الاستصحاب

الأمر السادس : عدم حجیّة مثبتات أصالة الصحّة

الأمر السادس : عدم حجیّة مثبتات أصالة الصحّة

‏ ‏

‏هل تکون أصالة الصحّة من الأمارات العقلائیّة التی مثبتاتها حجّة، أو أنّها وإن‏‎ ‎‏کانت کاشفة عن الواقع عندهم، لکن لیست مثبتاتها حجّة، أو أنّها أصل تعبّدیّ‏‎ ‎‏عندهم؟‏

‏لابدّ من ملاحظة بناء العقلاء بالنسبة إلی لوازمها، فنقول: المعلوم من بنائهم‏‎ ‎‏هو الحمل علی الصحّة فی نفس العمل، کما لو صلّی أحد إلی جهة، وشکّ فی صحّة‏‎ ‎‏صلاته؛ من جهة الشکّ فی أنّ القبلة هی هذه الجهة التی صلّی إلیها أو لا، فإنّ تلک‏‎ ‎‏الصلاة عندهم محکومة بالصحّة، وأمّا أنّ القبلة أیضاً هی هذه الجهة؛ لیترتّب علیها‏‎ ‎‏آثارها، فلا.‏

‏نعم لو فرض أنّ بناءهم علیها، إنّما هو لکشفها عن الواقع وإلغاء احتمال‏‎ ‎‏الخلاف، لزم القول بأنّها أمارة، ومثبتاتها حجّة، لکن لیس کذلک؛ لعدم بنائهم فیها‏‎ ‎‏علی ثبوت لوازمها العقلیّة والعادیّة وملزوماتها.‏

قال الشیخ الأعظم :‏ لو دار الأمر بین کون الثمن فی المعاملة الصادرة من الغیر‏‎ ‎‏خمراً أو خلاًّ، فأصالة الصحّة فی نفس البیع جاریة، لکن لایحکم بأنّ الثمن خلّ، وأنّه‏‎ ‎‏منتقل إلی البائع؛ لاستصحاب عدم الانتقال‏‎[1]‎‏.‏

وأورد علیه المیرزا النائینی قدس سره بوجهین :

‏الأوّل :‏‏ قد تقدّم بیانه وعدم تمامیّته .‏

الثانی :‏ أنّه لا معنی لهذا التفکیک؛ إذ لو قلنا بعدم انتقال الثمن إلی البائع، ولا‏‎ ‎‏المثمن إلی المشتری، فلا فائدة فی جریان أصالة الصحّة فی نفس البیع، وإن قلنا بانتقال‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 423
‏المثمن إلی المشتری، دون الثمن إلی البائع، یلزم وقوع البیع بلا ثمن‏‎[2]‎‏.‏

أقول :‏ لا مانع من التفکیک بین الآثار فی عالم التعبّد؛ ألا تری أنّه لو توضّأ‏‎ ‎‏بالماء المستصحب النجاسة غافلاً وصلّی، فإنّ صلاته صحیحة؛ لقاعدة الفراغ، مع أنّ‏‎ ‎‏الماء محکوم بالنجاسة، وکذا أعضاء الوضوء، فلو دار الثمن بین الخمر والخلّ، فأصالة‏‎ ‎‏الصحّة فی البیع لا تثبت کونَ الثمن خلاًّ، ووقوعَ البیع بینه وبین المثمن؛ لأنّه لازم عقلیّ‏‎ ‎‏لها، وحینئذٍ فیحکم بأنّ المبیع للمشتری، ولا یحکم بأنّ الخلّ للبائع.‏

‏نعم العلم الإجمالی بأنّ أحد المالین للمشتری مطلب آخر.‏

‏ثمّ لو ترتّبت الآثار الشرعیّة علی أصالة الصحّة، کما لو طلّق امرأته، وشکّ فی‏‎ ‎‏صحّة الطلاق، فإنّ مقتضی أصالة الصحّة فی طلاق الغیر امرأته، هو الحکم بصحّة‏‎ ‎‏الطلاق، ویترتّب علیه وجوب العدّة، ثمّ جواز تزویجها من غیره بعد العدّة، ثمّ ترتیب‏‎ ‎‏آثار الزوجیّة الثانیة.. وهکذا. وقد تقدّم فی باب الاستصحاب: أنّ ترتّب جمیع تلک‏‎ ‎‏الآثار لیس مستنداً إلی الاستصحاب، بل الاستصحاب إنّما هو لإثبات مبدأ السلسلة،‏‎ ‎‏وأمّا الآثار المتأخّرة عنه بواسطة أو وسائط شرعیّة، فإنّما هی بالکُبریات الشرعیّة‏‎ ‎‏الکلّیّة، فکذلک الکلام فیما نحن فیه، فإنّ أصالة الصحّة إنّما هی لإثبات مبدأ السلسلة،‏‎ ‎‏وأمّا الآثار الشرعیّة المتأخّرة عنه، فإنّما هی لأجل شمول الکُبریات الکلّیّة الشرعیّة‏‎ ‎‏لها، کالأدلّة الدالّة علی وجوب العدّة علی المطلّقة صحیحاً، أو الدالّة علی جواز‏‎ ‎‏تزویجها بعد العدّة وأمّا عدم ترتّب الآثار العقلیّة والعادیّة، فهو لعدم الکبری کذلک، لا‏‎ ‎‏أنّ بناء العقلاء علی ترتّب الآثار الشرعیّة، دون العقلیّة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 424

  • )) فرائد الاُصول : 420 سطر 22 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 666 .