تذییل : حول الوسائط الخفیّة
ذکر جماعة کالشیخ الأعظم والمحقّق الخراسانی وغیرهما: أنّ عدم حجّیّة المثبِت من الاستصحاب فیما لو ترتّب الأثر الشرعی علی المستصحب بواسطة عقلیّة أو عادیّة، إنّما هو فیما إذا لم تکن الواسطة خفیّة؛ بحیث لا یری العرف واسطة فی البین، ویعدّ ذلک الأثر أثر المستصحب عندهم.
وقال فی «الکفایة» : إنّ الأمر کذلک حتّی فی الواسطة الجلیّة بوساطة ما
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 186
لایمکن التفکیک عرفاً بینه وبین المستصحب تنزیلاً؛ لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه بمثابة یعدّ أثره أثراً له.
والتحقیق : أ نّه إن اُرید من خفاء الواسطة عدم درْک العرف لها ولو بالنظر الدقّی، ویرون أنّ الأثر هو للمستصحب حقیقة، وإنّما یُدرکها العقل بالبراهین، فالحقّ جریان الاستصحاب فیه وعدم عدّه مثبتاً، مثل أنّ الموضوع للحرمة فی قوله تعالی : «إنّما الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ ـ إلی قوله ـ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطان» هو عنوان الخمر عرفاً لاغیر، لکن العقل حیث إنّه یمیّز بین الجهات والحیثیّات التعلیلیّة للحکم، وأنّ للخمر عناوین، وأ نّه مائع ملوَّن بلون کذا، وأ نّه مُسکر، ونحو ذلک، ویدرک أنّ الحکم بالحرمة إنّما هو لأجل الإسکار، وأ نّه لا دَخْل للّون والمائعیّة فی الموضوعیّة للحرمة؛ فإنّ الماء ـ مثلاً ـ أیضاً مائع ولیس بحرام، یفهم ویحکم بأنّ تمام الموضوع للحرمة هو الإسکار، وأنّ الجهة التعلیلیّة هی موضوع الحرمة.
فلو علم بأنّ هذا المائع کان خمراً، وشکّ فی بقاء خمریّته، فحیث إنّ تمام الموضوع عند العرف هو الخمر لا الإسکار، فلا إشکال فی جریان الاستصحاب وترتّب الحرمة علیه؛ لاتّحاد القضیّة المتیقَّنة مع المشکوکة عرفاً، وترتّب الأثر علیه وإن لم یکن کذلک عقلاً؛ لأنّ الموضوع عند العقل هو الإسکار، ولایثبت ذلک باستصحاب عنوان الخمر، لکن هذه الواسطة خفیّة لا یراها العرف ولو بنظره الدِّقّی الغیر المسامحی، وأنّ الإسکار واسطة فی ثبوت الحکم للخمر، لا تمام الموضوع، فلا إشکال فی جریان الاستصحاب فیه وعدم عدّه مثبِتاً.
وإن اُرید من خفاء الواسطة ما یُدرکه العقل بالنظر الدِّقّی، لکن ینتسب الأثر إلی المستصحب فی محیط العرف بالنظر المسامحی، فالحقّ عدم جریان الاستصحاب
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 187
فیه، وأ نّه مثبت؛ لأنّ الملاک فی اتّحاد الموضوع وترتّب الأثر علی المستصحب، هو النظر العرفی الدِّقّی، لا المسامحی فی محیط العرف؛ بحیث یُعدّ مسامحة لدیهم، وذلک مثل الدم، فإنّه لایطلق علی لونه الباقی بعد زوال عینه عند العرف، إلاّ مسامحة وإن کان باقیاً بنظر العقل من جهة استحالة انتقال العرض من موضوعه إلی موضوع آخر، فلایجری الاستصحاب فیه بعد زوال عینه مع بقاء لونه؛ لعدم اتّحاد القضیّة المتیقَّنة مع المشکوکة عرفاً إلاّ مسامحة عندهم.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 188