مبحث التعارض واختلاف الأدلّة

الصورة الثانیة : إذا ورد عامّ وخاصّان بینهما عموم وخصوص مطلق

الصورة الثانیة : إذا ورد عامّ وخاصّان بینهما عموم وخصوص مطلق

‏ ‏

‏لو ورد عامّ وخاصّان، وبین الخاصّین عموم وخصوص مطلق، مثل «أکرم کلّ‏‎ ‎‏عالم، ولا تکرم النحویّین، ولاتکرم فسّاق النحویّین».‏

فقال بعض الأعاظم ‏قدس سره‏‏:‏‏ إنّه یُخصَّص العامّ بهما، کما فی الصورة السابقة‏‎[1]‎‏، ولکنّه‏‎ ‎‏یتصوّر علی وجوه :‏

الوجه الأوّل :‏ أن یتوافق الخاصّان إثباتاً ونفیاً، ویخالفان العامّ فیهما،‏‎ ‎‏کما فی المثال المذکور، فإمّا أن یلزم من تخصیص العامّ بهما محذور من الاستهجان‏‎ ‎‏وغیره، أو لا.‏

‏والثانی أیضاً علی قسمین :‏

أحدهما :‏ أن تُحرز وحدة المطلوب من الخاصّین.‏

ثانیهما :‏ أن لایُحرز ذلک.‏

‏فعلی الأخیر یخصّص العامّ بهما، فیخرج فسّاق النحویّین فی المثال من العامّ،‏‎ ‎‏وکذلک عدولهم؛ أی مورد افتراق الأعمّ من الخاصّین، وعلی الأوّل أی فرض إحراز‏‎ ‎‏وحدة المطلوب من الخاصّین، فیخصّص الأعم من الخاصّین بالأخصّ منهما، فیخرج‏‎ ‎‏فسّاق النحویّین من عموم «لاتکرم النحویّین» ویبقی عدولهم تحته، ویصیر نتیجة ذلک‏‎ ‎‏حرمة إکرام عدول النحویّین، فیخرج ذلک عن العامّ، والنتیجة حینئذٍ وجوب إکرام‏‎ ‎‏العلماء سوی العدول من النحویّین.‏

‏ولو لزم الاستهجان من تخصیص العامّ، فهو إمّا بسبب التخصیص بالخاصّ أو‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 507
‏الأخصّ ، أو بکلّ واحد منهما منفرداً، فالأخیر کما لو قال: «أکرم العلماء»، وفرض‏‎ ‎‏انحصارهم فی الکوفیّین إلاّ نادراً، وقال: «لاتکرم الفسّاق منهم»، وقال: «لاتکرم‏‎ ‎‏فسّاق الکوفیّین»، وفُرض أنّهم فسّاق إلاّ نادراً، فإنّه لو خُصّص بالأخصّ من‏‎ ‎‏الخاصّین ـ أی «لاتکرم فسّاق العلماء الکوفیّین» ـ یلزم تخصیص الأکثر المستهجن؛‏‎ ‎‏لأنّه لایبقی حینئذٍ تحت العامّ إلاّ النادر منهم حسب الفرض.‏

‏وکذلک یلزم الاستهجان من تخصیصه بالخاصّ من الخاصّین بطریق أولی ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض أنّ دائرته أوسع وأعمّ من الآخر، فإذا اُخرج من العموم یلزم ما ذکر من‏‎ ‎‏الاستهجان، ولا مناص حینئذٍ من أن یقال بتعارض الأدلّة الثلاثة، والرجوع إلی‏‎ ‎‏قواعد التعارض، ولو لزم الاستهجان من تخصیص العامّ بالخاصّ فقط ـ لا بالأخصّ‏‎ ‎‏ـ فمقتضی الجمع العقلائی تخصیص الخاصّ بالأخصّ وتخصیص العامّ الفوقانی‏‎ ‎‏بالخاصّ المخصِّص، وهو جمع عقلائیّ لایستلزم الاستهجان، لکن یکشف ذلک عن‏‎ ‎‏وحدة المطلوب من الخاصّین؛ لعدم إمکان تعدّد المطلوب حینئذٍ، وإلاّ لزم الاستهجان.‏

‏وأمّا فرْضُ لزوم الاستهجان من تخصیص العامّ الفوقانی بمجموع الخاصّین‏‎ ‎‏فقط، فهو غیر متصوّر لتداخلهما.‏

الوجه الثانی :‏ ما لو کان الخاصّان متخالفین إیجاباً وسلباً، والأخصّ موافقاً‏‎ ‎‏للعامّ دون الخاصّ، مثل «أکرم العلماء، ولا تکرم الفسّاق منهم، وأکرم فسّاق‏‎ ‎‏النحویّین»، فمقتضی الجمع العقلائی تخصیص الخاصّ بالأخصّ، ثمّ تخصیص العامّ‏‎ ‎‏الفوقانی بالخاصّ المخصَّص، والنتیجة وجوب إکرام العلماء إلاّ عدول النحویّین.‏

‏وعلی فرض لزوم الاستهجان من التخصیص، یقع التعارض بین الأدلّة الثلاثة‏‎ ‎‏المذکورة، وإن لزم الاستهجان من تخصیص العامّ الفوقانی بالخاصّ المخصّص دون‏‎ ‎‏تخصیصه ـ أی الخاصّ بالأخصّ ـ یقع التعارض بین العامّ والخاصّ، لکن لا مانع من‏‎ ‎‏تخصیص الخاصّ بالأخصّ.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 508
الوجه الثالث :‏ أن یکون کلّ واحد من الأدلّة الثلاثة مخالفاً للآخر فی الحکم،‏‎ ‎‏مثل «یجب إکرام العلماء، ویحرم إکرام الفسّاق منهم، ویُستحبّ إکرام النحوی من‏‎ ‎‏فسّاق العلماء»، فالحکم فیه کما تقدّم: من أنّه إن لم یلزم محذور من تخصیص العامّ‏‎ ‎‏بالخاصّ المخصَّص بالأخصّ، فمقتضی الجمع العقلائی تخصیص الخاصّ بالأخصّ، ثمّ‏‎ ‎‏تخصیص العامّ الفوقانی بالخاصّ بعد خروج الأخصّ منه، وتصیر النتیجة فی المثال‏‎ ‎‏وجوب اکرام جمیع العلماء إلاّ الفسّاق الغیر النحوی منهم، والفسّاق الغیر النحوی‏‎ ‎‏منهم محرم الاکرام والفسّاق من النحویین مستحب الإکرام.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 509

  • )) فوائد الاُصول 4 : 743 .