بیان أنحاء الشبهة فی المقام
وتحقیق الحقّ فی المقام یحتاج إلی بسط الکلام فی ذلک، فنقول :
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 122
إنّ الشکّ فیه یتصوّر علی وجوه :
الأوّل : أنْ تُفرض الشبهة حکمیّة ، وأنّ هذا الحیـوان قابل للتذکیـة فی الشرع أو لا ؟
الثانی : أن تُفرض موضوعیّة؛ لاشتباه الاُمور الخارجیّة.
والشکّ فی الأوّل أیضاً : إمّا فی أصل قبول الحیوان للتذکیة، کما لو شکّ فی أنّ الأرنب قابل لها أو لا؟
ولیعلم أنّ حرمة اللحم غیر عدم القبول للتذکیة، فإنّ السباع محرّمة اللّحم مع قبولها للتذکیة.
وهو أیضاً : إمّا لأجل الشبهة المفهومیّة، کما لو علم أنّ الکلب غیر قابل لها، والأسد قابل، لکن لم یعلم أنّ المتولِّد منهما یصدق علیه عنوان «الکلب» أو لا؛ لعدم العلم بمفهوم «الکلب» و «الأسد» ، وأنّ معنی «الکلب» هو ما یشمل ذلک ، أو لا.
وإمّا لأجل الشکّ فی انطباق عنوان «الکلب أو الأسد» علی المتولّد منهما وعدمه، أو انه عنوان ثالث، مع معلومیّة مفهوم «الکلب» و «الأسد».
وإمّا لأجل الشکّ فی شرطیّة شیء فی التذکیة شرعاً، کبلوغ الذابح ونحوه، مع عدم الشکّ فی قابلیّة الحیوان للتذکیة، وکذلک لو شکّ فی مانعیّة شیءٍ لازمٍ کالمسوخیّة، أو مفارقٍ کالجَلَل.
والشکّ فی الشبهة الموضوعیّة أیضاً : إمّا لأجل الشکّ فی أنّ هذا الحیوان کلب أو ذئب؛ لأجل مانع عن رؤیته کظلمة أو عمیً ونحوهما، وإمّا لأجل عدم تشخیصه للکلب، وإمّا للشکّ فی أنّ هذا اللّحم المطروح من هذا المذکّی ، أو من ذاک الغیر المذکّی، أو من مشکوک التذکیة، أو من معلومها کالجلود المجلوبة من بلاد الکفر التی تُجبی إلیها الجلود المذکّاة وغیرها، فیشکّ فی أنّها من المذکّی أو من غیرها.
وإمّا للشکّ فی وجود المانع عن التذکیّة، کالجلل مع العلم بمانعیّته.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 123
وإمّا لعدم العلم بأصل وقوع التذکیة وتحقّقها.
فعلی فرض عدم استفادة حکم هذه الصور من الأدلّة الاجتهادیّة، فالمرجع فیها هو الاُصول والقواعد الشرعیّة الموضوعیّة منها والحکمیّة:
فمن الاُصول الموضوعیّة أصالة عدم قابلیّة الحیوان للتذکیة، فقد یُدّعی أنّ القابلیّة لها وعدمها من الاُمور الشرعیّة المجعولة.
وقد یقال : إنّها من الاُمور التکوینیّة الثابتة للحیوان کشف عنها الشارع.
فعلی الأوّل : لا مانع من جریان أصالة عدمها؛ للعلم بعدم جعلها لعنوان الأرنب ـ مثلاً ـ سابقاً، فمع الشکّ فیه یستصحب عدمه.
وعلی الثانی : أی أنّها من الاُمور التکوینیّة الثابتة لذات الحیوان، فذهب بعضهم إلی جریان أصالة عدم القابلیة لها؛ أی أصل العدم الأزلی، نظیر أصالة عدم القرشیّة، واختاره شیخنا الحائری قدس سره کما تقدّم سابقاً، وذکر قدس سره فی وجهه: أنّ العوارض علی قسمین: عارض الوجود، وعارض الماهیّة، وعلی التقدیرین : فهی إمّا لازمة، أو مفارقة: فالعارض اللازم للماهیّة کالزوجیّة للأربعة ـ أی ماهیّتها ـ والعارض المفارق لها کعروض الوجود للماهیّة بحسب التحلیل، والعارض اللازم للوجود، کالمبدئیّة للآثار، واللاّزم المفارق له کثیر کالأبیضیّة والأسودیّة ونحوهما.
والقابلیّة للتذکیة لیست من عوارض الماهیّة، بل من العوارض اللازمة للوجود فی ابتداء تحقّقه، فإنّ وجود الحیوان القابل لها ملازم لها لاینفکّ عنها، فمع الشکّ فی حیوان خاصّ أنّه قابل للتذکیة أو لا، یمکن الإشارة إلی ماهیّته، فیقال: إنّها لم تکن ـ قبل تلبّسها بالوجود ـ قابلة للتذکیة، فالآن کما کانت، علی ما تقدّم فی أصالة عدم القرشیّة، فلایرد حینئذٍ: أنّه إن اُرید استصحاب عدم الرابط فلا حالة سابقة له،
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 124
وإن اُرید استصحاب العدم المحمولی فهو لایثبت أنّ هذا الحیوان کذلک. انتهی.
أقول : تقدّم تحقیق ماهو الحقّ فی استصحاب الأعدام الأزلیّة فی باب العامّ والخاصّ مفصّلاً، ولا بأس بالإشارة إلیه هنا أیضاً.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125