الاستصحاب

عدم جواز الترجیح لأحد الاستصحابین

عدم جواز الترجیح لأحد الاستصحابین

‏ ‏

‏أمّا الکلام فی الترجیح : فالظاهر عدم وجود مورد یمکن ترجیح أحد‏‎ ‎‏الاستصحابین فیه علی الآخر بمزیّة من المزایا؛ لأنّ الترجیح بها یتوقّف علی اُمور:‏

الأوّل :‏ جریان الأصلین فی أنفسهما فی أطراف العلم الإجمالی، کما أنّ الترجیح‏‎ ‎‏فی الأمارات والأدلّة أیضاً یتوقّف علی حجّیّتهما فی أنفسهما.‏

الثانی :‏ اجتماع المزیّة مع ذیها والطرف الآخر المعارض فی التحقّق، وإلاّ فلو لم‏‎ ‎‏یمکن اجتماعها معهما أو مع أحدهما، فلایمکن الترجیح بها، کما لو کانت المزیّة ممّا ینعدم‏‎ ‎‏بوجود ذی المزیّة أو الطرف الآخر أو بالعکس؛ لأجل حکومتها علیه أو بالعکس.‏

الثالث :‏ اتّحاد مضمونهما فلو اختلفا بأن یکون أحدهما طریقاً إلی الواقع،‏‎ ‎‏ومؤدّی الآخر حکماً ظاهریّاً، فلایمکن الترجیح بها.‏

‏ولأجل اشتراط الأمر الثانی والثالث المذکورین ینتفی الترجیح بجُلّ المرجّحات‏‎ ‎‏أو کلّها فی المقام؛ وذلک لأنّ ترجیح أحد الاستصحابین: إمّا بالأمارات والأدلّة‏‎ ‎‏الاجتهادیّة، أو بالاُصول الشرعیّة، أو العقلیّة المعتبرة، أو الظنّ الغیر المعتبر شرعاً،‏‎ ‎‏کالقیاس وخبر الواحد فی الموضوعات؛ بناء علی عدم حجّیّته فیها.‏

أمّا الأدلّة الاجتهادیّة‏ فمع وجودها لا مجال لجریان الاستصحاب؛ لحکومتها‏‎ ‎‏علیه، کما لو قامت البیّنة علی أنّ الطاهر من الإناءین هو هذا الطرف من أطراف العلم‏‎ ‎‏الإجمالی بنجاسة أحدها، فلایجری واحد من الاستصحابین :‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 295
أمّا الاستصحاب الموافق لها :‏ فلانتفائه بقیام البیّنة والدلیل، وعدم اجتماعهما فی‏‎ ‎‏التحقّق.‏

وأمّا الاستصحاب المخالف لها :‏ فلأنّ لازم تلک البیّنة أو الدلیل الاجتهادی أنّ‏‎ ‎‏النجس هو الطرف الآخر، ویثبت بها ذلک لحجّیّة مثبتات الأمارات والأدلّة‏‎ ‎‏الاجتهادیّة، فهی حاکمة علیه أیضاً.‏

‏وهکذا الکلام فی الاُصول الشرعیّة المقدّمة علی الاستصحاب ـ کقاعدتی‏‎ ‎‏الفراغ والتجاوز ونحوهما ـ فإنّ الکلام فیها ونسبتها إلی الاستصحاب، هو الکلام‏‎ ‎‏بعینه فی الأدلّة الاجتهادیّة ونسبتها إلی الاستصحاب.‏

‏وأمّا الترجیح بالأصل الشرعی فیکون الاستصحاب مقدّماً علیه، کأصالة‏‎ ‎‏البراءة والحلّیّة ونحوهما، فلایمکن الترجیح بها أیضاً؛ لحکومة الاستصحاب علیها‏‎ ‎‏ولعدم تحقّقها وجریانها معه.‏

‏وأمّا الاُصول العقلیّة، کأصالة البراءة العقلیّة وأصالة الصحّة ونحوهما،‏‎ ‎‏فالاستصحاب حاکم علیها أیضاً، فلایجتمعان فی التحقّق والجریان.‏

وأمّا الظنّ الغیر المعتبر شرعاً :‏ فإن قلنا: إنّ مفاد (‏لاینقض‏) هو التعبّد بالبناء‏‎ ‎‏العملی علی بقاء الیقین، فهوأیضاً کذلک لایمکن ترجیح أحد الاستصحابین به؛ لوجهین:‏

أحدهما :‏ اختلاف رتبتهما؛ بحیث لایجتمعان فی التحقّق؛ لأخذ الشکّ فی‏‎ ‎‏موضوع الاستصحاب، بخلاف الظنّ، فإنّه طریق إلی الواقع وإن لم یکن حجّةً.‏

وثانیهما :‏ اختلاف مضمونهما ومفادهما؛ حیث إنّ الظنّ وإن کان غیر معتبر،‏‎ ‎‏لکن مؤدّاه بیان الواقع، بخلاف الاستصحاب علی هذا التقدیر، فإنّ مؤدّاه هو الحکم‏‎ ‎‏الظاهری والوظیفة العملیّة، فلایمکن الترجیح به أیضاً.‏

وأمّا لوقلنا :‏ إنّ الاستصحاب أصل محرِز للواقع، فالحقّ إمکان ترجیح أحدهما‏‎ ‎‏به؛ لاعتضادالاستصحاب الموافق له وتقویته به؛ لاجتماعهما فی التحقّق واتّحاد مضمونها.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 296
‏ومن هنا یظهر الإشکال فیما اختاره المیرزا النائینی ‏‏قدس سره‏‏ : من عدم الترجیح به،‏‎ ‎‏مع أنّ الاستصحاب عنده ‏‏قدس سره‏‏ من الاُصول المحرِزة‏‎[1]‎‏، مضافاً إلی المناقضة بین کلماته؛‏‎ ‎‏حیث إنّه ذهب إلی عدم جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإجمالی مطلقاً؛ وإن لم‏‎ ‎‏یستلزم المخالفة العملیّة، وأنّه کیف یُعقل التعبّد بطهارة کلّ واحد من الإناءین مع العلم‏‎ ‎‏الإجمالی بنجاسة أحدهما؟!‏‎[2]‎‏ فإنّه مناقض لما اختاره هنا من عدم ترجیح أحدهما‏‎ ‎‏بالظنّ فی المقام، فإنّه لا وجه له إلاّ اختلافهما فی المضمون.‏

بیان المناقضة :‏ أنّ الظنّ مثل العلم فی أنّه طریق إلی الواقع، فإنّ مفاده بیان‏‎ ‎‏الواقع، غایة الأمر أنّ الفرق بینهما: هو أنّ العلم کاشف تامّ، والظنّ ناقص، فعدم‏‎ ‎‏جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الإجمالی، إنّما هو لأجل مخالفة أحد‏‎ ‎‏الاستصحابین للعلم الإجمالی؛ لأنّ الاستصحاب عنده ‏‏قدس سره‏‏ من الاُصول المحرِزة، والظنّ‏‎ ‎‏مثل العلم فی ذلک؛ أی فی مخالفته لأحد الأصلین، ولازم ذلک ترجیح الأصل الموافق‏‎ ‎‏له به؛ لاعتضاده وتقویته به واتّحاد مضمونیهما، فما ذهب إلیه هنا ـ من عدم ترجیح‏‎ ‎‏أحدهما به ـ منافٍ لما ذکره: من عدم جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی أصلاً‏‎ ‎‏لأجل المناقضة بینهما، لکن الکلام فی مناقضة العلم الإجمالی للاستصحاب فی‏‎ ‎‏الأطراف، فإنّه محلّ إشکال بل منع.‏

فتلخّص :‏ أنّ الترجیح لأحد الاستصحابین غیر ممکن.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 297

  • )) فوائد الاُصول 4 : 691 ـ 692 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 693 .