الاستصحاب

أجوبة الأعلام عن شبهة المحقّق النراقی

أجوبة الأعلام عن شبهة المحقّق النراقی

‏ ‏

وأجاب الشیخ الأعظم ‏قدس سره‏‏ عن ذلک بما حاصله :‏‏ أنّه لو اُخذ الزمان قیداً‏‎ ‎‏للوجوب أو متعلَّقه فلا مجال لاستصحاب الوجوب؛ للقطع بارتفاع ما عُلم بوجوبه‏‎ ‎‏بعد الزوال.‏

‏وإن اُخذ ظرفاً له فلا مجال لاستصحاب العدم؛ لانقلابه إلی الوجوب.‏

‏ففی الأوّل یجری استصحاب العدم بلا معارض، وفی الثانی یجری استصحاب‏‎ ‎‏الوجوب بلا معارض.‏

ثمّ قال :‏ وما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ : من أنّ الشکّ فی وجوب الجلوس بعد الزوال کان ثابتاً‏‎ ‎‏حال الیقین بالعدم یوم الخمیس.‏

‏مدفوع أیضاً بأنّ ذلک ـ حیث کان مفروضاً بعد الیقین بوجوب الجلوس إلی‏‎ ‎‏الزوال ـ مهمل بحکم الشارع بإبقاء کلّ حادث لایعلم مدّة بقائه، کما لو شکّ قبل‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 154
‏حدوث حادث فی مدّة بقائه.‏

إلی أن قال :‏ وکأنّ المتوهِّم ینظر فی دعوی استصحاب الوجوب إلی أنّ الموجود‏‎ ‎‏أمر واحد قابل للاستمرار بعد زمان الشکّ، وفی دعوی جریان العدم إلی تقطیع‏‎ ‎‏وجودات ذلک الموجود، وجعل کلّ واحد منها بملاحظة تحقّقه فی زمان مغایراً للآخر،‏‎ ‎‏فیؤخذ بالمتیقّن منها، ویحکم علی المشکوک منها بالعدم‏‎[1]‎‏. انتهی.‏

وقال اُستاذنا الحائری ‏قدس سره‏‏ :‏‏ یمکن أن یوجّه کلام المعاصر المذکور علی نحوٍ‏‎ ‎‏یسلم عن هذا الإیراد؛ بأن یقال : إنّ الزمان یؤخذ بنحو القیدیّة، لکنّه وإن اُخذ قیداً‏‎ ‎‏فی الموضوع الذی تعلّق به الوجوب، إلاّ أنّ نسبة الوجوب إلی الموضوع مهملة عن‏‎ ‎‏اعتبار الزمان؛ لاتّحاد المهملة مع الأقسام، وحینئذٍ نقول: لو وجب الجلوس المقیّد بما‏‎ ‎‏قبل الزوال، فبعد انقضاء الزوال یمکن أن یقال: ذات الجلوس کان واجباً قبل الزوال،‏‎ ‎‏ویشکّ فی بقائه، فیحکم ببقاء الوجوب لأصل الجلوس بالاستصحاب، ویعارض‏‎ ‎‏باستصحاب عدم وجوب الجلوس المقیّد بما بعد الزوال‏‎[2]‎‏. انتهی.‏

أقول :‏ وفیما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ إشکال : هو أنّه إن أراد بقوله ـ إنّ نسبة الوجوب إلی ‏‎ ‎‏الموضوع مهملة ـ أنّ الموضوع هو طبیعة الجلوس وإن کان الحکم متعلِّقاً بالمقیّد فهو‏‎ ‎‏کما تری خلاف المفروض.‏

‏وإن أراد من المهملة ما لا تنطبق إلاّ علی المقیّد، فهو صحیح، لکن لا مجال‏‎ ‎‏حینئذٍ لاستصحاب وجوب الجلوس، فیصیر استصحاب العدم بلا معارض.‏

لکن ما أفاده الشیخ الأعظم ‏قدس سره‏‏ أیضاً لایخلو عن الإشکال ؛ لأنّه لو فرض‏‎ ‎‏جریان استصحاب الوجوب فلابدّ أن یؤخذ الزمان بنحو الظرفیّة لدی الشارع، فلنا‏‎ ‎‏أن نستصحب عدم وجوب الجلوس المقیّد بما بعد الزوال بنحو التقیید؛ لأنّه تحت‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 155
‏الاختیار، وهو مسبوق بالعدم، فیعارض الأوّل.‏

وأمّا ما ذکره ‏قدس سره‏‏ :‏‏ من أنّ وجوب الجلوس فیما بعد الزوال مهمل ... إلی آخره،‏‎ ‎‏ففیه: إن أراد به الحکومة ـ أی حکومة استصحاب الوجوب علی استصحاب العدم ـ‏‎ ‎‏فسیجیء ما فیه.‏

‏وإن أراد أنّه مع جریان استصحاب الوجوب لا مجال لاستصحاب العدم،‏‎ ‎‏فمجرّد جریانه لایوجب عدم جریان الثانی.‏

وقال المحقّق الخراسانی ‏قدس سره‏‏ فی الجواب عن إشکال المعارضة :‏‏ إنّه لایمکن‏‎ ‎‏شمول أخبار الاستصحاب لهذین؛ لکمال المنافرة بین فرض الطبیعة بلا قید وأخذ‏‎ ‎‏الزمان ظرفاً، وبین فرضها مقیّدة بالزمان، ولیس فی أخبار الباب ما بمفهومه یشمل‏‎ ‎‏کلا النظرین، فلا یکون هناک إلاّ استصحاب واحد، وهو استصحاب الوجوب لو اُخذ‏‎ ‎‏الزمان ظرفاً، واستصحاب العدم فیما لو اُخذ قیداً‏‎[3]‎‏.‏

أقول :‏ لیت شعری‏‎[4]‎‏ إذا لم یکن فی أخبار الباب ما یشمل النظرین لتنافیهما،‏‎ ‎‏فکیف یقول: بأنّه لیس هنا إلاّ استصحاب واحد إمّا هذا أو ذاک، فلابدّ أن تشمل‏‎ ‎‏اللحاظین؟! کی یقال المراد منها إمّا هذا أو ذاک.‏

والحلّ :‏ هو أنّه لابدّ من ملاحظة الأخبار ومدلولها ومفادها فنقول: قوله ‏‏علیه السلام‏‏:‏‎ ‎‏(‏لاتنقض الیقین بالشکّ)‎[5]‎‏ إمّا مطلق ، أو عامّ.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 156
فعلی الأوّل :‏ فمعنی المطلق هو أنّ الموضوع نفس الطبیعة المطلقة، فمعناه‏‎ ‎‏لاتنقض طبیعة الیقین بطبیعة الشکّ من دون لحاظ الخصوصیّات الواقعیّة، لکنّها‏‎ ‎‏تنطبق علی الموضوعات والخصوصیّات قهراً من دون لحاظها فی المطلق، فإنّ المطلق‏‎ ‎‏لایحکی إلاّ عن نفس الطبیعة وحینئذٍ فیشمل إطلاق قوله ‏‏علیه السلام‏‏: (‏لاتنقض‏)‏‎ ‎‏استصحاب وجوب الجلوس قبل الزوال؛ لأنّ فیه یقین سابق وشک لاحق وکذلک‏‎ ‎‏استصحاب عدم وجوب الجلوس؛ لأنّه أیضاً ذو شکّ ویقین سابق، ولایستلزم الجمع‏‎ ‎‏بین لحاظین متنافیین. بل هو قهری الانطباق علی الاستصحابین.‏

والحاصل :‏ أنّ الملحوظ فی قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : (‏لاتنقض‏) عدم نقض طبیعة الیقین‏‎ ‎‏بطبیعة الشکّ، ولم یلاحظ فیه الخصوصیّات الواقعیّة، فقد یکون المتیقّن وجودیّاً وقد‏‎ ‎‏یکون عدمیّاً.‏

‏وإن کان قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : (‏لاتنقض‏) عامّاً کلیّاً فالأمر فیه أیضاً کذلک؛ لأنّ لفظ‏‎ ‎‏«کلّ» لیس لتکثیر ماهو فی تلوه ومدخوله مع جمیع الخصوصیّات، بل هو لتکثیر‏‎ ‎‏مدخوله بعنوان نفسه، مثل «کلّ عالم»، فإنّه لتکثیر العالم بعنوانه من دون لحاظ‏‎ ‎‏الخصوصیّات الخارجیّة، وعلیه فمفاد (‏لاتنقض‏) حرمة نقض کلّ واحد من أفراد‏‎ ‎‏الیقین بالشکّ بما أنّهما یقین وشکّ ، وهو شامل للوجودیّات والعدمیّات بدون‏‎ ‎‏استلزامه المحذور الذی ذکره ‏‏قدس سره‏‎[6]‎‏.‏

ثمّ إنّه ذکر شیخنا الحائری ‏قدس سره‏‏ فی بحثه :‏‏ أنّ استصحاب وجوب الجلوس فی‏‎ ‎‏المثال حاکم علی استصحاب عدمه بعد الزوال؛ لأنّ الشکّ فی وجوب الجلوس وعدمه‏‎ ‎‏بعد الزوال، مسبّب عن الشکّ فی بقاء الوجوب الثابت قبل الزوال فیما بعد الزوال،‏‎ ‎‏فباستصحاب وجوبه یرتفع الشکّ فی وجوبه بعده.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 157
‏وأمّا استصحاب عدم وجوب الجلوس فهو وإن یرفع الشکّ، لکنّه محکوم‏‎ ‎‏باستصحاب وجوبه بعد الزوال‏‎[7]‎‏.‏

أقول :‏ یرد علیه :‏

أوّلاً :‏ أنّا لا نُسلّم أنّ الشکّ فی وجوب الجلوس بعد الزوال وعدمه مسبّب عن‏‎ ‎‏الشکّ فی بقاء الوجوب الثابت قبل الزوال ، بل هو ناشٍ عن أحد أمرین:‏

‏إمّا عن الشکّ فی جعل الشارع له ابتداء، وأنّه جعل الوجوب لخصوص‏‎ ‎‏الجلوس قبل الزوال بنحو التقیید، أو أنّه جعل الوجوب یوم الجمعة بنحو الإطلاق‏‎ ‎‏الشامل لما بعد الزوال أیضاً، فإنّ الاستصحاب لیس مشرِّعاً، بل هو حکم بإبقاء ما‏‎ ‎‏جعله الشارع.‏

‏وإمّا عن احتمال جعل آخر لوجوبه بعد الزوال، وأنّ هناک جعلین لوجوب‏‎ ‎‏الجلوس: تعلّق أحدهما بالوجوب قبل الزوال، والآخر لما بعد الزوال.‏

وثانیاً :‏ سلّمنا لکن استصحاب وجوب الجلوس المطلق لایثبت وجوبه المقیّد‏‎ ‎‏بما بعد الزوال؛ لعدم الملازمة بین وجوب الجلوس المطلق وبینه مقیّداً بما بعد الزوال‏‎ ‎‏أصلاً، فهو أسوأ حالاً من الاُصول المثبِتة.‏

وقال المیرزا النائینی ‏قدس سره‏‏ فی الجواب عن إشکال المعارضة ما حاصله: ‏‏إنّه‏‎ ‎‏لامجال لاستصحاب العدم الأزلی فی المقام ولو مع جعل الزمان قیداً لا ظرفاً، وذلک‏‎ ‎‏فإنّ العدم الأزلی: عبارة عن العدم المطلق، وهو ینتقض بالوجود، فإذا فرض أنّ عدمه‏‎ ‎‏الثانی غیر العدم الأوّل، فإنّه عدم مقیّد، والأوّل عدم مطلق، ولا تحقّق لهذا العدم المقیّد‏‎ ‎‏قبل تحقّق القید، کما أنّ الوجود المقیّد لاتحقّق له قبل وجود القید، وحینئذٍ فإن اُرید‏‎ ‎‏هنا استصحاب العدم المطلق فهو منتقض بالوجود لایصحّ استصحابه.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 158
‏وإن اُرید استصحاب العدم المقیّد بما بعد الزوال فلا حالة سابقة له إلاّ إذا آن‏‎ ‎‏وقت الزوال، وکان عدم وجوب الجلوس المقیّد بما بعد الزوال متحقِّقاً.‏

‏نعم جَعْل الوجوب وإنشاؤه إنّما یکون أزلیّاً کعدم الجعل والإنشاء، فإنّ إنشاء‏‎ ‎‏الأحکام الشرعیّة أزلیّ، فیجری استصحاب عدم جعل الوجوب بعد الزوال؛ لکونه‏‎ ‎‏مسبوقاً بالعدم.‏

‏ولعلّ هذا مراد الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ من استصحاب العدم الأزلی علی فرض القیدیّة.‏

‏لکن قد تقدّم فی مباحث الأقلّ والأکثر: أنّ استصحاب عدم الجعل لایثبت‏‎ ‎‏عدم المجعول.‏

‏مضافاً إلی أنّ البراءة الأصلیّة ـ المعبّر عنها باستصحاب حال العقل ـ لاتجری‏‎ ‎‏مطلقاً؛ لأنّ العدم الأزلی لیس إلاّ عبارة عن اللاّحکمیّة واللاّحرجیّة، وهذا المعنی بعد‏‎ ‎‏وجود المکلّف واجتماع شرائط التکلیف فیه، قد انتقض قطعاً ولو إلی الإباحة، فإنّ‏‎ ‎‏اللاّحرجیّة فی الإباحة بعد اجتماع شرائط التکلیف غیر اللاّحرجیّة قبل وجود‏‎ ‎‏المکلّف؛ إذ الاُولی تستند إلی الشارع والثانیة لاتستند إلیه‏‎[8]‎‏. انتهی حاصله.‏

وفی کلامه قدس سره مواقع للنظر والإشکال :

‏الأوّل :‏‏ فلأنّه وقع الخلط فی کلامه ‏‏قدس سره‏‏ الناشئ من عدم مراعاة القیود؛ لأنّه‏‎ ‎‏لیس مراد الفاضل النراقی أن العدم ـ فی عدم وجوب الجلوس ـ مقیّد بما بعد الزوال،‏‎ ‎‏بل القید إمّا للوجوب أو للجلوس ـ وبعبارة اُخری : إمّا هو قید للهیئة أو للمادّة ـ فإن‏‎ ‎‏کان قیداً للجلوس فعدمه مطلق لا مقیّد، فإنّ العدم المطلق قد یضاف إلی المقیّد،‏‎ ‎‏فیقال: وجوب الجلوس بعد الزوال «لیس»، فلیس مراد الفاضل النراقی أنّ العدم‏‎ ‎‏مقیّد، بل المقیّد هو الوجوب المسلوب، أو الجلوس المتعلَّق له، وحینئذٍ فهذا العدم‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 159
‏مطلق أزلیّ یمکن استصحابه ، ولم ینتقض هذا العدم؛ لأنّ وجوب الجلوس قبل الزوال‏‎ ‎‏إنّما نقض عدم وجوب طبیعة الجلوس؛ وعدم وجوب الجلوس قبل الزوال، لا عدم‏‎ ‎‏وجوب الجلوس المقیّد بما بعد الزوال، فمنشأ الاشتباه إرجاع القید إلی العدم، مع‏‎ ‎‏أنّه ‏‏قدس سره‏‏لم یُرد ذلک.‏

‏وحینئذٍ فهذا العدم المطلق لوجوب الجلوس بعد الزوال أزلیّ فیستصحب،‏‎ ‎‏ولیس هذا الاستصحاب مثبِتاً أیضاً؛ لترتّب الأثر علی العدم المحمولی المستصحب،‏‎ ‎‏نظیر استصحاب عدم وجوب صلاة الجمعة.‏

الثانی :‏ ما ذکره: ـ من أنّ استصحاب عدم الجعل لایثبت عدم المجعول ـ‏‎ ‎‏صحیح، لکن لو کان عدم الجعل المطلق غیر عدم جعل المقیّد، لزم تغایر الوجوب‏‎ ‎‏المجعول المتعلّق بالأوّل مع المجعول للمقیّد ـ أی الثانی ـ وحینئذٍ فالجعل المتعلّق‏‎ ‎‏بالمطلق غیر الجعل المتعلّق بالمقیّد، فوجوب الجلوس المطلق غیر وجوب الجلوس‏‎ ‎‏المقیّد بما بعد الزوال، ومع تغایرهما کیف ینتقض هذا بذاک، کما ذکره أوّلاً؟!‏

الثالث :‏ ما ذکره : من عدم جریان استصحاب اللاّحرجیّة؛ لانتقاضها بعد‏‎ ‎‏وجود المکلّف... إلی آخره.‏

فیه :‏ أنّه إن أراد أنّها منتقضة بالعلم بالحرجیّة، فهو ممنوع.‏

‏وإن أراد أنّ عدم الحکم تبدّل إلی حکم آخر یحتمل کونه حرجیّاً وحرمة، کما‏‎ ‎‏یحتمل أیضاً غیره، فلا مانع حینئذٍ من استصحاب عدم الوجوب مع ترتّب الأثر‏‎ ‎‏الشرعی علیه، وحینئذٍ تتبدّل اللاّحکمیّة إلی الحکم، لا اللاّحرجیّة إلی الحرجیّة،‏‎ ‎‏فلامانع من استصحاب عدم الوجوب أو الحرمة.‏

‏وأمّا ما هو المعروف بینهم من : «انّه ما من واقعة إلاّ وقد جعل الشارع لها‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 160
‏حکماً من الأحکام الخمسة»‏‎[9]‎‏ فهو غیر ثابت؛ لأنّ الموضوعات مختلفة: ففی بعضها‏‎ ‎‏اقتضاء الوجوب، وفی بعضها اقتضاء الحرمة، وفی بعضها اقتضاء لرجحان الفعل لا مع‏‎ ‎‏المنع من الترک، وفی بعضها اقتضاء الترک ـ أی رجحانه ـ لا علی حدّ الإلزام، وفی‏‎ ‎‏بعضها اقتضاء الإباحة المتساویة الطرفین من المصالح والمفاسد، وهی الإباحة‏‎ ‎‏الاقتضائیّة التی اقتضتها المصلحة، ولایلزم وجود المصلحة فی الموضوع؛ لیرد علیه أنّه‏‎ ‎‏لایمکن اجتماع مقتضی الوجود والعدم فی شیء واحد بل یمکن أن تکون المصلحة‏‎ ‎‏خارجة عنه سیاسیّة کالمصلحة السیاسیّة فی نجاسة الکفّار.‏

‏لکن من الموضوعات ما لا اقتضاء فیه أصلاً حتی الإباحة، وهی الإباحة‏‎ ‎‏المسمّاة بالإباحة اللاّ اقتضائیّة، ومعناها عدم الحکم له، وحینئذٍ فکلّ مورد لم یعلم‏‎ ‎‏فیه بتبدّل العدم الأزلی واللاّحرجیّة إلی الحرجیّة، فإنّه لامانع من استصحاب هذا‏‎ ‎‏العدم.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 161

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 162

  • )) فرائد الاُصول : 377 سطر 1 .
  • )) درر الفوائد : 542 .
  • )) کفایة الاُصول : 466 .
  • )) من المعلوم أنّ مراده قدس سره عدم إمکان اجتماع کلا النظرین معاً بل فی مقام إنشاء الحکم لابد أن یکون الملحوظ أحدهما فلایمکن شموله للاستصحابین المذکورین بل أحدهما فیرتفع التعارض. [المقرّر حفظه الله ].
  • )) الکافی 3 : 351 / 3، وسائل الشیعة 5 : 321، کتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة، الباب 10، الحدیث 3 .
  • )) وهذا البیان وإن یدفع إشکال الجمع بین اللحاظین فی مقام انشاء حرمة نقض الیقین بالشکّ لکن لا یرتفع به اشکال الفاضل النراقی قدس سره. [المقرّر حفظه الله ].
  • )) اُنظر درر الفوائد: 542.
  • )) فوائد الاُصول 4 : 445 ـ 448 .
  • )) کفایة الاُصول : 164، تعلیقة المحقّق القوچانی علی الکفایة : 116 الرقم 234 .