الاستصحاب

تذییل : حول الوسائط الخفیّة

تذییل : حول الوسائط الخفیّة

‏ ‏

‏ذکر جماعة کالشیخ الأعظم‏‎[1]‎‏ والمحقّق الخراسانی‏‎[2]‎‏ وغیرهما‏‎[3]‎‏: أنّ عدم‏‎ ‎‏حجّیّة المثبِت من الاستصحاب فیما لو ترتّب الأثر الشرعی علی المستصحب بواسطة‏‎ ‎‏عقلیّة أو عادیّة، إنّما هو فیما إذا لم تکن الواسطة خفیّة؛ بحیث لا یری العرف واسطة فی‏‎ ‎‏البین، ویعدّ ذلک الأثر أثر المستصحب عندهم.‏

وقال فی «الکفایة» :‏ إنّ الأمر کذلک حتّی فی الواسطة الجلیّة بوساطة ما‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
‏لایمکن التفکیک عرفاً بینه وبین المستصحب تنزیلاً؛ لأجل وضوح لزومه له أو‏‎ ‎‏ملازمته معه بمثابة یعدّ أثره أثراً له‏‎[4]‎‏.‏

والتحقیق :‏ أ نّه إن اُرید من خفاء الواسطة عدم درْک العرف لها ولو بالنظر‏‎ ‎‏الدقّی، ویرون أنّ الأثر هو للمستصحب حقیقة، وإنّما یُدرکها العقل بالبراهین، فالحقّ‏‎ ‎‏جریان الاستصحاب فیه وعدم عدّه مثبتاً، مثل أنّ الموضوع للحرمة فی قوله تعالی :‏‎ ‎‏«‏إنّما الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ ‏ـ إلی قوله ـ‏ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطان‏»‏‎[5]‎‏ هو عنوان الخمر‏‎ ‎‏عرفاً لاغیر، لکن العقل حیث إنّه یمیّز بین الجهات والحیثیّات التعلیلیّة للحکم، وأنّ‏‎ ‎‏للخمر عناوین، وأ نّه مائع ملوَّن بلون کذا، وأ نّه مُسکر، ونحو ذلک، ویدرک أنّ الحکم‏‎ ‎‏بالحرمة إنّما هو لأجل الإسکار، وأ نّه لا دَخْل للّون والمائعیّة فی الموضوعیّة للحرمة؛‏‎ ‎‏فإنّ الماء ـ مثلاً ـ أیضاً مائع ولیس بحرام، یفهم ویحکم بأنّ تمام الموضوع للحرمة هو‏‎ ‎‏الإسکار، وأنّ الجهة التعلیلیّة هی موضوع الحرمة.‏

‏فلو علم بأنّ هذا المائع کان خمراً، وشکّ فی بقاء خمریّته، فحیث إنّ تمام‏‎ ‎‏الموضوع عند العرف هو الخمر لا الإسکار، فلا إشکال فی جریان الاستصحاب‏‎ ‎‏وترتّب الحرمة علیه؛ لاتّحاد القضیّة المتیقَّنة مع المشکوکة عرفاً، وترتّب الأثر علیه‏‎ ‎‏وإن لم یکن کذلک عقلاً؛ لأنّ الموضوع عند العقل هو الإسکار، ولایثبت ذلک‏‎ ‎‏باستصحاب عنوان الخمر، لکن هذه الواسطة خفیّة لا یراها العرف ولو بنظره الدِّقّی‏‎ ‎‏الغیر المسامحی، وأنّ الإسکار واسطة فی ثبوت الحکم للخمر، لا تمام الموضوع، فلا‏‎ ‎‏إشکال فی جریان الاستصحاب فیه وعدم عدّه مثبِتاً.‏

‏وإن اُرید من خفاء الواسطة ما یُدرکه العقل بالنظر الدِّقّی، لکن ینتسب الأثر‏‎ ‎‏إلی المستصحب فی محیط العرف بالنظر المسامحی، فالحقّ عدم جریان الاستصحاب‏

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
‏فیه، وأ نّه مثبت؛ لأنّ الملاک فی اتّحاد الموضوع وترتّب الأثر علی المستصحب، هو‏‎ ‎‏النظر العرفی الدِّقّی، لا المسامحی فی محیط العرف؛ بحیث یُعدّ مسامحة لدیهم، وذلک مثل‏‎ ‎‏الدم، فإنّه لایطلق علی لونه الباقی بعد زوال عینه عند العرف، إلاّ مسامحة وإن کان‏‎ ‎‏باقیاً بنظر العقل من جهة استحالة انتقال العرض من موضوعه إلی موضوع آخر،‏‎ ‎‏فلایجری الاستصحاب فیه بعد زوال عینه مع بقاء لونه؛ لعدم اتّحاد القضیّة المتیقَّنة مع‏‎ ‎‏المشکوکة عرفاً إلاّ مسامحة عندهم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188

  • )) فرائد الاُصول : 386 سطر 17 .
  • )) کفایة الاُصول : 473 .
  • )) درر الفوائد : 557 ، نهایة الأفکار (القسم الأوّل) 4 : 188 .
  • )) کفایة الاُصول : 473 .
  • )) المائدة (5) : 90 .