توجیه شیخنا الحائری قدس سره کلام الشیخ الأعظم قدس سره
وقال شیخنا الحائری قدس سره ما حاصله : إنّ ظاهر کلام الشیخ قدس سره وإن کان یوهم ما یرد علیه الاعتراض، إلاّ أنّه یمکن توجیهه علی وجه یسلم من المناقشة.
وتوضیح ذلک یحتاج إلی بیان مقدّمة : هی أنّ القضایا الصادرة من المتکلّم ـ سواء کانت من سنخ إنشاء الأحکام أو من قبیل الأخبار ـ مشتملة علی نسب ربطیّة متقوّمة بالموضوعات الخاصّة، مثلاً قولنا: «أکرم زیداً» مشتمل علی إرادة إیقاعیّة مرتبطة بإکرام زید، وکذا قولنا: «زید قائم» مشتمل علی نسبة تصدیقیّة حاکیة متقوّمة بهذا الموضوع الخاصّ والمحمول کذلک، وحال هذه النسب فی الذهن حال الأعراض فی الخارج فی الاحتیاج إلی الغیر فی التحقّق، وکذا فی عدم إمکان انتقالها من محلّ إلی آخر، وهذا واضح.
إذا عرفت هذا نقول : لو فرضنا أنّ المتیقّن فی السابق هو وجوب الصلاة، فالجاعل للحکم فی الزمان الثانی: إمّا أن یجعل الوجوب للصلاة، وهو المطلوب هنا من لزوم بقاء اتّحاد الموضوع، وإمّا أن ینشأ هذه الإرادة الحتمیّة الربطیّة من دون موضوع وهو محال؛ ضرورة تقوّمها فی النفس بموضوع خاصّ.
وأمّا أن ینشأ لغیر الصلاة : فإمّا أن ینشأ تلک الإرادة المتقوّمة بموضوع الصلاة لغیرها، وإمّا أن ینشأ إرادة مستقلّة، والأوّل محال؛ لاستحالة انتقال العرض، والثانی ممکن، لکنّه لیس إبقاءً لما سبق.
هذا فی الشبهة الحکمیّة.
وأمّا الشبهة الموضوعیّة : فلنفرض أنّ المتیقّن السابق هو خمریّة هذا المائع الخاصّ، ففی الزمان الثانی لواقع تلک النسبة التصدیقیّة المرتبطة بالخمریّة وهذا المائع تعبّداً، فإن کان طرف النسبة المذکورة هذا المائع فقد ثبت المطلوب، وإلاّ فإن لم یکن
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 247
لها طرف یلزم تحقّق العرض ـ أعنی هذه النسبة الربطیّة فی النفس ـ من دون محلّ، وهو محال.
وإن کان لها طرف ، فإن أوقع تلک النسبة المتقوّمة بطرف خاصّ لمحلّ آخر، فهو محال؛ للزوم انتقال العرض، وإن أوقعها لمحلّ آخر فهو ممکن، لکنّه لیس إبقاءً للحالة السابقة.
وأمّا الإشکال الثانی الذی ذکره قدس سره ففیه : أنّ الوجود وإن لا یتشخّص بالماهیّة، لکنّه یتشخّص بحدوده الخاصّة، فإنّ وجود زید ووجود عمرو وجودان متعدّدان قطعاً، وکذا السواد الضعیف المنتزع من حدٍّ خاصّ من وجود السواد، والسواد الشدید المنتزع من حدّ خاصّ منه، فإنّ انتزاعهما منه یکشف عن اختلاف الوجودین اللّذین هما منشأ انتزاعهما؛ إذ لایعقل اختلاف عنوان المنتزع من دون اختلاف فی منشأ الانتزاع.
ومن هنا ظهر : أنّ استصحاب بقاء السواد فیما إذا قطع بتبدّله علی تقدیر البقاء مبنیّ علی أحد أمرین: إمّا جواز استصحاب القسم الثالث، وإمّا القول بوحدة هذین الوجودین بنظر العرف وإن کانا متعدّدین فی نظر العقل، فاحفظ ذلک. انتهی.
أقول : هذا التوجیه غیر وجیه؛ وذلک لأنّه لو تعلّقت إرادة إیجابیّة ـ مثلاً ـ بوجوب صلاة الجمعة، فلا ریب فی أنّه لایراد بالاستصحاب جرّها إلی زمان الشکّ؛ بإیجاد إرادة واقعیّة فی زمان الشکّ، بل الاستصحاب حکم ظاهریّ مفاده التعبّد بالبقاء، والحکم بترتیب الآثار منجِّز للواقع علی فرض الإصابة والعذر عند عدمها؛ من دون فرق فیه بین الشبهات الحکمیّة والموضوعیّة، بل فی الثانیة أوضح؛ حیث إنّه لامعنی لاستصحاب الموضوعات إلاّ الحکم بترتیب آثارها، وبناء علی ما ذکره قدس سره
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 248
یلزم أن یکون مؤدّی الاستصحاب حکماً واقعیّاً، وهو کما تری، اما بناءً علی ما ذکرنا فمرجع مثل استصحاب الکرّیّة والطهارة ونحوهما إلی إسقاط شرطیّتها للصلاة أو لتطهّر الثوب النجس ـ مثلاً ـ علی فرض عدم إصابة الواقع، لا جعل الطهارة والکرّیّة المستصحبتین مثل الطهارة والکرّیّة الواقعیّتین.
فإن قلت : هذا التوجیه وإن کان غیر وجیه بناءً علی المختار : من أنّ مفاد الاستصحاب هو مجرّد الحکم بترتیب الآثار والبناء العملی علی البقاء، لکنّه وجیه؛ بناء علی ما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی قدس سره : من أنّ مفاده جعل الحکم المماثل، فإنّه بناء علیه لایرد علیه الإشکال.
قلت : یبعد جدّاً إرادة صاحب الکفایة ذلک وان عبّر به، بل الظاهر أنّ مراده من المماثل هو الحکم الظاهری بترتیب الآثار المماثلة لآثار الحکم الواقعی، لا أنّ مفاده حکم واقعیّ بتعلّق إرادة حتمیّة واقعیّة به، فإنّ ذلک ممّا یبعد نسبته إلیه قدس سره، وإلاّ فیرد علیه إشکال أقوی من الإشکال المذکور، بل لنا أن نقلب الدلیل علی شیخنا الاُستاذ الحائری قدس سره؛ فنقول : لو کان للمولی إرادة حتمیّة فی الزمان السابق فتلک الإرادة: إمّا موجودة فی الزمان اللاّحق واقعاً أو لا، فعلی الأوّل فلم تحدث بالاستصحاب إرادة جدیدة فی الزمان اللاّحق، وعلی الثانی فإحداث إرادة جدیدة بالاستصحاب لیس إبقاءً للاُولی، بل إحداث إرادة جدیدة.
وبعبارة اُخری : الإرادة الحتمیّة : إمّا متحقّقة فی الزمان اللاّحق وباقیة فیه ـ لا أنّه تحدث إرادة جدیدة اُخری ـ أو لا ، بل یراد إیقاعها بالاستصحاب، فعلی الأوّل لایحتاج إلی الاستصحاب، وعلی الثانی فلیس ذلک إبقاء للحالة السابقة، بل إیجاد إرادة اُخری وإحداثها.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 249
وأمّا ما أفاده فی الجواب عن الإشکال الثانی ففیه ما عرفت سابقاً: من أنّ الموجودات المتدرّجة الوجود ـ کالزمان والحرکة الاشتدادیّة وغیرهما ـ واحدة بوحدة شخصیّة، وإلاّ یلزم المحال، وکذلک هی عند العرف، فإنّ تبدّل السواد الضعیف ـ مثلاً ـ إلی الشدید لیس تبدّلاً فی الوجود بل الشدید المتبدّل إلیه هو الضعیف السابق عرفاً بزیادة الاشتداد، لا أنّه موجود آخر یغایر الأوّل، وقد تقدّم تفصیل ذلک، فراجع.
وتقدّم أیضاً : أنّ استصحاب هذا القسم من الموجودات استصحاب للشخص، لا الکلّی.
فتلخّص : أنّ ما أورده فی «الکفایة» علی الشیخ الأعظم قدس سره حقٌّ وصحیح.
مضافاً إلی أنّه لو فرض جواز انتقال العرض أو تحقّقه لا فی موضوع کالعدالة، لکن استصحابه لایفید شیئاً؛ إذ لایثبت بذلک اتّصاف الموضوع به، فلایثبت بالاستصحاب المذکور أنّ زیداً عادل.
ثمّ إنّ اتّحاد القضیّة المتیقّنة مع المشکوکة: إمّا مُحرَز بالوجدان، کما فی الهلیّات البسیطة، مثل استصحاب وجود زید، فإنّ المحمول قد یترتّب علی الموضوع بلا واسطة فی ترتّبه، مثل حمل الوجود علی زید، فإنّه لا واسطة فی ترتّبه علیه عقلاً ولا عرفاً، وقد یترتّب علیه بواسطة عقلیّة ، کحمل المتنفّس والمتحرّک علی زید بواسطة الوجود والحیاة، فإنّه ما لم یکن موجوداً حیّاً لایصحّ حمل المتنفّس والمتحرّک علیه، لکن الموضوع لهما نفس زید لا الموصوف بالوجود والحیاة.
وقد یترتّب علیه بواسطة لیست قیداً للموضوع عرفاً، بل هو عندهم بنحو القضیّة الحقیقیّة، کثبوت العدالة لزید بواسطة الوجود، فإنّه لا دخل للوجود فی تحقّق العدالة له عند العرف بنحو التقیید، بل هو عندهم بنحو القضیّة الحینیّة، مثل «زید عادل حین هو موجود» ففی جمیع هذه الأقسام اتّحاد القضیّتین مُحرَز بالوجدان، وأنّ
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 250
الموضوع فی جمیعها هو زید، لا زید الموجود، وهو بعینه الموضوع فی القضیّة المشکوکة أیضاً.
ولا فرق فی ذلک بین کون الشکّ فی المحمول ناشئاً عن الشکّ فی وجود الموضوع أو لا .
وقد یقیّد الموضوع بقید فالموضوع هو المقیّد بما هو مقیّد، مثل «زید الحیّ عادل»، والقید إمّا محرَز بالوجدان ، کما لو علم بحیاته بالوجدان، وشکّ فی بقاء عدالته، فإنّه لا إشکال فی صحّة استصحابها لاتحاد القضیّتین.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 251