مبحث التعارض واختلاف الأدلّة

الصورة الاُولی : إذا ورد عامّ وخاصّان کلّ واحد منهما أخصّ من الأوّل

الصورة الاُولی : إذا ورد عامّ وخاصّان کلّ واحد منهما أخصّ من الأوّل

‏ ‏

‏لو ورد عامّ، وخاصّان کلّ واحد منهما أخصّ من الأوّل؛ سواء کان بین‏‎ ‎‏موضوعی الخاصّین عموم من وجه ـ مثل «أکرم العلماء»، و«لاتکرم الفسّاق منهم،‏‎ ‎‏ولا تُکرم النحویّین» ـ أم لا.‏

‏والکلام فیها فی مقامین :‏

الأوّل :‏ الکلام فی أنّه هل تجب ملاحظة النسبة بین العامّ وأحد الخاصّین‏‎ ‎‏وعلاج التعارض بینهما أوّلاً، ثمّ ملاحظة النسبة بینه وبین الخاصّ الآخر، فإنّه حینئذٍ‏‎ ‎‏ربّما تنقلب النسبة، کما لو خُصِّص العامّ فی المثال بقوله: «لاتُکرم الفسّاق منهم»، فإنّ‏‎ ‎‏النسبة بین العامّ بعد التخصیص، وبین الخاصّ الآخر ـ أی لاتکرم النحویّین ـ حینئذٍ‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 503
‏هی العموم من وجه، أو أنّه لایصحّ ذلک؛ لأنّ الخاصّین فی عرض واحد؛ لاتقدّم‏‎ ‎‏لأحدهما علی الآخر وملاحظته أوّلاً مع العامّ، ثمّ ملاحظة الآخر بعده، أو التفصیل بین‏‎ ‎‏کون المخصِّصَین لفظیَّین، وبین کون أحدهما لفظیّاً والآخر لُبّیّاً، فلا تقدّم لأحدهما علی‏‎ ‎‏الآخر فی الأوّل، ویقدّم اللُّبّی علی اللفظی فی الثانی، فیلاحظ النسبة بین العامّ بعد‏‎ ‎‏تخصیصه باللُّبّی، ثمّ ملاحظة النسبة بینه وبین المخصِّص اللّفظی؟ وجوه.‏

الثانی :‏ أنّه ـ بعد البناء علی عدم تقدّم أحد الخاصّین علی الآخر فی ملاحظة‏‎ ‎‏النسبة بینه وبین العامّ؛ لأنّهما فی عرض واحد، وأنّ مقتضی القاعدة تخصیص العامّ‏‎ ‎‏بکلّ واحد منهما ـ لو استلزم تخصیصه بهما استهجانه، أو استیعاب جمیع الأفراد وعدم‏‎ ‎‏بقاء شیء منها تحت العامّ، کما لو قال: «أکرم العلماء»، ثمّ قال: «لاتکرم الفسّاق منهم،‏‎ ‎‏ویُکره إکرام عدولهم»، فإنّه لایمکن تخصیصه بهما معاً، فهل یقع التعارض حینئذٍ بین‏‎ ‎‏العامّ وبین مجموع الخاصّین، کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی والمیرزا‏‎ ‎‏النائینی‏‎[1]‎‏، أو أنّ التعارض حینئذٍ بین الخاصّین؟‏

أمّا المقام الأوّل :‏ فلا إشکال فی أنّ الخاصَّین اللّفظیّین یردان علی العامّ فی‏‎ ‎‏عرض واحد، فیخصّص بهما معاً، ولایلزم منه محذور؛ إذ لا وجه لملاحظة النسبة بینه‏‎ ‎‏وبین أحد الخاصّین أوّلاً، ثمّ ملاحظته مع الآخر؛ لعدم المرجِّح فیما لو لم یعلم الحال من‏‎ ‎‏تقدّم أحد الخاصّین بحسب الصدور وتأخّره، کما هو الغالب، ولهذا قال الشیخ‏‎ ‎‏الأعظم ‏‏قدس سره‏‏ ـ بعد ذکر توهّم بعضٍ تخصیصَ العامّ بأحد الخاصّین إذا کان لبّیّاً ـ إنّه لا‏‎ ‎‏أظنّ أن یلتزم هذا المتوهّم بذلک فی الخاصَّین اللفظیَّین‏‎[2]‎‏.‏

‏هذا فی الخاصَّین اللفظیَّین.‏

‏وأمّا لو کان أحد الخاصّین لُبّیّاً والآخر لفظیّاً، فمع کون اللّبّی کالحافّ بالعامّ، کما‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 504
‏لو علم بحرمة إکرام الفسّاق من العلماء حین صدور «أکرم العلماء»، فلا إشکال فی‏‎ ‎‏تخصیص العامّ به أوّلاً، ثمّ ملاحظته مع الخاصّ الآخر، ولاینبغی عدُّ ذلک من انقلاب‏‎ ‎‏النسبة، فإنّ فسّاق العلماء خارجون من العامّ ابتداءً ومن الأوّل، کما أنّه لو اتّصل أحد‏‎ ‎‏الخاصَّین اللفظیَّین بالعامّ، فهو أیضاً کذلک؛ لأنّه قرینة حافّة بالکلام.‏

‏وإنّما الکلام فی اللُّبّی الغیر الحافّ بالکلام، فالحقّ فیه ما ذکره الشیخ‏‎ ‎‏الأعظم ‏‏قدس سره‏‏: من أنّه لا وجه لتقدیم اللُّبّی المذکور، وملاحظة النسبة بینه وبین العامّ‏‎ ‎‏أوّلاً، ثمّ ملاحظته مع الخاصّ اللفظی‏‎[3]‎‏.‏

‏وتبعه فی «الدُّرر»‏‎[4]‎‏، ولکن ببالی أنّه ‏‏قدس سره‏‏ عدل عنه فی الفقه؛ للفرق بینه وبین‏‎ ‎‏الخاصَّین اللفظیَّین؛ لأنّهما واردان علی العامّ فی عرض واحد، وأمّا اللُّبّی فهو من قبیل‏‎ ‎‏تتمّة المقتضی للعامّ، والمخصِّص اللفظی من قبیل المانع فلیس العام مع المخصّص اللّبّی فی‏‎ ‎‏العموم من الابتداء.‏

لکن أقول :‏ إن أراد ‏‏قدس سره‏‏ أنّ حجّیّة العامّ معلّقة علی ذلک، وأنّه لیس حجّة إلی‏‎ ‎‏زمان حصول القطع بالخلاف فی بعض الأفراد الخارجة بالدلیل اللُّبّی، فلانُسلّم ذلک.‏

‏وإن أراد أنّه مع وجود المخصِّص اللُّبّی کالقطع بالخلاف، یکشف عن عدم تعلّق‏‎ ‎‏الإرادة الجدّیّة بالنسبة إلی تلک الأفراد، التی علم عدم وجوب إکرامهم، فالمخصِّص‏‎ ‎‏اللفظی أیضاً کذلک، فإنّ مقتضاه عدم حجّیّة العامّ حین الظفر بالخاصّ، وکشفه عن‏‎ ‎‏عدم تعلّق الإرادة الجدّیّة بالنسبة إلی أفراد الخاصّ، فلا فرق بین اللُّبّی واللفظی فی‏‎ ‎‏ذلک، مع حجّیّة العامّ بالنسبة إلی العموم قبل الظفر بالخاصّ.‏

‏فالحقّ هو ما ذهب إلیه الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‏ أوّلاً.‏

وأمّا المقام الثانی :‏ أی ما لو استلزم تخصیص العامّ بکلا الخاصَّین محذور‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 505
‏الاستهجان، أو استیعاب أفراد العامّ، فقد یقال: إنّ مجموع الخاصّین یعارض العامّ،‏‎ ‎‏فلابدّ من ملاحظة المرجِّحات والرجوع إلیها.‏

‏لکن ربّما یرد علیه الإشکال فیما لو کان العامّ راجحاً علی أحد الخاصّین بحسب‏‎ ‎‏السند دون الآخر، أو وافق أحد الخاصّین العامّة دون الآخر.‏

‏والحقّ أنّ التعارض إنّما هو بین الخاصّین، لکنّه تعارضٌ بالعرض؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏العامّ لا یعارض کلّ واحد من الخاصّین منفرداً؛ لعدم لزوم محذور من تخصیصه‏‎ ‎‏بأحدهما، ووجوب الجمع العرفی بینهما، وإنّما یلزم المحذور من تخصیصه بهما معاً.‏

وبعبارة اُخری :‏ هنا ثلاثة أدلّة : العامّ، مثل «أکرم العلماء» ، وخاصّان، مثل‏‎ ‎‏«لاتکرم الفسّاق منهم»، و «یُکره إکرام عدولهم»، والعامّ لایعارض الخاصّ الأوّل‏‎ ‎‏بنفسه مع قطع النظر عن الخاصّ الآخر، وکذلک الخاصّ الآخر بنفسه لایعارض‏‎ ‎‏العامّ، ومجموع الخاصّین لیس شیئاً یعارض العامّ، لکن یعلم إجمالاً بعدم صحّة‏‎ ‎‏تخصیص العامّ بأحد الخاصّین؛ وأنّه لم یصدر أحدهما؛ للزوم المحذور من تخصیصه بهما‏‎ ‎‏معاً، فلابدّ من الرجوع إلی المرجّحات بین الخاصّین، وعلاج التعارض بینهما، وإن قلنا‏‎ ‎‏بعدم شمول أخبار التعارض والعلاج للمتعارضین بالعرض، فمقتضی القاعدة تساقط‏‎ ‎‏الخاصّین، فإمّا أن نقول بحجّیّة العامّ ظاهراً؛ لعدم العلم التفصیلی بالمخصِّص، أو لا؛‏‎ ‎‏للعلم الإجمالی بتخصیصه بأحدهما.‏

‏هذا إذا لم یعلم بتلازم الخاصّین فی الحکم، وأمّا مع العلم به وعدم انفکاک‏‎ ‎‏أحدهما عن الآخر، فیقع التعارض بین العامّ وبین کلّ واحد منهما؛ لأنّ المفروض‏‎ ‎‏استلزامه للخاصّ الآخر، فیلزم من تخصیصه به، وبلازمه الاستهجان.‏

‏ولو عُلم بالتلازم بین الأفراد فی الحکم، لا بین الخاصّین؛ بمعنی أنّه لو وجب‏‎ ‎‏إکرام العلماء فجمیع أفرادهم کذلک، وإن حرم إکرامهم فجمیعهم سواء فی هذا الحکم،‏‎ ‎‏وإن استُحِبّ إکرامهم فکذلک، وورد: «أکرم العلماء، ولا تکرم فسّاق العلماء، ویستحبّ‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 506
‏إکرام النحویّین»، وقع التعارض بین الأدلّة الثلاثة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 507

  • )) فرائد الاُصول : 458 سطر 22 ، کفایة الاُصول : 516 ، فوائد الاُصول 4 : 743 .
  • )) فرائد الاُصول : 458 السطر الأخیر .
  • )) فرائد الاُصول : 459 السطر الأوّل .
  • )) درر الفوائد : 682 .