الاستصحاب

الأمر الأوّل : النسبة فی القضایا

الأمر الأوّل : النسبة فی القضایا

‏ ‏

‏إنّ القضایا باعتبارٍ علی قسمین: الأوّل الحملیّات المؤوّلة، الثانی الحملیّات الغیر‏‎ ‎‏المؤوّلة، کما اصطلحنا علیه؛ ونعنی بالثانیة القضایا التی مفادها الهوهویّة، وتحکی عن‏‎ ‎‏الاتّحاد فی الخارج، مثل «الإنسان إنسان، أو حیوان، أو ناطق»، ونحو ذلک من‏‎ ‎‏الحملیّات الأوّلیّة، ومثل «زید إنسان، أو قائم»، ونحوهما من الحملیّات الشائعة‏‎ ‎‏الصناعیّة، فإنّ جمیع هذه تحکی عن الاتّحاد والهوهویّة الخارجیّة، لاثبوت شیء‏‎ ‎‏لشیء، فمعنی «زید زید» و «الله تعالی موجود»: أنّه هو، لا أنّ ذاک ثابت لهذا، فإنّه‏‎ ‎‏غلط. فما یقال من أنّ ثبوت الشیء لنفسه ضروریّ‏‎[1]‎‏، فاسد بل غلط، وهذه القضایا‏‎ ‎‏مرکّبة من جزءین؛ لا نسبة فیها أصلاً. فقولهم : «إنّ الکلام إن کان لنسبته خارج‏‎ ‎‏تطابقه أو لا تطابقه، فهو خبر، وإلاّ فإنشاء»‏‎[2]‎‏ غیر صحیح، لا فی الخبر، ولا فی‏‎ ‎‏الإنشاء؛ لعدم النسبة فی هذه القضایا؛ کی تطابق الخارج أو لا تطابقه.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125
‏وکذلک القضیّة المعقولة منها والقضیّة الملفوظة الحاکیة عن الخارج، وإلاّ یلزم‏‎ ‎‏لغویّة النسبة فی القضیّة الملفوظة؛ لعدم حکایتها عن الخارج لعدم النسبة فیه.‏

‏وأظنّ أنّ منشأ التوهّم فی قولهم : «القضایا مرکّبة من ثلاثة أجزاء»‏‎[3]‎‏ هو‏‎ ‎‏الاغترار من لفظ الحمل المقتضی للحامل والمحمول المتغایرین.‏

‏لکنّه توهّم فاسد، فإنّ المناط هو الواقع، فإن کانت النسبة متحقّقة فی الواقع‏‎ ‎‏والخارج، فالقضیّة اللفظیّة الحاکیة عنه لابدّ أن تشتمل علی النسبة، وإلاّ فلا، ولافرق‏‎ ‎‏فی ذلک بین الهیئات المرکّبة والبسیطة.‏

فما عن بعض الأعاظم :‏ من اختصاص الکون الرابط بالهیئات المرکّبة‏‎[4]‎‏.‏

فیه :‏ أنّ جمیعها لیس کذلک، بل بعضها.‏

‏ونعنی بالقضایا المؤوّلة المشتملة علی الکون الرابط الحاکیة عنه ـ لا الهوهویّة ـ‏‎ ‎‏مثل «زید علی السطح» و «زید له القیام، أو فی الدار»؛ ضرورة عدم حکایة هذه عن‏‎ ‎‏الهوهویّة والاتّحاد الخارجی، بل عن النسبة الخارجیّة، فقولنا: «زید علی السطح»‏‎ ‎‏یحکی عن ثلاثة أشیاء: الموضوع، والمحمول، والنسبة بینهما، ولعلّه أشار إلی ذلک فی‏‎ ‎‏«المطوّل» فی باب الإسناد بقوله: للفرق الظاهر بین قولنا: «القیام حاصل لزید فی‏‎ ‎‏الخارج» و «حصول القیام له أمرٌ متحقّق موجود فی الخارج»‏‎[5]‎‏.‏

‏ولافرق فیما ذکرناه بین الموجبة المحصّلة والمعدولة والموجبة المعدولة المحمول.‏‎ ‎‏هذا فی الموجبات.‏


کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126
وأمّا السوالب :‏ فذهب المتأخّرون إلی أنّها مشتملة علی النسبة السلبیّة‏‎[6]‎‏.‏

‏ولکنّه خلاف التحقیق، بل التحقیق : أنّها لاتشتمل علی النسبة أصلاً؛ لأنّ‏‎ ‎‏مفادها سلب الربط والنسبة ، أو سلب الهوهویّة، فإنّ القضیّة الملفوظة منها إنّما تحکی‏‎ ‎‏عمّا هو فی الخارج، ولیس فیه نسبة سلبیّة حتی تحکی عنها القضیّةُ الملفوظة.‏

‏نعم لابدّ فی القضایا المؤوّلة منها من ذکر ما یحکی عن النسبة، مثل لفظة «علی»‏‎ ‎‏فی «زید لیس علی السطح»، لکنّه إنّما هو لأجل إفادة سلبها.‏

والحاصل :‏ أنّ السوالب من القضایا لاتشتمل علی النسبة أصلاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح‏ الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127

  • )) اُنظر شرح المنظومة (قسم المنطق) : 55 سطر 11 .
  • )) المطول : 37، شروح التلخیص 1 : 165 .
  • )) شرح الشمسیّة : 68 سطر 14، الجوهر النضید: 39، حاشیة المولی عبدالله : 62 ـ 65 سطر12.
  • )) فوائد الاُصول 2 : 530 ـ 532 .
  • )) المطول : 39 .
  • )) اُنظر شرح المنظومة (قسم المنطق) : 54 سطر 2، الأسفار 1 : 367 ؛ حیث قال بأنّه «شاع بین المتأخرین المتفلسفین من أنّ فی السالبة نسبة...» .