الأمر السابع : حول تقدّم أصالة الصحّة علی الاستصحاب
هل تتعارض أصالة الصحّة مع الاستصحاب مطلقاً، أو أنّه فرق بین الاُصول الموضوعیّة والحکمیّة فی ذلک؟
قال الشیخ الأعظم قدس سره ما محصّله : لا إشکال فی تقدّم أصالة الصحّة علی مثل استصحاب عدم النقل ونحوه، لو شکّ فی صحّة البیع الصادر من الغیر؛ لأنّها ترفع الشکّ فی موضوع الاستصحاب المذکور تعبّداً؛ لأنّ الشکّ فی الانتقال مسبّب عن الشکّ فی صحّة العقد وعدمه، وأنّه جامع لشرائطها وعدمه، وبأصالة الصحّة یُحرَز ذلک.
وأمّا مثل أصالة عدم البلوغ أو عدم اختیار البائع، ففی تقدیم أصالة الصحّة علیه وعدمه إشکالٌ؛ لأنّه کما یقتضی أصالة الصحّة کون العاقد بالغاً، کذلک یقتضی استصحاب عدم البلوغ عدمه؛ لأنّ العقد أمر وجدانیّ، والشکّ إنّما هو فی بلوغ العاقد، فیستصحب عدمه، ویترتّب علیه عدم الانتقال، فیتعارضان.
ثمّ أورد علیه : بأنّ الموضوع للحکم بعدم الانتقال هو عدم صدور العقد من البالغ وهو مورد الاستصحاب، لا صدور العقد عن غیر البالغ، فلا أثر لأصالة عدم البلوغ المقتضیة لعدم سببیّة العقد المذکور للانتقال؛ حتّی تعارض أصالة الصحّة المقتضیة لسببیّة العقد للانتقال، وأصالة الصحّة تثبت تحقّق العقد من البالغ، ولا معارضة فی الظاهر بین عدم سببیّة هذا العقد ـ الذی هو مقتضی الاستصحاب ـ وبین وقوع العقد الصادر من البالغ الذی یقتضیه أصالة الصحّة؛ لأنّه من قبیل معارضة المقتضی مع اللامقتضی. انتهی.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 425
أقول : لقائل أن یقول : إنّ ما ورد فی النصّ والفتوی: هو أنّ الصبیّ عمده وسهوه سواء، وحینئذٍ فیمکن أن یقال: إنّ الموضوع لأثر النقل والانتقال هو صدور العقد من البالغ.
ثمّ ما أفاده : من استصحاب عدم صدور العقد من البالغ: إن أراد استصحاب أصل العدم بنحو الکلّی فلایفید، وإن أراد به استصحاب عدم صدور هذا العقد الخاصّ من بالغ، فلیس له حالة سابقة.
وأمّا ما أفاده أخیراً : من أنّه من قبیل معارضة المقتضی مع اللاّمقتضی.
ففیه : أنّ الاستصحاب أیضاً مقتضٍ لعدم الانتقال، فهو من قبیل معارضة المقتضِیین.
والتحقیق فی المقام : ما عرفت سابقاً : من أنّ الدلیل علی أصالة الصحّة هو بناء العقلاء، وهو دلیل لبّیّ لا لسان له، فلیس المقام مقام الشکّ السببی والمسبّبی، وملاحظة حکومتها علی الاستصحاب أو العکس؛ لما تقدّم: من أنّ ذلک مختصّ بالدلیلین اللفظیّین، وما نحن فیه لیس کذلک.
وتوهّم : اختصاص أصالة الصحّة بالمتدیّنین بدین الإسلام فی غایة الفساد؛ لما نشاهد بالعیان من بناء غیر المتدیّنین علیها أیضاً، وإن لم تکن باسمها ورسمها فیما بینهم، فإذا کان الدلیل علی أصالة الصحّة هو بناء العقلاء علیها، فالذی هو فیما بینهم هو ترتّب آثار الصحّة فی فعل الغیر من العقد وغیره، وأمّا أنّ بناءهم علی ذلک مستند إلی تحقّق السبب ووجوده أوّلاً، ثمّ ترتّب المسبّب، فلم یثبت ذلک، بل الثابت بینهم هو مجرّد ترتیب الآثار، وحینئذٍ فلیس المقام مقام الشکّ السببی والمسبّبی، وتقدّم بیان عدم الفرق ـ فی جریان أصالة الصحّة ـ بین أقسام الشروط وأجزاء العقد، سوی المقوّمة له منها، فبمجرّد الشکّ فی الانتقال وعدمه ـ من جهة الشکّ فی اجتماع جمیع شرائط العقد وعدمه ـ یجری أصالة الصحّة، وبها یرتفع الشکّ، ولا مجال
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 426
للاستصحاب ـ حینئذٍ ـ أصلاً حتّی یقال: إنّه معارَض بأصالة الصحّة فی بعض الصور دون بعض، بل الذی یمکن أن یبحث عنه: هو أنّ استصحاب عدم الانتقال هل یصلح للرادعیّة عن هذا البناء العقلائی، أو لا؟
والحقّ : عدم صلاحیّته لذلک؛ لافتقاره إلی بیانٍ أوفی من ذلک ، بل لایبقی ظنّ ولا شکّ عند العقلاء فی موارد جریان أصالة الصحّة؛ حتّی یجری فیه الاستصحاب، ولهذا لایصلح قوله تعالی : «إِنَّ الظَّنَّ لایُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً» للرادعیّة عنها وعن مثل العمل بخبر الثقة والید ونحوهما، ولاینقدح ذلک فی أذهان العرف والعقلاء.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 427
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 428