کلام المحقّق الخراسانی فی المقام ومناقشته
وقد تفصّی صاحب الکفایة قدس سره عن الإشکال بوجه آخر، وهو أیضاً من إرجاع المسألة إلی الشرط المقارن ـ وإن أسند تلمیذه المحقّق إلیه: أنّه ملتزم بالشرط المتأخّر ـ وذکر فی بیان ذلک :
أنّ الأفعال الاختیاریّة ـ ومنها الأحکام التکلیفیّة والوضعیّة ـ إنّما تتوقّف علی مبادئ علمیّة لما یرید الشخص أن یفعله ویأمر به عبده.
وبالجملة : أنّ قیود الفعل بوجودها العلمی موقوفة علیها، لا بوجودها الخارجی؛ لعدم السنخیة بین الفعل الاختیاری وبینها بهذا الوجود، وإنّما هی بینه وبینها بوجودها العلمی، کما لایخفی.
وعلیه یکون حال السابق أو اللاحق بعینه حال المقارن فی الدخل؛ مثلاً: إذا فرض أنّ الذی یکون مؤثّراً بنظر الشارع هو العقد الخاصّ، الذی انتُزعت
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 487
خصوصیّته من ملاحظة رضاء مقارن أو لاحق، فکما لا دخْل للرضاء المقارن حینئذٍ، إلاّ أنّه بملاحظته جعله الشارع سبباً، کذلک حال الرضاء اللاحق، فیکون دَخْل کلٍّ فی التأثیر نحو دَخْل الآخر فیه، وهو ملاحظة خصوصیّة العقد المنتزعة عن رضاء مقارن أو لاحق.
انتهی محصّل محلّ الحاجة من کلامه زِیدَ فی علوّ مقامه، فراجع فوائده للإحاطة بتمام مرامه.
وفیه : أنّ المؤثّر فی الفعل الاختیاری وإن کان مبادئه العلمیّة، إلاّ أنّه فی الأحکام الوضعیّة زیادة علی غیرها من الأفعال الاختیاریّة، وهی أنّ الخصوصیّة الملحوظة المعلومة بالعرض، لابدّ وأن تکون قابلة للدَّخْل فی التأثیر؛ حتّی یکون لحاظها مبدأ لحکم الشارع به، فحکم الشارع بتأثیر العقد فی الملکیّة وإن لم یتوقّف علی الإجازة بوجودها الخارجی، بل یتوقّف علیها بوجودها العلمی، وهو لحاظها، إلاّ أنّه ما لم یکن الملحوظ المعلوم بالعرض ـ وهی خصوصیّة العقد المنتزعة عن الإجازة ـ قابلاً للتأثیر لم یکن لحاظها باعثاً لحکم الشارع به، وإلاّ لزم دخل لحاظ کلّ شیء فی حکم الشارع، وهذا واضح. وحینئذٍ نتکلّم فی هذه الخصوصیّة الملحوظة: هل هی منتزعة من الإجازة قبل وجودها، فهذا من الإشارة إلی المعدوم، أو بعدها فهذا لیس من الکشف فی شیء؟
وبالجملة : لحاظ الشارع الإجازة بعد وجودها، وحکمه بالنفوذ مسبّباً عن هذا اللحاظ، موجبان لکون الإجازة ناقلة لا کاشفة، ولحاظه إیّاها قبل وجودها
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 488
لایکون مبدأ للحکم، فإنّ الملحوظ ـ وهو إضافة العقد إلی الإجازة قبل وجودها ـ مستحیل کما مرّ.
فهذا الجواب أیضاً لایتمّ.
والتحقیق فی الجواب أن یقال: إنّ المتضایفین ـ کالتقدّم والتأخّر ـ وإن کانا متکافئین قوّة وفعلاً، إلاّ أنّ هذه القاعدة مختصّة بالمفاهیم المتضایفة؛ والعناوین الإضافیة بالمعنی الإضافی المقولی، ولایلزم أن یکون مصداق المعنی الإضافی إضافیّاً کالعلّة والمعلول، وهکذا التقدّم والتأخّر بواقعهما لا مفهومهما.
وبالجملة : أنّ الاُمور المتصرّمة والمتدرّجة فی الوجود، کالزمان والزمانیّات ـ تبعاً للزمان، فإنّ لها نحو اتّحاد معه، کما حقّق فی محلّه ـ لاتکون متصرّمة ومُتدرّجة، إلاّ إذا کان بعضها متقدّماً علی البعض الآخر بواقع التقدّم؛ وإن لم یکن المتأخّر حال وجود المتقدّم موجوداً، لکن یوجد فی ظرف وجوده، فالیوم مقدّم علی الغد بواقع التقدّم، والحرکة فی الساعة الاُولی مقدّمة علی الحرکة فی الساعة الثانیة کذلک وإن لم یوجد المتأخّر بالفعل، لکنّه یوجد فی ظرفه، ففرض التصرّم والتدرّج فی الوجود مع اتّصال الأجزاء، موجب لکون الجزء الأوّل متقدّماً حقّ التقدّم. نعم، لو انقطع الاتّصال لایثبت التقدّم لذلک، لکنّ المفروض أنّ عدم الانقطاع والاتّصال موجب لما ذکر حال وجود المتقدّم، ففی السلسلة المتدرّجة المتقدّم متقدّم بواقعه حال وجوده ولو قبل تحقّق المتأخّر، ولیس هذا من تأثیر وجود المتأخّر فی ثبوت التقدّم للمتقدّم؛ لیلزم محذور الشرط المتأخّر، بل المتقدّم متقدّم بذاته لذاته حقّ التقدّم وبواقعه.
إذا تمهّد ذلک فنقول : یمکن أن یجاب عن الإشکال العقلی: بأنّ الموضوع فی الوضعیّات وما هو شرط فی متعلّق الأحکام، هو ما یکون متقدّماً بحسب الواقع علی حادث خاصّ؛ مثلاً: الموضوع فی صوم المستحاضة ما یکون متقدّماً بالتقدّم
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 489
الواقعی علی الأغسال الآتیة تبعاً للزمان؛ بحیث لو لم توجد الأغسال فی محلّها لا یصیر الصوم متقدّماً بالذات علیها، وهکذا الأثر فی البیع الفضولی مترتّب علی العقد المتقدّم بالحقیقة تبعاً للزمان علی وقوع الإجازة؛ بحیث لایکون العقد متقدّماً علیها بواقع التقدّم التبعی إلاّ أن تکون الإجازة متحقّقة فی ظرفها، فوقوع الإجازة فی عمود الزمان المتأخّر یوجب کون العقد متقدّماً حق التقدّم، وهو متقدّم کذلک حال وجوده لوقوعها فی ظرفها.
هذا، ویمکن حلّ الإشکال بنظر العرف، فإنّ الموضوعات الواقعة فی لسان الأدلّة اُمور عرفیّة لاتنالها ید الدقّة العقلیّة، والعرف یری الإضافة إلی المتقدّم والمتأخّر کالمقارن، ویری العقد متعقَّباً بالفعل مع عدم الإجازة الفعلیّة، فیصحّ انتزاع هذه العناوین عندهم لأجل الملاکات والتخییلات المرکوزة فی أذهانهم، ومن الممکن کون الأثر مترتّباً علی المتعقّب فی نظر العرف دون العقل، کما هو مقتضی أخذ الموضوعات من العرف.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 490
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 491
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 492