عقــد البیع وشرائطه

فی اعتبار الرضا فی مفهوم العقد وصور المسألة

فی اعتبار الرضا فی مفهوم العقد وصور المسألة 

‏ ‏

‏ویقع البحث أوّلاً فی أ نّه هل یعتبر الرضا فی مفهوم العقد ، أو لا؟‏

‏وصور المسألة ثلاث :‏

الاُولی :‏ أن یقطع المکرَه بنفوذ العقد الإکراهی، ولذلک أنشأه جدّاً.‏

الثانیة :‏ أن یعلم بعدم نفوذه من دون لحوقه بالإجازة، إلاّ أ نّه یعلم بصحّته مع‏‎ ‎‏اللحوق، ویعلم أو یحتمل اللحوق.‏

الثالثة :‏ أن یعلم بعدم نفوذ عقده من جهة اعتقاده بعدم إجازته بعد ذلک، أو‏‎ ‎‏اعتقاده عدم تصحیح عقده بالإجازة.‏

أمّا فی الصورة الاُولی :‏ فالفرق بین هذا العقد الواقع عن إکراه وغیره ممّا لم‏‎ ‎‏یقع علیه إکراه، أمران :‏

أحدهما بحسب المبدأ :‏ وهو أنّ الإکراه واقع فی مبادئ المعاملة، المفروض‏‎ ‎‏وقوعها عن قصد إلیها وعن جدّ بها فی الأوّل دون الثانی.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 407
والآخر بحسب المنتهی :‏ وهو عدم ترتّب الأثر علی العقد فی الأوّل دون الثانی.‏

‏وشیء منهما لایکون دخیلاً فی مفهوم العقد؛ أمّا ما فی المرتبة السابقة علی‏‎ ‎‏العقد وفی مبادئه، وهو الإکراه وعدمه، فلایمکن دخله فی المرتبة المتأخّرة، وهو‏‎ ‎‏العقد، فإنّه غیر معقول، وهکذا بالنسبة إلی ترتّب الأثر وعدمه، فإنّهما متأخّران عن‏‎ ‎‏العقد، فلایمکن دخلهما فی مفهومه.‏

وبعبارة اُخری :‏ الأثر غیر دخیل فی العقد؛ لا مفهوماً وهذا واضح، ولا‏‎ ‎‏مصداقاً؛ للزوم وضع العامّ والموضوع له الخاصّ فی أبواب العقود، وذکرنا ذلک فی‏‎ ‎‏مبحث الصحیح والأعمّ مفصّلاً‏‎[1]‎‏، وقلنا : بأنّ تعنون هذا المبحث بذلک ممّا لاینبغی؛‏‎ ‎‏لأنّ مفهوم الصحّة غیردخیل فی العبادات والمعاملات، ومصداقها مترتّب علی وجود‏‎ ‎‏العقد، فیلزم تعدّد الموضوع له حسب تعدّد الوجودات، فراجع ذلک المقام، ففی هذه‏‎ ‎‏الصورة العقد تامّ من جهة کونه عقداً، وأمّا من جهة التأثیر فسیجیء الکلام فیه.‏

وأمّا فی الصورة الثالثة :‏ وهو العلم بعدم نفوذ العقد، فلایمکن الجدّ به، کما مرّ‏‎ ‎‏مراراً: من أنّ الإنشاء من الأفعال الاختیاریّة المسبوقة بالمبادئ والإنشاء الجدّی مع‏‎ ‎‏العلم بعدم تأثیره من الإنشاء بلا مبدأ، وهو العلم بالفائدة. نعم، صورة الإنشاء‏‎ ‎‏موجودة إلاّ أنّ الإنشاء الصوری لیس بعقد . نعم ، فی الصورة الثانیة وهی صورة‏‎ ‎‏العلم بالنفوذ مع اللحوق بالاجازة مع احتمالها أو العلم بها یمکن الجدّ حینئذٍ لوجود‏‎ ‎‏المبادئ بتمامها.‏

إن قلت :‏ الإشکال مشترک الورود بین الصورتین؛ لأنّه مالم تلحق الإجازة‏‎ ‎‏بالعقد لاأثر له، فکیف یمکن الجدّ بالعقد مع العلم بأنّه لا أثر له فعلاً‏‎[2]‎‏.‏

قلت :‏ قد ذکرنا هذا الإشکال، وأجبنا عنه فی ألفاظ العقود فی إیجاب البائع‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 408
‏قبل القبول، وقلنا بأنّ الإیجاب غیر مؤثّر فی التملیک بنحو العلّیّة، وهکذا المرکّب‏‎ ‎‏من الإیجاب والقبول، بل إنّهما من قبیل الموضوع بالنسبة إلی حکمه‏‎[3]‎‏، وحیث إنّ‏‎ ‎‏الموضوع مرکّب من فعل البائع وفعل المشتری، فمع علم البائع أو احتماله قبول‏‎ ‎‏المشتری، یحصل الجدّ منه بالنسبة إلی الأثر المترتّب علی المرکّب منهما، بخلاف‏‎ ‎‏ما لو علم بعدم قبوله لعدم حصول الجدّ منه فی هذه الحالة، ومقامنا عیناً من هذا‏‎ ‎‏القبیل، فلاحظ.‏

وبالجملة :‏ إنّ من یری عدم صدق العقد فی مورد الإکراه، لابدّ له من دعوی‏‎ ‎‏أحد أمرین :‏

‏إمّا أن یدّعی دخل الرضا ـ بأیّ معنیً فسّرناه ـ فی ماهیّة العقد، وهذا غیر‏‎ ‎‏معقول بعد وضوح عدم دخل مفهوم الرضا ـ أی بالحمل الأوّلی ـ فیه، فإنّ واقع‏‎ ‎‏الرضا فی مرتبة وجود العقد وتحقّقه، ولایعقل دخل وجود نفس الماهیّة فیها،‏‎ ‎‏فضلاً عن غیره.‏

‏وإمّا أن یدّعی دخله فی تحقّق العقد، ومن المعلوم أ نّه مع تحقّق مبادئ وجود‏‎ ‎‏العقد یتحقّق لا محالة، ومع عدمه لایتحقّق ، فالمدّعی لابدّ له من دعوی عدم تحقّق‏‎ ‎‏المبادئ عند عدم الرضا، وإلاّ فدخل الرضا فی نفس العقد فی مرحلة التحقّق ـ بعد‏‎ ‎‏عدم دخله فی الماهیّة ـ غیر ممکن. وهذه الدعوی إنّما تتمّ فی الصورة الثالثة فقط،‏‎ ‎‏لا الاُولیین؛ لوجود المبادئ فیهما وعدمها فیها علی ما مرّ.‏

‏هذا بالنسبة إلی دخل الرضا فی مفهوم العقد .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 409

  • )) مناهج الوصول 1 : 142 .
  • )) البیع، الأراکی 1 : 23 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 21 .