عقــد البیع وشرائطه

فی دلیل اعتبار مقارنة الرضا للعقد

فی دلیل اعتبار مقارنة الرضا للعقد 

‏ ‏

‏فقد یقال باعتبار المقارنة؛ من جهة استفادة ذلک من کلمة «عن» النشویّة فی‏‎ ‎‏الآیة المبارکة: ‏‏«‏لاََ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ‎ ‎تَرَاضٍ‏»‏‎[1]‎‏، فإنّ حصر جواز الأکل بالتجارة الناشئة عن تراضٍ، یدلّ علی عدم‏‎ ‎‏جواز الأکل فی بیع المکرَه، ودخول ذلک فی عقد المستثنی منه‏‎[2]‎‏. وقد مرّ‏‎[3]‎‏ فی‏‎ ‎‏تقریب ما یستفاد من هذه الآیة: أنّ الظاهر منها ترتّب الحکم بعدم الجواز علی‏‎ ‎‏الباطل، والحکم بالجواز علی غیر الباطل، وهذا الوصف المأخوذ فی موضوع ذلک‏‎ ‎‏الحکم ـ کسائر موضوعات الأحکام ـ فهمه موکول إلی نظر العرف، ولیس للشارع‏‎ ‎‏تصرّف فیه، ومن الواضح أنّ العرف والعقلاء لایرون الأکل فی بیع المکرَه ـ بعد‏‎ ‎‏رضاه بالبیع ـ من الأکل بالباطل، فعلی ذلک لافرق بین أن یقال بظهور الآیة فی‏‎ ‎‏الحصر وعدمه، وبین کون الاستثناء منقطعاً أو متّصلاً،وبین القول بظهور الکلمة فی‏‎ ‎‏النُّشُوّ وعدمه، هذا، مع أنّ وصف التراضی قید غالبیّ لا مفهوم له، فکأنّه استثنی عن‏‎ ‎‏الأکل بالباطل الأکل بالتجارة، وحینئذٍ المستثنی یشمل المقام.‏

وبعبارة اُخری :‏ إنّ فهم مدالیل الألفاظ موکول إلی نظر العرف، والعرف‏‎ ‎‏ـ بملاحظة بعض المناسبات المغروسة فی ذهنه ـ یُلغی الخصوصیّة فی بعض‏‎ ‎‏المقامات، کما مرّ‏‎[4]‎‏ ذلک، ومثّلنا له بمثالین ‏‏[‏‏«رجل شکّ بین الثلاث والأربع»‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 410
‏و«أصاب ثوبی دم رعاف»‏‏]‏‏، فإنّه یُلغی خصوصیّة کون الشاکّ رجلاً فی الأوّل‏‎ ‎‏وخصوصیّة إضافة الثوب إلی زرارة وکون الدم رعافاً فی الثانی، کذلک فی المقام،‏‎ ‎‏فإنّ العرف یحکم بإلغاء الخصوصیّة فی المستثنی وفی المستثنی منه:‏

أمّا فی المستثنی منه،‏ فلایری موضوع الحکم بعدم جواز الأکل إلاّ کون‏‎ ‎‏الأکل باطلاً، فالبطلان موضوع للحکم بنظره، وحیث إنّ الاستثناء لیس من الباطل،‏‎ ‎‏فإنّه غیر قابل للتخصیص؛ أی یحکم الشارع بجواز الأکل فی مورد البطلان.‏

‏وأیضاً التجارة عن تراضٍ لاتکون باطلاً قطعاً، فالعرف یری أنّ الآیة فی مقام‏‎ ‎‏مقابلة الباطل بالتجارة بما أ نّها غیر باطل، لا بما أ نّها تجارة ناشئة عن تراضٍ،‏‎ ‎‏فالمستفاد من الآیة المبارکة عدم جواز الأکل فی مورد البطلان وجوازه فی مورد‏‎ ‎‏الحقّ، وبما أنّ فهم البطلان والحقّ ـ کسائر الموضوعات المأخوذة فی الأدلّة ـ‏‎ ‎‏موکول إلی نظر العرف، فلابدّ من ملاحظة معناهما فی نظر العرف والعقلاء، والعقلاء‏‎ ‎‏لایرون بیع المکرَه بعد حصول الرضا من أقسام الباطل.‏

‏فبهذا البیان ظهر عدم استفادة حصر الحلّ فی التجارة عن تراضٍ من الآیة‏‎ ‎‏الکریمة.‏

وأمّا فی المستثنی ،‏ فظهور الکلمة فی النُّشُوّ وإن کان لاینکر، إلاّ أنّ العرف‏‎ ‎‏یُلغی هذه الخصوصیّة؛ بملاحظة أنّ وجه التقیید بالتراضی هو حصول الرضا فی‏‎ ‎‏المعاملة، وأمّا نُشُوّ المعاملة عن الرضا فلا خصوصیّة فیه، ولاسیّما بملاحظة‏‎ ‎‏الاستثناء عن الباطل واستفادة أنّ وجه الاستثناء هو کون التجارة عن تراضٍ من‏‎ ‎‏غیر الباطل، وأمّا وجه ذکر هذا الفرد فی المستثنی فکونه من أوضح الأفراد وأغلبها.‏

وقد ظهر بذلک :‏ عدم الحاجة إلی البحث عن اتّصال الاستثناء وانقطاعه، وإن‏‎ ‎‏ذهب السیّد ‏‏رحمه الله‏‏ ـ وتبعه المحقّق النائینی ‏‏رحمه الله‏‏ ـ إلی لزوم توجیه الاستثناء بحیث‏‎ ‎‏یرجع إلی الاتّصال، ولذا ذکروا : أنّ الآیة بمعنی «لا تأکلوا أموالکم بینکم بوجه من‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 411
‏الوجوه ـ إلاّ التجارة عن تراضٍ ـ لکونه باطلاً»‏‎[5]‎‏.‏

‏وهذا لایرجع إلی محصّل صحیح، فإنّ الآیة ظاهرة فی الاستثناء المنقطع، ولا‏‎ ‎‏محذور فی الالتزام بذلک، ولاینافی ورودَ الآیة فی کلام البلیغ، فإنّ البلاغة قد‏‎ ‎‏تقتضی الإتیان بالاستثناء منقطعاً لبعض الدواعی، کتأکید المستثنی منه، مثل‏‎ ‎‏«‏لاَیَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً وَلاَتَأثِیماً إلاّ قِیلاً سَلاَماً سَلاَماً‏»‏‎[6]‎‏، أو داعٍ آخر «یرجع فی‏‎ ‎‏ذلک إلی المفصّلات» ؛ بل أوّل الاستثناء فی أمثال هذه الموارد إلی الاتّصال‏‎ ‎‏والالتزام باستفادة الحصر منه منافٍ للفصاحة؛ أتری أ نّه لایُسمَع شیء فی الجنّة إلاّ‏‎ ‎‏السلام؟! وهذا ظاهر.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 412

  • )) النساء 4 : 29 .
  • )) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 156 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 33 ـ 34 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 48 ـ 49 .
  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 1 : 127 / سطر 11 . منیة الطالب 1 : 199 / سطر22.
  • )) الواقعة 56 : 25 ـ 26 .