الاستصحاب

الأمر الثانی: حول المراد من الصحّة

الأمر الثانی: حول المراد من الصحّة

‏ ‏

‏هل المراد من الصحّة هی الصحّة الواقعیّة، أو الصحّة عند الفاعل، فلو خالف‏‎ ‎‏اعتقاد الفاعل اجتهاداً أو تقلیداً؛ لاعتقاده فی کیفیّة العمل، لکن احتمل أنّه قد أتی به‏‎ ‎‏موافقاً للواقع، جرت فیه أصالة الصحّة علی الأوّل، دونه علی الثانی؟ وجهان.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 407
فنقول :‏ هذا مبنیّ علی أمر آخر : وهو أنّ السرّ فی بناء العقلاء علیها، هل هو‏‎ ‎‏ظهور کون المکلّف العاقل المرید للامتثال العالم بالأجزاء وشرائط العمل آتیاً به‏‎ ‎‏صحیحاً، فإنّ تعمّد الخلاف خلاف فرض کونه فی مقام الامتثال، وأمّا احتمال المخالفة‏‎ ‎‏سهواً أو غفلةً، فهو خلاف الأصل العقلائی، أو أنّ السرّ فی بنائهم علی الصحّة، إنّما هو‏‎ ‎‏لافتقارهم إلیها فی معاشهم بعد تمدّن البشر، فاستقرّ بناؤهم علیها تعبّداً حتّی صارت‏‎ ‎‏عقلائیّة.‏

فعلی المبنی الأوّل :‏ لابدّ أن یراد بها الصحّة عند الفاعل ـ لا الواقعیّة ـ أی‏‎ ‎‏علی ما هو الصحیح باعتقاده، إلاّ بصحّة ادّعاء آخر، وهو جریان أصالة الصحّة فی‏‎ ‎‏الاعتقاد والاجتهاد أیضاً، فمع جریان الأصلین المذکورین فی موارد الشکّ فی موافقة‏‎ ‎‏عمل الغیر للواقع وعدمه، یحکم بالصحّة وموافقته للواقع.‏

‏لکن جریان أصالة الصحّة فی الاعتقاد والاجتهاد محلّ تأمّل، بل منع؛ لعدم بناء‏‎ ‎‏العقلاء علیها مع کثرة آراء العلماء والمجتهدین واختلاف أنظارهم فی الأحکام، فتجب‏‎ ‎‏السورة ـ مثلاً ـ عند بعضهم دون بعض... وهکذا.‏

‏نعم یمکن دعواها فی بعض الموارد؛ لأجل خصوصیّات خارجیّة، مثل باب‏‎ ‎‏العقود والمعاوضات.‏

وأمّا علی المبنی الثانی :‏ فمع إحراز أنّ بناء العقلاء علیها لأجل ذلک، فالمراد‏‎ ‎‏هی الصحّة الواقعیّة؛ لأنّها مراد الجاعل للقوانین والأحکام، وأمّا إذا لم یحرز هذا ولا‏‎ ‎‏ذاک، بل تردّد الأمر بین أن یکون السرّ ـ فی بناء العقلاء علی أصالة الصحّة فی فعل‏‎ ‎‏الغیر ـ هذا أو ذاک، فلابدّ من ملاحظة أنّ بنائهم، هل هو علی الصحّة الواقعیّة أو‏‎ ‎‏الصحّة عند الفاعل؟‏

فنقول :‏ للشکّ فی المقام صور:‏

الاُولی :‏ أن تعلم موافقة الفاعل لنا فی الرأی والاعتقاد ـ اجتهاداً أو تقلیداً ـ فی‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 408
‏شرائط العمل وأجزائه وکیفیّته.‏

الثانیة :‏ أن تعلم مخالفته لَنا فیه، کما لو اعتقد الفاعل اشتراط العربیّة فی صیغة‏‎ ‎‏العقد، واعتقدنا اشتراطه بالفارسیّة.‏

الثالثة :‏ ما لو عُلمت مخالفة اعتقاده لَنا، لکن لم یکن اعتقاده مضادّاً لاعتقادنا،‏‎ ‎‏کما لو اعتقد التخییر بین القصر والإتمام فی مسجد الکوفة ـ مثلاً ـ مع اعتقادنا وجوب‏‎ ‎‏القصر فقط.‏

الرابعة :‏ ما لم یعلم اعتقاده من حیث المخالفة والموافقة لاعتقادنا.‏

‏لا إشکال فی عدم اختصاص أصالة الصحّة بالصورة الاُولی؛ بداهة أنّ القدر‏‎ ‎‏المتیقّن من بناء العقلاء علیها هی الصورة الرابعة أیضاً؛ لبنائهم علیها فی معاملاتهم مع‏‎ ‎‏الیهود والنصاری، وکذا ائتمامهم بأئمّة الجماعات مع عدم إحراز موافقة رأیهم لهم فی‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط.‏

‏وأمّا الصورة الثانیة فلا إشکال فی عدم بنائهم علی الصحّة فیها، بل وکذا فی‏‎ ‎‏الصورة الثالثة؛ لعدم اعتنائهم باحتمال موافقة عملهم للواقع.‏

‏وجریانها فی الصورة الاُولی والرابعة یرفع اختلال النظام.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 409