الأمر الثانی : مناط الصدق والکذب فی القضایا
إنّهم قالوا : إنّ القول إن کان لنسبته خارج تطابقه أو لاتطابقه فهو خبر، وإلاّ فإنشاء، وقد عرفت عدم اشتمال کثیر من القضایا علی النسبة.
وعلی ما ذکرنا فالمناط فی احتمال الصدق والکذب هو الحکایة التصدیقیّة عن الواقع، فإن أفاد الکلام ذلک فهو خبر یحتمل الصدق والکذب؛ سواء کان مفاده الهوهویّة التصدیقیّة، مثل «زید قائم»، أو النسبة التصدیقیّة، مثل «زید علی السطح»، لا الحکایة التصوّریّة مثل «غلام زید» أو «زید القائم» بنحو النعتیّة، والسوالب من القضایا کلّها محتملة الصدق والکذب، مع عدم اشتمال شیء منها علی النسبة، کما عرفت.
وأمّا المناط فی نفس الصدق والکذب : فهو أنّه إن کانت الحکایة التصدیقیّة موافقة للواقع فهو صدق، وإلاّ فکذب، فلابدّ من ملاحظة الواقع ونفس الأمر المحکیّ
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127
عنه، فإن وافقته القضیّة اللفظیّة فهو صدق، مثل : «الله تعالی موجود»، فإنّه یحکی عن الهوهویّة التصدیقیّة المطابقة للواقع، وکذلک مثل قولنا: «شریک الباری لیس بموجود البتّة» بنحو السالبة المحصّلة، ولو قیل: «الله تعالی له الوجود» فهو کذب؛ لعدم موافقة الحکایة لما فی نفس الأمر، وکذلک قولنا: «شریک الباری لا موجود» بنحو المعدولة؛ لاقتضائه ثبوت الموضوع.
ولا فرق فیما ذکرنا بین الموجبات والسوالب، فلا ارتباط للصدق والکذب بالنسبة؛ کی یستشکل ذلک فی السوالب من حیث عدم اشتمالها علی النسبة.
وأمّا الحمل الأوّلی ـ مثل «الإنسان حیوان، أو ناطق، أو إنسان» ونحو ذلک ـ فهو وإن کان ما لم یوجد الموضوع فیه فی الذهن لایصحّ الحمل علیه: بأنّه حیوان أو ناطق؛ لأنّ الماهیّة مع قطع النظر عن الوجود لیست شیئاً حتّی یحکم علیها: بأنّها حیوان، أو ناطق.
لا أقول : للوجود دَخْل فی حیوانیّته أو ناطقیّته، بل المراد أنّ الماهیّة مع عدم تحلّیها بالوجود ولو ذهناً، لیست شیئاً حتّی یحکم علیها بشیء، لکن تصوّرها الذهنی ـ للحکم علیها بالحیوانیّة مثلاً ـ تحلیة لها بالوجود الذهنی وإن کان ذلک الوجود مغفولاً عنه.
وبالجملة : لیس للماهیّة تقرّر مع قطع النظر عن الوجود، لکن مجرّد تصوّرها وجود ذهنیّ لها، فالحمل الأوّلی أیضاً یحکی عن الهوهویّة والاتّحاد.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 128