الخبرین: إمّا بالذات أو بالعرض، وعلی الأوّل‏‎ ‎‏فالمتعارضان: إمّا متباینان ـ مثل «أکرم العلماء، ولا تکرم العلماء» ـ أو بینهما عموم من‏‎ ‎‏وجه، أو بینهما عموم مطلق، مع عدم وجود الجمع العرفی بینهما؛ للزوم الاستهجان فی‏‎ ‎‏تخصیص العامّ، فإنّه أیضاً من قبیل التعارض بالذات؛ ضرورة تناقض الموجبة الکلّیّة‏‎ ‎‏مع السالبة الجزئیّة وبالعکس، غایة الأمر قد یکون بینهما الجمع العرفی العقلائی، فمع‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 511
‏عدمه یتعارضان.‏

وأمّا التعارض بالعرض :‏ فهو إمّا لمکان العلم الإجمالی بمخالفة أحد الدلیلین‏‎ ‎‏للواقع مع عدم تعارضهما وتنافیهما ذاتاً، مثل «یجب صلاة العید، وأکرم العلماء» لو علم‏‎ ‎‏بمخالفة أحدهما للواقع، ولیسا متعارضین ذاتاً.‏

‏وإمّا لأنّ هنا عامّاً وخاصّین یلزم من تخصیصه بهما الاستهجان؛ لا بأحدهما،‏‎ ‎‏وقد یقع التعارض بین لازمی مضمون الدلیلین، لا فی نفس مضمونهما، وفی شمول‏‎ ‎‏أخبار العلاج ـ التی تقدّم أنّ موضوعها الخبران المتعارضان أو المختلفان ـ لجمیع تلک‏‎ ‎‏الأقسام أو بعضها وجهان.‏

فنقول :‏ لا إشکال فی شمولها للمتباینین، والظاهر شمولها للعموم المطلق مع عدم‏‎ ‎‏الجمع العرفی بینهما؛ لتخالف مضمونیهما حینئذٍ.‏

‏وأمّا العامّان من وجه فعنوانا موضوع الدلیلین فیهما متغایران کالعالم والفاسق،‏‎ ‎‏لکنّهما متصادقان فی بعض الأفراد ـ أی العالم الفاسق ـ ویدلّ کلّ واحد منهما علی‏‎ ‎‏حکم غیر حکم الآخر، فلا إشکال فی تعارضهما فی مورد التصادق والاجتماع، لکن‏‎ ‎‏مقتضی سیاق الأخبار العلاجیّة ـ سؤالاً وجواباً ـ خروج العامّین من وجه عنها؛ لأنّه‏‎ ‎‏یستفاد منها تقدیم ذی المزیّة وترجیحه وطرح الآخر رأساً بتمام مضمونه.‏

وبعبارة اُخری :‏ مقتضی الحکم فیها بطرح أحد الخبرین ـ لموافقته للعامّة، أو‏‎ ‎‏لمخالفة الکتاب، أو لأعدلیّة راوی الآخر، أو أصدقیّته، ونحو ذلک ـ هو فرض وقوع‏‎ ‎‏التعارض بین تمام مضمونی الخبرین، لا مثل العامَّین من وجه؛ إذ لا وجه لطرح تمام‏‎ ‎‏مضمون غیر ذی المزیّة فیهما رأساً، حتّی فی مورد الافتراق، ولیس فی هذه الأخبار‏‎ ‎‏ما یدلّ علی جواز طرح بعض المضمون فقط، فالظاهر عدم شمول تلک الأخبار‏‎ ‎‏للعامّین من وجه.‏

‏وصرّح المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد نقل الأخبار الدالّة علی أنّ ما یخالف الکتاب‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 512
‏زُخرف‏‎[1]‎‏، أو باطل‏‎[2]‎‏، أو لم نقله ـ : بأنّ المراد بها المخالفة بتمام المضمون‏‎[3]‎‏.‏

وقال المقرّر لبحثه فی ذیل هذا الکلام :‏ إنّه یؤیّد ذلک ظهور أخبار العرض‏‎ ‎‏علی الکتاب فی إرادة المخالفة بقول مطلق، وهی المخالفة بنحو التباین؛ بخلاف الروایات‏‎ ‎‏الواردة فی ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر بمثل الأخذ بموافقة الکتاب منهما، فإنّه‏‎ ‎‏یصدق علی العامّین من وجه الغیر الموافق أحدهما الکتاب، أنّه مخالف له‏‎[4]‎‏. انتهی .‏

‏ولایخفی التهافت بین کلامی المقرّر، فإنّ دعواه الظهور أوّلاً فی أنّ المراد هی‏‎ ‎‏المخالفة بتمام المضمون تنافی ما ذکره أخیراً‏‎[5]‎‏.‏

‏فالحقّ عدم شمول أخبار العلاج للعامّین من وجه موضوعاً، فضلاً عن‏‎ ‎‏المتعارضین بالعرض؛ لعدم صدق التعارض علیهما عرفاً، غایة الأمر أنّه یعلم عدم‏‎ ‎‏صدورهما معاً، وکذلک الخاصّان المتعارضان بالعرض؛ من جهة أنّ تخصیص العامّ بهما‏‎ ‎‏مستلزم للاستهجان، وکذلک التعارض بین لازمی الدلیلین؛ لا فی أنفسهما وفی‏‎ ‎‏مضمونهما.‏

‏نعم، بناءً علی ما اختاره الشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی: من أنّ‏‎ ‎‏التعارض فیه إنّما هو بین العامّ والخاصَّین، یشمله أخبار التعارض؛ لما عرفت من‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 513
‏صدقه علی العامّ والخاصّ مع عدم الجمع العقلائی بینهما.‏

هذا، ولکن یمکن أن یقال:‏ إنّ الأخبار العلاجیّة وإن لم تعمّ العامَّینِ من وجه‏‎ ‎‏ـ وغیرهما ممّا تقدّم آنفاً ـ موضوعاً، لکن یمکن دعوی إلغاء الخصوصیّة العرفیّة فی‏‎ ‎‏المقام؛ بأن یقال: إنّ حکم العقل والعقلاء بالتساقط فی المتعادلین، أو الحکم بالرجوع‏‎ ‎‏إلی المرجّحات فی الأخبار العلاجیّة، والتخییر مع عدم الترجیح فی المتباینین ونحوهما؛‏‎ ‎‏ممّا تشمله الأخبار موضوعاً، لا لخصوصیّة لهما فیه، فإنّ الحکم المزبور إنّما هو لعدم‏‎ ‎‏مطلوبیّة طرح الأخبار، ولزوم العمل بها مهما أمکن، فمع احتمال مطابقة أحدهما للواقع،‏‎ ‎‏یمکن العمل بأحدهما تخییراً مع التعادل، أو بذی المزیّة تعییناً مع وجود المرجِّح، وأنّ‏‎ ‎‏الحکم بذلک فی بعض الصور، یستفاد منه عرفاً أنّه کذلک فی باقی الصور؛ ممّا لاتشملها‏‎ ‎‏الأخبار موضوعاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 514

  • )) الکافی 1 : 55 / 3 و 4 ، وسائل الشیعة 18 : 78 ـ 79 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 12 و 14 .
  • )) تفسیر العیاشی 1 : 9 / 7 ، وسائل الشیعة 18 : 89 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 48 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 791 .
  • )) نفس المصدر ، الهامش 1 .
  • )) لعلّ نظر المقرّر فی الأوّل إلی أخبار طرح المخالف للکتاب فقط، کما صرّح به، وفی آخر کلامه إلی أخبار الأخذ بما یوافق الکتاب وأنّه تصدق الموافقة علی موافقة بعض مضمون أحد الخبرین. [المقرّر حفظه الله ] .