التحقیق فی المقام
والصحیح أن یقال : إنّ بیع الفضولی لنفسه علی نحوین :
فإنّه تارة : یبیع مثل ماهو المتعارف، وهو المبادلة بین المالین، والقصد لنفسه من الأغراض والدواعی الموجبة للبیع، وهو أن یأخذ ثمنه ویتصرّف فیه.
واُخری : یبیع بنحو التقیید.
والظاهر أنّ محلّ الکلام بین الأعلام إنّما هو النحو الأوّل لا الثانی، کما لایخفی، فإنّه المتعارف الذی یناسب الاهتمام ببیانه والبحث عنه. فلو أوقع الفضولی المعاملة علی النحو الأوّل؛ لغرض أخذه الثمن والتصرّف فیه بنفسه، فلایرد علیه الإشکال العقلی، فإنّ الجدّ الحاصل فی هذه المعاملة، لاینقص عن معاملة الفضولی لمالکه ومعاملة المکره ومعاملة الأصیل بشیء، وهو الجدّ بإنشاء المعاملة، وأمّا ترتّب الأثر علی المعاملة وعدمه، فأجنبیّ عن إنشاء المعاملة وماهو المعتبر فیه، فإنّ الالتزام بصحّة معاملة الفضولی لمالکه، اعتراف بعدم إخلال العلم بعدم ترتّب الأثر حال المعاملة فی حصول الجدّ بالمعاملة، بل صحّة معاملة الأصیل أیضاً یستلزم ذلک کما مرّ.
والحاصل : أنّ المعتبر فی إنشاء المعاملة هو الجدّ بالإنشاء ولو مع العلم بعدم ترتّب الأثر علیه فعلاً، نظیر الجدّ بالإنشاء فی العمومات القانونیّة مع العلم باختصاص الحکم ببعض الأفراد.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 456
وبالجملة : إنّ اعتبار الفضولی المعاملة لنفسه ـ فی المعاملات المتعارفة ـ غیر دخیل فی حقیقة معاملته؛ حتّی یقال بعدم إمکان تعلّق الجدّ بها للعلم بعدم تحقّقها أبداً، بل إنّه داعٍ للمعاملة وغرض لها، والمبادلة تقع بین المالین، وبطلان الداعی لایوجب بطلان المعاملة، کما لایخفی.
والإشکال العقلی مندفع حینئذٍ؛ لإمکان الجدّ بالمبادلة بین المالین إنشاءً، نظیر الأصیل والمکره والفضولی لغیره، بل البیع لمالکه أیضاً إنّما هو بغرض إجازته، وبیع المکره أیضاً لغرض التخلّص عن الضرر، وکذا بیع الأصیل بتوقّع حصول القبول، وجمیع ذلک من الدواعی الموجبة للمعاملة، وهذا لا یضرّ بحصول الجدّ بالمعاملة کما ذکرنا.
فما ذکره الشیخ التستری رحمه الله ـ علی ما وجّهنا به کلامهـ هو الصحیح فی المعاملات المتعارفة من الفضولی لنفسه .
وأمّا لو وقعت المعاملة بنحو التقیید، فمع أنّه نادر یمکن تصحیحه بالقول: بأنّ المعاملة الواقعة علی العین الشخصیّة لاتقع إلاّ لمالکها، والتقیید لایوجب تغیّر ذلک، نظیر ما لو باع الفرس المقیّد بکونه عربیّاً مع کونه شخصیّاً، والحال أنّه غیر عربیّ، فإنّه یصحّ البیع حینئذٍ وإن تخلّف الوصف، ویجیء فیه الخیار.
والحاصل : أنّ الفضولی الملتفت وإن قیّد المبیع بأنّه ملکه، إلاّ أنّه یلتفت إلی أنّ ذلک لیس إلاّ مجرّد دعوی، والبیع لایقع علی هذا المبیع الشخصی إلاّ لمالکه، فیمکنه الجدّ بالمعاملة وتقییده لغو، وتصحّ المعاملة ـ بإجازة المالک ـ للمالک.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 457