تحقیق المقام
إذا عرفت هذه الاُمور فنقول : یرد علی ما أفاده الاُستاذ الحائری قدس سره فی بیان جریان استصحاب عدم القرشیّة أو عدم التذکیة ونحوهما: أنّک قد عرفت أنّ الموضوع للحکم الشرعی هنا لایخلو عن أحد الأنحاء الثلاثة، فلابدّ من ملاحظة الأدلّة: فإنْ جعل الموضوع فیها بنحو الموجبة المعدولة، أو بنحو السالبة المحمول، مع وجود الموضوع، فلا حالة سابقة للمستصحب؛ لأنّه بناء علیهما فالموضوع للحکم هی المرأة المتّصفة بعدم القرشیّة بالعدم النعتی أو المحمولی وهی فی الأزل لم تکن متّصفة بهذه الصفة؛ لعدم وجودها فی الأزل لتتّصف بهذه الصفة أو یحکم علیها بها، وإلاّ یلزم تقرّرها حال عدمها؛ لاحتیاج الصفة إلی ثبوت الموصوف.
وبالجملة : لا حالة سابقة للمرأة المتّصفة بعدم القرشیّة لتستصحب.
وأمّا لو اُخذ الموضوع بنحو السالبة المحصّلة، فلعدم إمکان جعلها موضوعاً لحکم مع انتفاء الموضوع، فعلی فرض جعلها موضوعاً لحکم لابدّ أن تفرض مع وجود الموضوع، وحینئذٍ فإن اُرید استصحاب عدم القابلیّة للتذکیة کذلک ـ أی الحیوان الموجود مسلوباً عنه القابلیّة ـ فلا حالة سابقة متیقّنة له.
وإن اُرید استصحاب سلبها الصادق مع عدم الحیوان، فهو لایُثبت أنّ هذا الحیوان الموجود مسلوب عنه القبول للتذکیة.
وإن اُرید عدمها بنحو السلب التحصیلی الأعمّ ـ أی الصادق مع عدم الموضوع
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 131
ووجوده مع سلب المحمول ـ فلاریب أنّه لیس موضوعاً للحکم بالنجاسة والحرمة، بل الموضوع فردٌ منه؛ ـ أی الحیوان الموجود مسلوباً عنه القابلیّة للتذکیة ـ ، واستصحاب الأعمّ لایثبت الأخصّ الذی هو الموضوع لهما.
مضافاً إلی عدم الحالة السابقة للأعمّ، بل الذی له حالة سابقة متیقَّنة هو عدم القابلیّة من جهة عدم وجود الحیوان؛ ـ أی السالبة بانتفاء الموضوع ـ فاستصحابه لإثبات القسم الآخر للأعمّ القسیم له ـ أی السالبة بانتفاء المحمول مع وجود الموضوع ـ من قبیل استصحاب أحد أفراد الکلّی کزید لإثبات الفرد الآخر منه کعمرو وهو أسوء حالاً من استصحاب الکلّی وإثبات فرده.
نعم هنا تقریب ووجه آخر لاستصحاب عدم القابلیّة ذکره بعض الأعاظم قدس سره: هو أنّ موضوع النجاسة والحرمة هنا مرکّب من الحیوان وعدم القابلیّة عدماً محمولیّاً، لا بنحو التقیید؛ بأن یکون بین الجزءین ارتباط، بل بنحو الترکیب، وحینئذٍ فأحد جزءی الموضوع مُحرَز بالوجدان، وهو الحیوان، والآخر یحرز بالاستصحاب؛ لأنّه مسبوق بالعدم، ویکفی مجرّد استصحابه من دون افتقار إلی إثبات الارتباط بین الجزءین. انتهی.
وفیه : أنّ تصوّر هذا القبیل من الموضوعات مُشکِل، وعلی فرض تسلیمه نقول: هل المراد من عدم القابلیّة ـ الذی هو أحد جزءی الموضوع المرکّب ـ هو عدم القابلیّة بنحو الإطلاق الصادق مع عدم وجود الحیوان؛ أی عدمها الأعمّ الصادق مع عدم وجود الحیوان، أو المراد هو عدم قابلیّة هذا الحیوان الموجود؟
فعلی الأوّل فمن الواضحات أنّ الموضوع للحرمة والنجاسة لیس هذا المعنی الأعمّ الصادق مع عدم الموضوع أیضاً بالضرورة، بل الموضوع لهما الحیوان الموجود
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 132
مع عدم قبوله للتذکیة، فاستصحاب هذا المعنی الأعمّ لایثبت أنّ هذا الحیوان غیر قابل لها الذی هو الموضوع الخاصّ لهما.
مضافاً إلی أنّه لو اُرید من عدم القابلیّة المعنی الأعمّ الصادق مع عدم الحیوان، یلزم التناقض فی الموضوع لمنافاته للجزء الآخر له، وهو الحیوان، فلابدّ أن یُراد عدم قابلیّة هذا الحیوان، ولا حالة سابقة له لتستصحب.
فهذا الوجه أیضاً فاسد.
هذا کلّه بالنسبة إلی استصحاب عدم القابلیّة، وقد عرفت عدم جریانه.
لکن علی فرض صحّة هذا الاستصحاب فهو مقدّم علی أصالة عدم التذکیة وکافٍ عنها لو قلنا: بأنّ التذکیة أمر مرکّب من قابلیّة المحلّ لها وفَرْی الأوداج مع الشرائط الاُخر؛ لأنّ الشکّ فی التذکیة وعدمها مسبّب عن الشکّ فی القبول للتذکیة وعدمه، والأصل الجاری فی السبب حاکم علی الأصل المسبَّبی.
وإن قلنا : بأنّ التذکیة عنوان بسیط، وفَرْی الأوداج بالکیفیّة الخاصّة مع القابلیّة للتذکیة من المحصِّلات الشرعیّة، وقلنا : بأنّ استصحاب بقاء المحصِّلات الشرعیّة یثبت العنوان المحصِّل، فلا إشکال أیضاً فی جریان أصالة عدم القابلیّة علی الفرض، وحکومتها علی أصالة عدم التذکیة.
وإلاّ فإن قلنا : إنّ المجعول فی الأسباب والمسبّبات الشرعیّة هو المسبّب عقیب وجود السبب، فاستصحاب عدم القابلیّة أیضاً جارٍ، ولا تصل النوبة إلی أصالة عدم التذکیة.
وإن قلنا : بأنّ المجعول فیها هو السببیّة فلا مجال لاستصحاب عدم القابلیّة، فإنّ السببیّة حینئذٍ وإن کانت شرعیّة مجعولة، لکن ترتّب المسبّب علی السبب الشرعی عقلیّ غیر مجعول شرعاً، فلا یترتّب علی استصحاب وجود السبب وجود المسبّب، ولا علی استصحاب عدمه عدمه، وحینئذٍ فتصل النوبة إلی أصالة عدم التذکیة.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 133