الاستصحاب

تحقیق المقام

تحقیق المقام

‏ ‏

‏إذا عرفت هذه الاُمور فنقول : یرد علی ما أفاده الاُستاذ الحائری ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏ فی بیان‏‎ ‎‏جریان استصحاب عدم القرشیّة أو عدم التذکیة ونحوهما: أنّک قد عرفت أنّ الموضوع‏‎ ‎‏للحکم الشرعی هنا لایخلو عن أحد الأنحاء الثلاثة، فلابدّ من ملاحظة الأدلّة: فإنْ‏‎ ‎‏جعل الموضوع فیها بنحو الموجبة المعدولة، أو بنحو السالبة المحمول، مع وجود‏‎ ‎‏الموضوع، فلا حالة سابقة للمستصحب؛ لأنّه بناء علیهما فالموضوع للحکم هی المرأة‏‎ ‎‏المتّصفة بعدم القرشیّة بالعدم النعتی أو المحمولی وهی فی الأزل لم تکن متّصفة بهذه‏‎ ‎‏الصفة؛ لعدم وجودها فی الأزل لتتّصف بهذه الصفة أو یحکم علیها بها، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏تقرّرها حال عدمها؛ لاحتیاج الصفة إلی ثبوت الموصوف.‏

وبالجملة :‏ لا حالة سابقة للمرأة المتّصفة بعدم القرشیّة لتستصحب.‏

‏وأمّا لو اُخذ الموضوع بنحو السالبة المحصّلة، فلعدم إمکان جعلها موضوعاً‏‎ ‎‏لحکم مع انتفاء الموضوع، فعلی فرض جعلها موضوعاً لحکم لابدّ أن تفرض مع‏‎ ‎‏وجود الموضوع، وحینئذٍ فإن اُرید استصحاب عدم القابلیّة للتذکیة کذلک ـ أی‏‎ ‎‏الحیوان الموجود مسلوباً عنه القابلیّة ـ فلا حالة سابقة متیقّنة له.‏

‏وإن اُرید استصحاب سلبها الصادق مع عدم الحیوان، فهو لایُثبت أنّ هذا‏‎ ‎‏الحیوان الموجود مسلوب عنه القبول للتذکیة.‏

‏وإن اُرید عدمها بنحو السلب التحصیلی الأعمّ ـ أی الصادق مع عدم الموضوع‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 131
‏ووجوده مع سلب المحمول ـ فلاریب أنّه لیس موضوعاً للحکم بالنجاسة والحرمة،‏‎ ‎‏بل الموضوع فردٌ منه؛ ـ أی الحیوان الموجود مسلوباً عنه القابلیّة للتذکیة ـ ،‏‎ ‎‏واستصحاب الأعمّ لایثبت الأخصّ الذی هو الموضوع لهما.‏

‏مضافاً إلی عدم الحالة السابقة للأعمّ، بل الذی له حالة سابقة متیقَّنة هو عدم‏‎ ‎‏القابلیّة من جهة عدم وجود الحیوان؛ ـ أی السالبة بانتفاء الموضوع ـ فاستصحابه‏‎ ‎‏لإثبات القسم الآخر للأعمّ القسیم له ـ أی السالبة بانتفاء المحمول مع وجود‏‎ ‎‏الموضوع ـ من قبیل استصحاب أحد أفراد الکلّی کزید لإثبات الفرد الآخر منه‏‎ ‎‏کعمرو وهو أسوء حالاً من استصحاب الکلّی وإثبات فرده.‏

نعم هنا تقریب ووجه آخر لاستصحاب عدم القابلیّة‏ ذکره بعض الأعاظم ‏‏قدس سره‏‏:‏‎ ‎‏هو أنّ موضوع النجاسة والحرمة هنا مرکّب من الحیوان وعدم القابلیّة عدماً محمولیّاً،‏‎ ‎‏لا بنحو التقیید؛ بأن یکون بین الجزءین ارتباط، بل بنحو الترکیب، وحینئذٍ فأحد‏‎ ‎‏جزءی الموضوع مُحرَز بالوجدان، وهو الحیوان، والآخر یحرز بالاستصحاب؛ لأنّه‏‎ ‎‏مسبوق بالعدم، ویکفی مجرّد استصحابه من دون افتقار إلی إثبات الارتباط بین‏‎ ‎‏الجزءین‏‎[2]‎‏. انتهی.‏

وفیه :‏ أنّ تصوّر هذا القبیل من الموضوعات مُشکِل، وعلی فرض تسلیمه‏‎ ‎‏نقول: هل المراد من عدم القابلیّة ـ الذی هو أحد جزءی الموضوع المرکّب ـ هو عدم‏‎ ‎‏القابلیّة بنحو الإطلاق الصادق مع عدم وجود الحیوان؛ أی عدمها الأعمّ الصادق مع‏‎ ‎‏عدم وجود الحیوان، أو المراد هو عدم قابلیّة هذا الحیوان الموجود؟‏

‏فعلی الأوّل فمن الواضحات أنّ الموضوع للحرمة والنجاسة لیس هذا المعنی‏‎ ‎‏الأعمّ الصادق مع عدم الموضوع أیضاً بالضرورة، بل الموضوع لهما الحیوان الموجود‏‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 132
‏مع عدم قبوله للتذکیة، فاستصحاب هذا المعنی الأعمّ لایثبت أنّ هذا الحیوان غیر‏‎ ‎‏قابل لها الذی هو الموضوع الخاصّ لهما.‏

‏مضافاً إلی أنّه لو اُرید من عدم القابلیّة المعنی الأعمّ الصادق مع عدم الحیوان،‏‎ ‎‏یلزم التناقض فی الموضوع لمنافاته للجزء الآخر له، وهو الحیوان، فلابدّ أن یُراد عدم‏‎ ‎‏قابلیّة هذا الحیوان، ولا حالة سابقة له لتستصحب.‏

‏فهذا الوجه أیضاً فاسد.‏

‏هذا کلّه بالنسبة إلی استصحاب عدم القابلیّة، وقد عرفت عدم جریانه.‏

لکن علی فرض صحّة هذا الاستصحاب‏ فهو مقدّم علی أصالة عدم التذکیة‏‎ ‎‏وکافٍ عنها لو قلنا: بأنّ التذکیة أمر مرکّب من قابلیّة المحلّ لها وفَرْی الأوداج مع‏‎ ‎‏الشرائط الاُخر؛ لأنّ الشکّ فی التذکیة وعدمها مسبّب عن الشکّ فی القبول للتذکیة‏‎ ‎‏وعدمه، والأصل الجاری فی السبب حاکم علی الأصل المسبَّبی.‏

وإن قلنا :‏ بأنّ التذکیة عنوان بسیط، وفَرْی الأوداج بالکیفیّة الخاصّة مع‏‎ ‎‏القابلیّة للتذکیة من المحصِّلات الشرعیّة، وقلنا : بأنّ استصحاب بقاء المحصِّلات‏‎ ‎‏الشرعیّة یثبت العنوان المحصِّل، فلا إشکال أیضاً فی جریان أصالة عدم القابلیّة علی‏‎ ‎‏الفرض، وحکومتها علی أصالة عدم التذکیة.‏

وإلاّ فإن قلنا :‏ إنّ المجعول فی الأسباب والمسبّبات الشرعیّة هو المسبّب عقیب‏‎ ‎‏وجود السبب، فاستصحاب عدم القابلیّة أیضاً جارٍ، ولا تصل النوبة إلی أصالة عدم‏‎ ‎‏التذکیة.‏

وإن قلنا :‏ بأنّ المجعول فیها هو السببیّة فلا مجال لاستصحاب عدم القابلیّة، فإنّ‏‎ ‎‏السببیّة حینئذٍ وإن کانت شرعیّة مجعولة، لکن ترتّب المسبّب علی السبب الشرعی‏‎ ‎‏عقلیّ غیر مجعول شرعاً، فلا یترتّب علی استصحاب وجود السبب وجود المسبّب،‏‎ ‎‏ولا علی استصحاب عدمه عدمه، وحینئذٍ فتصل النوبة إلی أصالة عدم التذکیة.‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 133

  • )) اُنظر درر الفوائد : 219 ـ 220 مع مراجعة الهامش من الصفحة 220 .
  • )) اُنظر نهایة الأفکار (القسم الأوّل) 4 : 144 .