عقــد البیع وشرائطه

التنبیه الثانی فی اعتبار الإنشاء فی الإجازة

التنبیه الثانی فی اعتبار الإنشاء فی الإجازة

‏ ‏

‏هل یشترط فی الإجازة الإنشاء؛ حتّی یبحث عن اعتبار اللفظ وعدمه فیه،‏‎ ‎‏واعتبار الصراحة وعدمها فی اللفظ، أو لا؟ وعلی هذا هل یعتبر إبراز الرضا فی‏‎ ‎‏صحّة العقد، أو یکفی مجرّد الرضا الباطنی فیها؟‏

‏قد مرّ سابقاً البحث عن جمیع ذلک مستقصیً ، وقلنا: بأنّ مقتضی القواعد‏‎ ‎‏لزوم الوفاء بالعقد المرتبط بالمالک نحو ارتباط، کصدوره منه، أو مسبوقاً برضاه، أو‏‎ ‎‏مقارناً له، أو متأخّراً عنه، ولا دلیل علی اعتبار الإبراز، فضلاً عن الإنشاء، فضلاً عن‏‎ ‎‏اعتبار اللفظ فی الإنشاء، فضلاً عن اعتبار الصراحة فی اللفظ‏‎[1]‎‏.‏

‏وفیبعض ما استدلّ به علی نفوذالعقد الفضولی ـ کصحیحة الحذّاء‏‎[2]‎‏ ـ وبعض‏‎ ‎‏ما ذکره الماتن فی المقام، توجد کلمة «الرضا» أیضاً‏‎[3]‎‏، وهذه تدلّ علی عدم اعتبار‏‎ ‎‏أزید من الرضا فی تصحیح العقد، ومن ذلک الآیة الکریمة ‏‏«‏تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ‏»‏‎[4]‎‏.‏

‏ومن الغریب عدم استشهاد المصنّف ‏‏قدس سره‏‏ بصحیحة الحذّاء فی المقام،‏‎ ‎‏واستشهاده بروایات قابلة للمناقشة، مع أنّه ‏‏قدس سره‏‏ تمسّک بها فی تصحیح الفضولی‏‎ ‎‏والقول بالکشف فیه‏‎[5]‎‏. وکیف کان، مقتضی القواعد والأدلّة الخاصّة، عدم اعتبار‏‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 545
‏أزید من الرضا الباطنی فی نفوذ العقد مقدّماً علیه أو مقارناً له أو متأخّراً عنه، بل‏‎ ‎‏لاینبغی الإشکال فیه. نعم، یمکن أن یقال بأنّ الإجماع قائم علی اعتبار الإبراز‏‎ ‎‏والإظهار فی الإجازة، لکن دون إثباته ـ کما ذکره المصنّف ‏‏قدس سره‏‎[6]‎‏ ـ خرْط القتاد.‏

ومن اعتبر الإنشاء فی الإجازة :‏ إمّا أن یقول به من جهة أنّه یری أنّ العقود‏‎ ‎‏مفاهیم إنشائیّة، والعقد الفضولی لایتمّ إلاّ بالإجازة، فالإجازة متمّمة للعقد، فتحتاج‏‎ ‎‏إلی الإنشاء نظیر القبول، فإنّ العقد لایتمّ إلاّ به، وبما أنّ العقد محتاج إلی الإنشاء،‏‎ ‎‏فلابدّ من اعتبار الإنشاء فی القبول.‏

والجواب‏ عن ذلک ظاهر، فإنّا لا نری دَخْل القبول فی حقیقة العقد، فضلاً عن‏‎ ‎‏الإجازة، بل العقد لیس إلاّ نفس الإنشاء الحاصل بفعل الموجب خاصّة، واعتبار‏‎ ‎‏القبول شرطاً أو شطراً إنّما هو فی ترتّب الآثار، لا فی حقیقة العقد، ولو قلنا بدَخْله‏‎ ‎‏فی العقد فلا مجال للقول بدخل الإجازة فیه، فإنّ الإجازة إنفاذ العقد وإمضاؤه،‏‎ ‎‏فلابدّ من خروجه عن حقیقته، فهذا البیان لایثبت اعتبار الإنشاء فی الإجازة.‏

وإمّا أن یقول به‏ من جهة اعتباره استناد العقد إلی الملاّک فی إنفاذ العقد؛ بحیث‏‎ ‎‏یکون العقد عقدهم ولو تسبیباً، وهذا المعنی لایمکن إلاّ بإنشاء الإجازة من المالک.‏

ففیه‏ ما تقدّم أیضاً : من عدم اعتبار هذا النحو من الاستناد فی العقد، بل‏‎ ‎‏لایعقل، فإنّ العقد الصادر من الغیر ـ بالمعنی المصدری ـ والحاصل منه لا ینقلب‏‎ ‎‏عمّا وقع علیه، فکیف یُعقل استناده إلی المالک بحیث یکون عقده حقیقة؟! هذا مع‏‎ ‎‏أنّ عقد الوکیل والمأذون والولیّ والوصیّ مشمول لدلیل الوفاء جزماً، مع أنّه لیس‏‎ ‎‏عقداً للموکّل والآذن والمولّی علیه والموصی، وهذا ظاهر، بل لو قلنا باعتبار القبول‏‎ ‎‏فی حقیقة العقد، فالعقد الحاصل بین الأصیلین أیضاً غیر مشمول لدلیل الوفاء علی‏‎ ‎‏هذا المبنی، فإنّ العقد ـ وهو المجموع من الإیجاب والقبول ـ غیر مستند؛ لا إلی‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 546
‏الموجب، ولا إلی القابل؛ بحیث یکون العقد عقد الموجب أو القابل، والمستند إلی‏‎ ‎‏الأوّل حقیقة هو الإیجاب، وإلی الثانی القبول، ولو سُلّم الاستناد فی العقد الحاصل‏‎ ‎‏بین الأصیلین، لکن عدم صحّة الاستناد الحقیقی بالنسبة إلی ما مرّ من الأمثلة، لعلّه‏‎ ‎‏من الواضحات. ولو اُدّعی الاستناد المجازی فیها، فلازمه عدم إمکان التمسّک‏‎ ‎‏بالأدلّة العامة فی هذه الموارد، فإنّ أصالة الحقیقة فیها موجبة لعدم شمولها لموارد‏‎ ‎‏المجاز والادّعاء، مع أنّ الادّعاء فی المقام ممتنع، فإنّ حقیقة الإجازة إمضاء ما فعله‏‎ ‎‏غیر المجیز، فأین دعوی أنّ فعل الفضولی فعل المجیز؟! وأین هذا التنزیل؛ حتّی‏‎ ‎‏یقال بانطباق العموم علی موضوعه الادّعائی؟!‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 547

  • )) تقدّم فی الصفحة 426 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 434 .
  • )) المکاسب : 135 ـ 136 .
  • )) النساء 4 : 29 .
  • )) المکاسب : 133 / سطر 26 .
  • )) المکاسب : 135 / سطر 35 .