الاستصحاب

الفرع الأوّل: فی تعاقب النجاسة والطهارة

الفرع الأوّل: فی تعاقب النجاسة والطهارة

‏ ‏

‏لو علم بطهارةٍ وحدثٍ، وشکّ فی المتقدّم منهما والمتأخّر: فالمنقول عن المشهور‏‎ ‎‏فی خصوص هذا الفرع: أ نّه یجب علیه الطهارة؛ لقاعدة الاشتغال وتعارض‏‎ ‎‏الاستصحابین‏‎[1]‎‏.‏

‏ونقل عن المحقّق أ نّه یأخذ بضدّ الحالة السابقة علیهما، فإن کانت هی الطهارة‏‎ ‎‏فهو محدث یجب علیه الطهارة، وإن کانت هی الحدث فهو متطهّر‏‎[2]‎‏.‏

‏وحُکی تبعة المتأخّرون عنه‏‎[3]‎‏.‏

‏ومحقّقوا متأخّری المتأخّرین، کالشیخ الأعظم‏‎[4]‎‏ والفقیه الهمدانی‏‎[5]‎‏ والمیرزا‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 212
‏النائینی‏‎[6]‎‏ قدّست أسرارهم وافقوا المشهور.‏

والحقّ :‏ هو التفصیل بین مجهولی التأریخ وبین المعلوم تأریخ أحدهما؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏الحالة السابقة للحادثین: إمّا معلومة أوْ لا، وعلی الأوّل: فإمّا أن یکون الأثر المترتّب‏‎ ‎‏علی الحالة السابقة مثل الأثر المترتِّب علی أحدهما، کما لو کان الثوب سابقاً متنجِّساً‏‎ ‎‏بالبول، ثمّ علم بعروض طهارة ونجاسة بالبول علیه بعد ذلک، أو زائد علیه، کما لو‏‎ ‎‏علم فی المثال بعروض طهارة ونجاسة بالدم علیه؛ بناءً علی وجوب الغسل مرّتین فی‏‎ ‎‏الدم، ومن البول مرّة واحدة.‏

وعلی أیّ تقدیر :‏ إمّا أن یکونا مجهولی التأریخ، أو یعلم تأریخ أحدهما، فعلی‏‎ ‎‏الأوّل ـ مع عدم العلم بالحالة السابقة ـ فلا إشکال فی جریان الاستصحاب فی کلّ‏‎ ‎‏منهما وتساقطهما بالمعارضة.‏

‏وعلی الثانی فالمحکی عن بعض : أنّ استصحاب عدم حدوث مجهول التأریخ إلی‏‎ ‎‏زمان المعلوم التأریخ یثبت تأخّره عنه‏‎[7]‎‏، لکن قد عرفت عدم حجّیّة المثبِت من‏‎ ‎‏الاُصول .‏

‏ومع ترتّب الأثر فی مجهولی التأریخ علی أحدهما فقط، فلا إشکال فی جریان‏‎ ‎‏استصحابه بلا معارض.‏

‏وإنّما الکلام فیما لو علمت الحالة السابقة علیهما، کما لو فرض کونه محدثاً‏‎ ‎‏بالحدث الأصغر، ثمّ علم بعروض طهارة وحدث أصغر آخر، وشکّ فی المتقدّم‏‎ ‎‏والمتأخّر منهما مع الجهل بتأریخهما، فذهب المحقّق ‏‏قدس سره‏‏ إلی أنّ الحدث السابق مرتفع قطعاً‏‎ ‎‏بالطهارة المعلوم وقوعها بعده، ولم یعلم انتقاض تلک الطهارة؛ لجواز تعاقب الحدثین،‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 213
‏فتستصحب، وکذلک العکس‏‎[8]‎‏.‏

واُورد علیه :‏ بأ نّه یعلم إجمالاً بحدوث حدث آخر أیضاً لم یعلم ارتفاعه،‏‎ ‎‏والمعلوم ارتفاعه هو الحدث الأوّل، فکما أ نّه یعلم بارتفاع الحدث الأوّل، کذلک یعلم‏‎ ‎‏بحدوث حدث آخر لایعلم ارتفاعه، فیستصحب أیضاً‏‎[9]‎‏.‏

أقول :‏ توضیح الکلام فی المقام علی وجه یندفع به هذا الإشکال یحتاج إلی‏‎ ‎‏تقدیم مقدّمة : هی أنّ الأسباب الشرعیّة ـ کسببیّة النوم لانتقاض الوضوء وأمثالها‏‎ ‎‏کأسباب الطهارة کلّها ـ أسباب اقتضائیّة وفعلیّتها متوقّفة علی عدم مسبوقیّتها بالمثل،‏‎ ‎‏فالسببیّة الفعلیّة للنوم بالنسبة للحدث إنّما هی فیما لو عرض للمتطهّر، فأمّا المسبوق‏‎ ‎‏بحدث آخر مثله فلیس مسبّباً فعلیّاً للحدث وانتقاض الطهارة، فإنّه لا معنی للحدث‏‎ ‎‏بعد الحدث، وکذا الانتقاض بعد الانتقاض، وکذلک سائر الأسباب الشرعیّة،‏‎ ‎‏کالنجاسة والطهارة، وحینئذٍ ففیما نحن فیه وإن علم المکلّف بحدوث البول ـ مثلاً ـ بعد‏‎ ‎‏الحدث الأوّل أیضاً، لکنّه إنّما یؤثّر لو وقع بعد الطهارة المعلوم حصولها إجمالاً، وأمّا‏‎ ‎‏النوم أو البول الصادر منه قبلها فلا أثر له؛ لما عرفت، لکنّه حیث یعلم بحصول طهارة‏‎ ‎‏منه فلا إشکال فی صحّة استصحابها، بخلاف الحدث؛ لعدم العلم بالمؤثّر منه بالحدث‏‎ ‎‏الثانی، فمرجعه إلی ضمّ احتمال الحدث بعد الطهارة إلی العلم التفصیلی بالطهارة.‏

وقال الفقیه الهمدانی ما حاصله :‏ إنّه ـ بعد حدوث البول الثانی مثلاً ـ عالم‏‎ ‎‏بصدور الحدث منه: إمّا من السبب السابق إن تأخّرت الطهارة عن الحدث واقعاً، أو‏‎ ‎‏من السبب الثانی لو تقدّمت علیه، فهو شاکّ فی ارتفاعه، فیستصحب أیضاً‏‎[10]‎‏.‏

وفیه :‏ أ نّه وقع الخلط فی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ ؛ لأنّ ما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ عبارة اُخری عن العلم‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 214
‏الإجمالی بحدوث النوم إمّا قبل الوضوء، وإمّا بعده، وقد عرفت أ نّه غیر مؤثّر لو صدر‏‎ ‎‏قبل الوضوء، فهو نظیر العلم الإجمالی إمّا بوقوع العطسة قبل الوضوء أو بعده، فکما‏‎ ‎‏أنّ ضمّ العطسة إلی العلم بالوضوء من قبیل ضمّ الحجر إلی جنب الإنسان لایؤثّر‏‎ ‎‏شیئاً، کذلک العلم بالنوم الثانی، فالمعلوم بالإجمال هو حدوث النوم لا الحدث،‏‎ ‎‏والمقصود استصحاب الحدث المسبَّب عن النوم، لا استصحاب السبب، فهذا الشخص‏‎ ‎‏یعلم بالحدث تفصیلاً قبل الوضوء، وشاکّ فی حدوث حدث آخر بعد الوضوء بعد‏‎ ‎‏ارتفاع الحدث الأوّل قطعاً، فهو نظیر ما تقدّم فی شبهة استصحاب الجنابة فیمن رأی‏‎ ‎‏فی ثوبه أثر الجنابة علی التفصیل المتقدّم.‏

وبعبارة اُخری :‏ وقع الخلط فی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ بین العلم الإجمالی وبین العلم‏‎ ‎‏التفصیلی المنضمّ إلی الشکّ البَدْوی، واشتبه الأمر بینهما، فإنّ العلم الإجمالی إنّما هو فیما‏‎ ‎‏لو کان هناک إجمال فی النفس وتردید بین الأطراف، کالنجاسة المعلومة بین هذا الإناء‏‎ ‎‏أو ذاک؛ بحیث لو لم یکن النجس أحدهما فالآخر هو النجس، وأمّا لو علم بأنّ هذا‏‎ ‎‏الإناء نجس تفصیلاً، وعلم بوقوع قطرة من البول إمّا فیه أو فی طاهر، فإنّه یعلم‏‎ ‎‏بوقوع قطرة منه فی أحدهما، لکنّه لایؤثِّر فی وجوب الاجتناب عن الطاهر؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض أ نّه یعلم بنجاسة أحدهما المعیّن تفصیلاً لا إجمال فیه، ویشکّ بدواً فی نجاسة‏‎ ‎‏الآخر لاحتمال وقوع القطرة فیه، وکذلک لو علم بالجنابة تفصیلاً، ثمّ علم بحصول‏‎ ‎‏جنابة اُخری واغتسالٍ من جنابة، ولم یعلم المتقدّم منهما والمتأخّر، فإنّه وإن یعلم‏‎ ‎‏بحدوث جنابة اُخری إجمالاً، لکن لا إجمال بالنسبة إلی الجنابة الاُولی، ویشکّ فی‏‎ ‎‏حصول جنابة مؤثّرة فی وجوب الاغتسال أولا؛ لجواز تعاقب الجنابتین، فکذا فیما نحن‏‎ ‎‏فیه، فإنّ المعلوم بالإجمال إنّما هو حدوث السبب ، کالنوم إمّا قبل الوضوء أو بعده،‏‎ ‎‏وأمّا الحدث الذی هو مسبَّب عن النوم فهو معلوم بالتفصیل قبل الوضوء، ویحتمل‏‎ ‎‏حدوث حدث آخر بعد الوضوء.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 215
‏مضافاً إلی أ نّه إن اُرید استصحاب شخص الحدث فیما لو کانت الحالة السابقة،‏‎ ‎‏الحدث، فالمفروض تردّده بین مقطوع الارتفاع ومحتمل الحدوث والبقاء، ولا مجال‏‎ ‎‏لاستصحاب واحد منهما لاختلال أرکانه.‏

‏وإن اُرید استصحاب کلّیّه فهو إنّما یصحّ إذا احتمل وجود جنابة اُخری مقارناً‏‎ ‎‏لارتفاع الشخص الأوّل منها؛ لیکون من القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلّی،‏‎ ‎‏ومحل الکلام لیس کذلک، وحینئذٍ فلا یحتمل بقاء الکلّی؛ للعلم بعدم اتّصال زمان‏‎ ‎‏الشکّ بزمان الیقین.‏

‏ومن هنا یظهر ما فی کلام المیرزا النائینی، فإنّه قال ما حاصله:‏

‏إنّه فرق فی جریان الاستصحاب بین أن یکون التردید فی مصداق طبیعة‏‎ ‎‏الحدث، وبین التردید فی أجزاء الزمان، وما نحن فیه من قبیل الثانی‏‎[11]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ التردید فیما نحن فیه لیس فی عمود الزمان؛ لأنّ التردید فیه فی تقدّم‏‎ ‎‏طبیعة الحدث علی الطهارة وعدمه، والمفروض فیه أ نّه یعلم بالحدث قبل الوضوء،‏‎ ‎‏ویشکّ فی صدور الحدث ـ مثلاً ـ بعد الوضوء، فلا مجال لاستصحابه ؛ لأنّ الشخص‏‎ ‎‏الأوّل منه قد ارتفع قطعاً، والمصداق الثانی منه مشکوک الحدوث. هذا کلّه فی مجهولی‏‎ ‎‏التأریخ.‏

وأمّا لو علم تأریخ أحدهما وجهل الآخر،‏ فالحقّ فیه التفصیل بین ما لو کان‏‎ ‎‏المعلوم تأریخه مثل الحالة السابقة علیهما أو نقیضه، ولکن کان أثره أنقص من الأثر‏‎ ‎‏المترتّب علی الحالة السابقة، وبین ما لو کان ضدّه أو مثله، ولکن له أثر زائد علی أثر‏‎ ‎‏الحالة السابقة، ففی الأوّل یجری استصحاب کلّ واحد منهما، ویتعارضان، کما هو‏‎ ‎‏المشهور، بخلاف الثانی فیجری استصحاب المعلوم التأریخ فیه بلا معارض.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 216
‏أمّا جریانهما فی الأوّل فلأ نّه لو فرض کونه محدثاً عند الطلوع، وعلم بحدوث‏‎ ‎‏سبب آخر لهذا الحدث عند الزوال، وعلم بصدور طهارة منه إمّا قبل الزوال أو بعده،‏‎ ‎‏فهو بعد الزوال شاکّ فی أ نّه محدث أو متطهّر؛ من جهة تردّد الطهارة بین وقوعها قبل‏‎ ‎‏الزوال أو بعده، فهو عالم بکونه مُحدِثاً عند الزوال: إمّا بسبب النوم الأوّل ـ مثلاً ـ عند‏‎ ‎‏الطلوع علی فرض وقوع الطهارة بعد الزوال، أو بسبب النوم الثانی لدی الزوال علی‏‎ ‎‏فرض وقوع الطهارة قبل الزوال، وشاکّ فی بقائه علی الحدث، فیستصحب کلّیّ‏‎ ‎‏الحدث بهذا السبب أو بذاک، وکذلک هو عالم بصدور طهارة منه رافعة وإن لم یعلم أ نّها‏‎ ‎‏قبل الزوال أو بعده، وشاکّ فی بقائها، فتستصحب، ویتعارضان ویتساقطان، فیجب‏‎ ‎‏علیه الطهارة للمشروط بها.‏

وتوهّم :‏ عدم جریان استصحاب الطهارة فیه؛ لعدم إحراز اتّصال زمانی الشکّ‏‎ ‎‏والیقین؛ لاحتمال وقوعها قبل الزوال‏‎[12]‎‏.‏

مدفوع :‏ بأ نّه لایعتبر فی الاستصحاب إلاّ احتمال البقاء مع الیقین السابق، وهو‏‎ ‎‏متحقّق هنا مع الشکّ فی الاتّصال، فلایلزم فیه إحراز الاتّصال، بل یکفی عدم تخلّل‏‎ ‎‏الیقین بالخلاف.‏

‏وکذلک فیما لو کان أثر الثانی أنقص وأقلّ من الحالة السابقة، کما لو علم بتنجّس‏‎ ‎‏ثوبه بالبول عند الطلوع، وعلم بإصابة الدم له عند الزوال؛ بناء علی وجوب غسل‏‎ ‎‏المتنجّس بالبول مرّتین وبالدم مرّة، وعلم بتطهیر الثوب إمّا قبل الزوال أو بعده، فإنّ‏‎ ‎‏الاستصحابین یجریان ویتساقطان: أمّا استصحاب الطهارة فلعلمه بها سابقاً وشکّه فی‏‎ ‎‏بقائها، وأمّا استصحاب النجاسة فکذلک لعلمه بها سابقاً وشکّه فی بقائها.‏

‏وأمّا لو کان معلوم التأریخ ضدّ الحالة السابقة فیجری استصحابه بلا معارض؛‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 217
‏لأ نّه لو کان محدِثاً عند الطلوع، وعلم بطهارته عند الزوال، وعلم بصدور حدث منه‏‎ ‎‏إمّا قبل الزوال أو بعده، فإنّ استصحاب الطهارة المتیقَّنة لدی الزوال جارٍ بلا معارض؛‏‎ ‎‏للعلم بها لدی الزوال والشکّ فی بقائها، ولا مجال فیه لاستصحاب الحدث؛ لا بالنسبة‏‎ ‎‏إلی شخصه ولا إلی کلّیّه : أمّا شخصه فلأنّ الشخص الأوّل منه عند الطلوع مقطوع‏‎ ‎‏الارتفاع عند الزوال بحصول الطهارة المتیقّنة، والشخص الآخر منه محتمل الحدوث‏‎ ‎‏بعد الزوال، فلا یتمّ فیه رکنا الاستصحاب.‏

‏وأمّا بالنسبة إلی کلّیّه فلابدّ أن یکون من القسم الثالث من استصحاب الکلّی،‏‎ ‎‏ولیس منه؛ لأ نّه لابدّ فی استصحاب الکلّی المذکور من احتمال وجود فرد آخر من‏‎ ‎‏الحدث مقارناً لارتفاع الشخص الأوّل منه، وما نحن فیه لیس کذلک.‏

‏وکذلک لو کان معلومُ التأریخ مثلَ الحالة السابقة، لکن أثره أزید من أثر الحالة‏‎ ‎‏السابقة، کما لو تنجّس ثوبه بالدم عند الطلوع وعلم بتنجسه عند الزوال بالبول؛ بناءً‏‎ ‎‏علی ما تقدّم: من وجوب غسل المتنجّس بالبول مرّتین وبالدم مرّة، وعلم بتطهیره‏‎ ‎‏الثوب إمّا قبل الزوال أو بعده، وشکّ فی البقاء، فإنّ استصحاب النجاسة فیه جارٍ بلا‏‎ ‎‏معارض؛ للعلم بها عند الزوال والشکّ فی بقائها بعده، وأمّا الطهارة: فالمحتمل وجودها‏‎ ‎‏قبل الزوال مرتفع قطعاً، وأمّا التی بعد الزوال فهی غیر متیقّنة، فلم تتحقّق فیها أرکان‏‎ ‎‏الاستصحاب حتّی یعارض استصحاب النجاسة، وأمّا استصحاب کلّیّهما فقد عرفت‏‎ ‎‏الحال فیه.‏

‏والسرّ فی جمیع ما ذکرناه فی مجهولی التأریخ والمعلوم تأریخ أحدهما أمران:‏

أحدهما :‏ أنّ المعتبر فی الاستصحاب هو عدم تخلّل العلم التفصیلی بالخلاف بین‏‎ ‎‏زمانی الشکّ والیقین، ولایضرّ فی جریانه تخلّل العلم الإجمالی بالخلاف بینهما، فإنّه‏‎ ‎‏محقِّق للشکّ والتردید بینه وبین الطرف الآخر، ولذا لا إشکال فی جریان الأصل فی‏‎ ‎‏أطراف العلم الإجمالی، لکن یسقط بالمعارضة.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 218
ثانیهما ـ وهو الأهمّ ـ :‏ أ نّه لابدّ فی جمیع فروض الحادثین وصورهما من‏‎ ‎‏مجهولی التأریخ والمعلوم تأریخ أحدهما ـ سواء علمت الحالة السابقة علیهما أم لا ـ من‏‎ ‎‏ملاحظة أ نّه هل یتحقّق فی البین مصداقان للمستصحب: أحدهما معلوم الحدوث‏‎ ‎‏والارتفاع، والآخر محتمل الوجود، أو مصداق واحد والتردید إنّما هو فی محلّه، فلا‏‎ ‎‏مجال للاستصحاب فی الأوّل لا کلّیّاً ولا شخصیّاً، بخلاف الثانی، ففیما إذا علم بالحدث‏‎ ‎‏عند الطلوع، ثمّ علم بحدوث طهارة وحدث، ولم یعلم المتقدّم منهما والمتأخّر، فلیس‏‎ ‎‏للطهارة فیه إلاّ مصداق واحد علم بتحقّقه إجمالاً؛ إمّا قبل الحدث الثانی أو بعده،‏‎ ‎‏والتردید إنّما هو فی محلّه، واحتمل بقائه، فیستصحب ، وأمّا الحدث فله فی المثال‏‎ ‎‏مصداقان: أحدهما الحادث عند الطلوع قبل الحادثین المعلوم وجوده وزواله، والثانی‏‎ ‎‏محتمل الوجود والبقاء، وإن علم بتحقّق سببه، لکن حیث إنّه مردّد بین حدوثه قبل‏‎ ‎‏الطهارة عقیب الحدث الأوّل، فلا یؤثّر حینئذٍ فی صیرورته محدثاً، وبین حدوثه بعد‏‎ ‎‏الطهارة، فیؤثّر فیها، فهو غیر متیقّن ، بل هو محتمل الحدوث، ولیس واحد منهما مجری‏‎ ‎‏للاستصحاب لا کلّیّاً ولا شخصیّاً، کما عرفت ذلک مفصّلاً، وحینئذٍ فاستصحاب‏‎ ‎‏الطهارة بلا معارض، ولذا قلنا: إنّه لابدّ من الأخذ بضدّ الحالة السابقة فی مجهولی‏‎ ‎‏التأریخ، وهو الطهارة فی المثال؛ للعلم بتحقّق مصداق منها إجمالاً، ولا یضرّه التردید فی‏‎ ‎‏محلّها من وقوعها قبل الحدث أو بعده؛ لأ نّه محقّق للشکّ المعتبر فی الاستصحاب، وأمّا‏‎ ‎‏نفس الحالة السابقة فلها مصداقان فی المثال: أحدهما معلوم التحقّق والارتفاع،‏‎ ‎‏والآخر محتمل الحدوث، لا مصداق واحد، فلا مجال للاستصحاب فیه.‏

‏وکذلک الکلام فی المعلوم تأریخ أحدهما مع کونه ضدّ الحالة السابقة، أو کان‏‎ ‎‏أثره أزید من الأوّل الذی هو مثله، فإنّه لا مجال فیهما إلاّ لاستصحاب المعلوم تأریخه،‏‎ ‎‏بخلاف ما لو کان المعلوم تأریخه مثل الحالة السابقة، أو کان أثره أنقص، کما لو علم‏‎ ‎‏عند الطلوع بالحدث، وعلم بحدوث سبب الحدث عند الزوال، وعلم بوقوع الطهارة‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 219
‏إمّا قبل الزوال أو بعده، وشکّ فی بقائها فتستصحب، وکذلک الحدث؛ للعلم بکونه‏‎ ‎‏محدثاً عند الزوال تفصیلاً؛ إمّا بالسبب الأوّل عند الطلوع، أو بالسبب الثانی لدی‏‎ ‎‏الزوال، فیستصحب کلّیّ الحدث.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 220

  • )) اُنظر المقنعة : 50، المبسوط 1 : 24، السرائر 1 : 104، مفتاح الکرامة 1 : 289، جواهر الکلام 2 : 350 ـ 351 .
  • )) التنقیح الرائع 1 : 89، المعتبر : 45 سطر 19 .
  • )) اُنظر جامع المقاصد 1 : 236 .
  • )) الطهارة، الشیخ الأنصاری : 158 سطر 9 .
  • )) مصباح الفقیه، الطهارة : 202 سطر 16.
  • )) فوائد الاُصول 4 : 524 ـ 525 .
  • )) جواهر الکلام 2 : 353، الدرّة النجفیّة : 23 .
  • )) المعتبر : 45 سطر 19 .
  • )) اُنظر مدارک الأحکام 1 : 255 .
  • )) مصباح الفقیه ، الطهارة : 204 سطر 24 .
  • )) فوائد الاُصول 4 : 527 .
  • )) اُنظر فوائد الاُصول 4 : 524 .