عقــد البیع وشرائطه

الاستدلال علی الکشف الانقلابی بالعمومات

الاستدلال علی الکشف الانقلابی بالعمومات 

‏ ‏

‏وقد استدلّ بعضهم بالقواعد والعمومات علی الکشف الانقلابی؛ بتقریب: أنّ‏‎ ‎‏الإجازة متعلّقة بمضمون العقد السابق، وهی الملکیة المقیّدة بحصوله من ذلک‏‎ ‎‏الزمان، أو الملکیّة التی کان الزمان السابق ظرفاً لها، والمُمضی شرعاً إنّما هو‏‎ ‎‏الملکیّة المرضیّة للمالک، ولا تکون المبادلة مرضیّة للمالک إلاّ بعد الإجازة، فحینئذٍ‏‎ ‎‏یلحقها الإمضاء الشرعی، فمن لم یکن مالکاً قبل الإجازة یصیر مالکاً بعدها من‏‎ ‎‏زمان صدور العقد‏‎[1]‎‏.‏

‏هذا، وبعد الإغماض عمّا مرّ من الإیراد علی هذا الاستدلال : من لزوم‏‎ ‎‏اجتماع مالکین مستقلّین علی شیء واحد وعدم إمکان الانقلاب، فإنّ تصویر هذا‏‎ ‎‏المعنی من الکشف مشکل، فإنّ المفروض عدم الملکیّة قبل الإجازة، وحالها تنقلب‏‎ ‎‏الملکیة من الأوّل، ومعنی هذا إمّا لزوم التفکیک بین المالکیّة والملکیّة؛ لو قلنا بأنّ‏‎ ‎‏المالکیّة بالفعل والملکیّة من قبل، وإمّا لزوم اتّحاد الزمانین خارجاً؛ لو قلنا بحصول‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 498
‏الملکیّة المقیّدة بالزمان السابق، أو المظروفة فیه فی زمان الإجازة‏‎[2]‎‏.‏

‏مضافاً إلی أنّ الملکیة المقیّدة أو المستمرّة أو المظروفة لم تُنشأ ، بل المُنشأ‏‎ ‎‏نفس طبیعة الملکیّة، والإجازة قد تعلّقت بها، وقد أمضاها الشارع حال الإجازة،‏‎ ‎‏ومعنی هذا هو النقل لا الانقلاب.‏

وأمّا الکشف الحقیقی :‏ فهو وإن قلنا بعدم ورود الإشکال العقلی فیه، إلاّ أنّ‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 499
‏ظاهرالأدلّة اعتبارالرضا فی نفوذ العقد، والمفروض أنّه معدوم حال العقد. نعم، للعقد‏‎ ‎‏اعتبار بقاء بنظر العقلاء، وفی حال الإجازة یلحقه الرضا فیؤثّر ، فالنتیجة هی النقل.‏

وأمّا سائر وجوه الکشف ‏ـ من الکشف المحض، أو اشتراط وصف التعقّب فی‏‎ ‎‏نفوذ العقد ـ فمضافاً إلی ما قد سلف هی خلاف ظواهر الأدلّة، کما لایخفی.‏

فالتحقیق :‏ أنّ المستفاد من القواعد والأدلّة العامّة هوالنقل، وقد ظهرتقریبه‏‎[3]‎‏.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 500
‏ولابأس بالتعرّض لبعض ما ذکره فی المقام تتمیماً للفائدة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 501

  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 1 : 151 / سطر 35 .
  • )) فرض الانقلاب علی وجهین :     أحدهما : فرضه علی نحو تحصّل المالکیّة بالفعل والملکیة من الأوّل.     وفیه مافیه : من لزوم معیّة المتضایفین .     ثانیهما : حصول الاعتبار بالفعل والمعتبر أمر سابق، نظیر الوصیة، فإنّ فیها فعلیّة الاعتباروتأخّر المعتبر.     وما نحن فیه عکس ذلک، فعلی هذا لایرد علی هذا القول لزوم التفکیک بین المتضایفین منه.     نعم، یرد علیه: لزوم الانقلاب واجتماع المالکین المستقلّین علی شیء واحد.     وقد أجبنا عن الانقلاب : بأنّ الاعتبار ممکن ذاتاً حتّی اعتبار النقیضین، نعم، لابدّ من وجود مصلحة له وکون المورد ممّا یقبل الاعتبار، ومعهما لا مجال لمنع الاعتبار کما فی المقام، فإنّ اعتبار الملکیّة وعدمها ممکن من جهة قابلیّة المعتبر ووجود المصلحة.     وأجبنا عن اجتماع المالکین : بأنّ الاجتماع إنّما هو فی ظرف المعتبر، لا فی ظرف الاعتبار، فلم یتحقّق مورد وقع التزاحم بین المالکین، فتأمّل، فإنّ الشیء بعد العقد وقبل الإجازة مملوک لشخصین وإن کان زمان الاعتبار مختلفاً، وعلیه فإنّ تصرّف کلٍّ منهما فیه تصرّف فی ملکه وفی ملک الآخر، ونماؤه مملوک لهما علی الاستقلال، وهذا لایمکن فرضه.     والذی یرد علی هذا القول ، وهو العمدة: أنّ الإجازة وإن قلنا بتعلّقها بالملکیّة المتقدّمة، والمجیز اعتبرها بالفعل، إلاّ أنّ الإمضاء الشرعی لیس علی نحو إمضاء المالک؛ بمعنی أنّه أیضاً یُجیز بالفعل الملکیة المتقدّمة، بل إمضاء الشارع لایستفاد من غیر الأدلّة، وهی عمومات «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وغیرها، الصارفة أو المنصرفة إلی العقد المرضیّ به ـ الأعمّ من الرضا الفعلی أو اللاحق ـ فإمضاء الشارع متحقّق قبل الإجازة حال العقد؛ أی الشارع قد أمضی العقد المرضیّ به ولو متأخّراً لا الإجازة، فالنتیجة هی الکشف الحقیقی لا الانقلاب، فتدبّر. المقرّر دامت برکاته.
  • )) أقول وأستعین بالله : إنّه لو اقتصرنا علی الظهور البدوی لأدلّة الرضا جامدین علیه، فلابدّ لنا من الحکم ببطلان الفضولی؛ لمکان کلمة «عن» فی آیة التجارة.     لکن التحقیق یقتضی رفع الید عن الخصوصیة المقارنة للقرائن السابقة. ذلک ما ذکره الاُستاذ مدّ ظلّه.     ولنا أن نقول: إنّ العقلاء لایرون خصوصیّة فی فعلیّة الرضا بل یرون الرضا فیما سیأتی کافیاً فی نفوذ العقد.     وإن شئت قلت : إنّ أدلّة اعتبار الرضا لاتکون مقیِّدة للعمومات نظیر «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، بل العمومات فی نفسها منصرفة عن العقد غیر المرضیّ به، فإذا وصل الأمر إلی الانصراف، فالقدر المعلوم من خروجه هو العقد الذی لا رضا فیه مقارناً أو سابقاً أو لاحقاً، وأمّا العقد الّذی سیلحقه الرضا فلامانع من شمول الدلیل له.     فالنتیجة : وجوب الوفاء بالعقد الذی سیلحقه الرضا، وهذا معنی الکشف الحقیقی.     وأمّا ما أفاده سیّدنا الاُستاذ : من أنّ الرضا لیس بفعلیّ، وهو معدوم، فقد عرفت عدم اعتبار فعلیّة الرضا، وإمکان أن یجعل الشارع العقد المرضیّ به مؤثِّراً ولو فیما سیأتی؛ بلا ورود إشکال عقلیّ علیه، وظهور القواعد والعمومات فی ذلک أیضاً.     فالنتیجة : صحّة القول المشهور الذی علیه الأعاظم من المتأخّرین، ومنهم صاحب الجواهر قدس سره، فالأخذ به متعیّن.     مع أنّ هنا إشکالاً فی النقل: وهو أنّ مقتضی العقد تحقّق مضمونه من حینه.     لا أقول : إنّ المُنشأ بالعقد هی الملکیة المقیّدة أو المظروفة، بل أقول: إنّ المُنشأ وإن کانت نفس طبیعة الملکیة، إلاّ أنّه معنی نفوذ العقد وقوع الملکیّة من حینه.     وإن شئت قلت : إنّ مقتضی العقد وإن کانت نفس طبیعة المبادلة، إلاّ أنّ إطلاقها یقتضی وقوع المبادلة من حین العقد، والإجازة لاتقیّد العقد، بل ناظرة إلی نفس العقد، وموجبة لإنفاذ نفس العقد الواقع مطلقاً، فلابدّ إمّا من الالتزام بالکشف الحقیقی أو الانقلاب، وحیث إنّ الثانی غیر معقول، بل مخالف للقواعد، فلابد من الالتزام بالأوّل.     وحاصل الإشکال: أنّ القول بالنقل مخالف لمقتضی إطلاق العقد.     وبعبارة اُخری : لو کان العقد نافذاً یؤثّر من حینه، وإلاّ فلا یؤثّر بعده أیضاً. وهذا المعنی لو لم یکن أمراً عقلیّاً، لکن لاینبغی الإشکال فی موافقته لنظر العقلاء، ومن المطمئنّ به أنّ المحقّق والشهید الثانیین یریدان باستدلالهما الثانی هذا المعنی، ومن استدلالهما الأوّل ما ذکرناه فی تقریب الکشف.     وبالجملة : أنّ جمیع أنحاء الکشف ـ عدا الحقیقی منه ـ مخالف لظواهر الأدلّة ، بل فی بعضها إشکال ثبوتیّ، وفی النقل أیضاً إشکال عقلائیّ، ولا أقلّ من أنّه خلاف ظواهر الأدلّة الدالّة علی نفوذ العقد، فإنّ مقتضاها وقوع المضمون من حینه علی التقریب المتقدّم. وسیجیء الإشکال فی الکشف الحکمی عند تعرّض سیّدنا الاُستاذ له، فلم یبقَ إلاّ الکشف الحقیقی المساعد علیه نظر العقلاء وظواهر الأدلّة والشهرة بین العلماء وذهاب جمع من أکابرهم إلیه، فلابدّ من الالتزام به، والحمد لله . المقرّر دامت برکاته.