الاستصحاب

الجهة السابعة : حول أنحاء الشکوک العارضة للمکلّف

الجهة السابعة : حول أنحاء الشکوک العارضة للمکلّف

‏ ‏

‏صور الشکّ فیما نحن فیه کثیرة، نذکر المهمّ منها، ویتّضح منه الحکم فی غیرها:‏

‏لأنّ المکلّف : إمّا حافظ لصورة العمل وکیفیّة وقوعه فی ظرف الشکّ، کما لو‏‎ ‎‏علم بأنّه قد صلّی إلی تلک الجهة المشکوک أنّها القبلة.‏

‏أو لیس حافظاً لها، کما لو لم یعلم أنّه صلّی إلی هذه الجهة أو تلک، وکما لو لم‏‎ ‎‏یعلم أنّه حرّک خاتمه حال الوضوء؛ لیصل الماء تحته، أو لا.‏

‏وعلی الثانی ـ أی صورة عدم حفظه لصورة العمل ـ : فإمّا أن یکون الشکّ‏‎ ‎‏ناشئاً من جهة احتمال ترک جزء أو شرط ـ سهواً أو نسیاناً ـ مع علمه بالحکم‏‎ ‎‏والموضوع، أو مع جهله بالحکم أو الموضوع، أو معاً.‏

‏والأخیر یتصوّر علی وجهین :‏

أحدهما :‏ أن یکون معتقداً للضدّ مع الجهل بهما أو أحدهما، کما لو علم بأنّ القبلة‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 392
‏هی تلک الجهة وصلّی، ثمّ انکشف له خطؤه وعلم بأنّها هذه، لکنّه احتمل أنّه قد صلّی‏‎ ‎‏إلی القبلة غفلة أو نسیاناً.‏

‏وکما لو اعتقد وجوب التمام علی المسافر، ثم علم بالحکم، لکن احتمل الإتیان‏‎ ‎‏بها رکعتین حال السفر غفلة أو نسیاناً.‏

ثانیهما :‏ أن لایعتقد بالخلاف، بل فرض جهله بسیطاً، کالإناءین اللّذین اعتقد‏‎ ‎‏بأنّ أحدهما مضاف، فتوضّأ من أحدهما غفلة أو نسیاناً، واحتمل مصادفته لغیر‏‎ ‎‏المضاف منهما من باب الاتّفاق.‏

‏وأیضاً فی الصورة التی هو حافظ لکیفیّة العمل وصورته، کما لو علم بعدم‏‎ ‎‏تحریکه الخاتم حال الغسل، قد یحتمل وصول الماء تحت الخاتم قهراً ومن باب‏‎ ‎‏الاتّفاق.‏

‏وفی الفرض الغیر الحافظ لصورة العمل قد یحتمل الترک عمداً.‏

‏فهل المطلقات والعمومات تعمّ جمیع هذه الصور، أو تختصّ بالثانیة، أو مع‏‎ ‎‏غیرها من الصور؟‏

فنقول :‏ إنّ العمومات والمطلقات المتقدّمة تعمّ جمیع هذه الفروض فی بادئ‏‎ ‎‏النظر، لکن مقتضی التأمّل فیها خلافه؛ لأنّه ان کانت القاعدة تعبّداً محضاً، وعلم أنّ‏‎ ‎‏السرّ والنکتة فی جعلها: هو لزومُ العسر والحرج واختلال النظام لولاها، فلدعوی‏‎ ‎‏شمولها لجمیع تلک الصور وجه، لکنّها لیست تعبّداً محضاً.‏

توضیحه :‏ أنّ من القواعد ما لیس لها بین العقلاء اسم ولا رسم ، بل تعبّد‏‎ ‎‏محض، مثل قاعدة «لاتُعاد الصلاة إلاّ من خمسة»‏‎[1]‎‏ ونحوها.‏

ومنها :‏ عقلائیّة محضة یعتمد علیها العقلاء فی اُمورهم ، کقاعدة الید وأصالة‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 393
‏الصحّة فی فعل الغیر فالأخبار الواردة فیها إمضاء لطریقتهم وبنائهم ، لا تأسیس لها.‏

ومنها :‏ ما لیس من قبیل ذا ولا ذاک ، بل هی فیها شیء بینهم مرتکز فی‏‎ ‎‏أذهانهم، لکن لابحیث یعتمدون علیها، بل هی أمر یختلج ببالهم ویخطر فی أذهانهم،‏‎ ‎‏مثل قاعدة التجاوز، فإنّ أذکریّة الإنسان حین العمل وأقربیّته إلی الحقّ أمر مرتکز فی‏‎ ‎‏أذهانهم، فبمجرّد إلقاء الشارع لها تنطبق علی ما فی أذهانهم منها، ویظنّون أنّه السرّ‏‎ ‎‏فی ذلک الحکم ، وتحقّق هذا الأمر منها فی أذهانهم مانع عن انعقاد الإطلاق أو العموم‏‎ ‎‏فی الأخبار الملقی إلیهم ، فمع فرض عدم ذکر الأذکریّة والأقربیّة إلی الحقّ فی الأخبار،‏‎ ‎‏أیضاً لایمکن الأخذ بالإطلاق والعموم؛ لما ذکرناه، فضلاً عن ذکرهما فیها، وکذلک‏‎ ‎‏قوله ‏‏علیه السلام‏‏: (‏بلی قد رکعت‏) مانع عن انعقاد الإطلاق وشموله لجمیع الصور، مثل: ما لو‏‎ ‎‏احتمل الإتیان بالمشکوک سهواً أو غفلة، مع جهله بالحکم أو الموضوع أو معاً بسیطاً‏‎ ‎‏أم مرکّباً، وکذلک صورة احتمال الموافقة للواقع اتّفاقاً، أو احتمال الترک عمداً، وکذا‏‎ ‎‏صورة حفظه لصورة العمل وکیفیّته وأنّه لم یحرِّک الخاتم.‏

‏وحینئذٍ فالقاعدة تختصّ بصورة العلم بالحکم والموضوع، لکن احتمل ترک‏‎ ‎‏جزء أو شرط سهواً ونسیاناً مع عدم حفظه لصورة العمل، کما هو مساق جمیع‏‎ ‎‏الروایات ومصبّها، مثل روایة زرارة: (‏رجل شکّ فی الأذان وقد دخل فی‎ ‎الإقامة...)‎[2]‎‏ إلی آخره، فإنّ ظاهرها فرض ذلک فیمن هو عالم بالحکم والموضوع،‏‎ ‎‏لکن احتمل الترک لجزء أو شرط سهواً أو نسیاناً، مع عدم حفظه لصورة العمل،‏‎ ‎‏وکذلک غیرها من الروایات، لا أقول: إنّها مخصَّصة أو مقیَّدة، بل أقول: لیس لها عموم‏‎ ‎‏أو إطلاق ابتداءً ورأساً؛ لما ذکرناه من المانع عنه.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 394

  • )) الفقیه 1 : 225 / 8 ، تهذیب الأحکام 2 : 152 / 597 ، وسائل الشیعة 4 : 770، کتاب الصلاة، أبواب القراءة فی الصلاة، الباب 29 ، الحدیث 5 .
  • )) تهذیب الأحکام 2 : 352 / 1459 ، وسائل الشیعة 5 : 336، کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، الباب 23 ، الحدیث 1 .