الإتیان بعدّة أفراد عند الإکراه علی الطبیعة
ثمّ إنّه لوکان مکرَهاً علی نفس طبیعة البیع ـ علی نحو صرف الوجود ـ وأوجد الطبیعة بأفراد متعدّدة دفعة، فهل یقع کلّ منها علی صفة المکرهیّة، أو فرد معیّن منها، أو غیر معیّن، أو لا یقع ؟ فلنقدّم الکلام فی تحقیق المسألة فی التکالیف الشرعیّة.
فلو تعلّق الأمر بالطبیعة علی ذلک النحو، وأوجد المکلّف أفراداً منها، فهل
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 389
یکون کلّ من ذلک امتثالاً، أو هنا امتثال واحد بفرد معیّن، أو غیر معیّن، أو بالمجموع، أو بالجامع، أو لا یکون امتثالاً؟
لا إشکال فی حصول الامتثال حینئذٍ کما یشهد به الوجدان، والامتثال بفرد معیّن ترجیح بلا مرجّح، والفرد الغیر المعیّن لا وجود له، والمجموع لم یتعلّق به أمر، فیدور الأمر بین أمرین: إمّا أن یقال بحصول الامتثالات بعدد الأفراد المتحقّقة، أو الامتثال الواحد بالجامع.
فیمکن أن یقال : إنّ الجامع بنعت الجامعیّة لا وجود له، بل الموجود هو الفرد، والطبیعة موجودة بوجوده، فالطبیعة الموجودة متکثّرة لا محالة، والجامع لا وجود له إلاّ بنعت الکثرة، فلا یمکن الالتزام بحصول امتثال واحد بالجامع لتکثّره، فهنا امتثالات بعدد تکثیر الطبیعة.
والتحقیق : حصول امتثال واحد بالإتیان بالجامع وهو نفس الطبیعة.
بیان ذلک : أ نّه قد مرّ آنفاً: أنّ الأمر المتعلّق بشیء لایمکن أن یسری إلی غیره والمفروض أنّ الأمر متعلّق بنفس الطبیعة. غایة الأمر أنّ الطبیعة فی نشأة لحاظها موجودة بنعت الوحدة، وفی نشأة تحقّقها قد توجد بنعت الکثرة، لکنّ امتثال الأمر المتعلّق بنفس الطبیعة هو الإتیان بنفس الطبیعة، وکما لم یؤخذ شیء من الکثرات والخصوصیّات المشخّصة وغیر ذلک فی متعلّق الأمر، کذلک شیء من ذلک غیر دخیل فی مقام الامتثال، بل عالم الامتثال مثل عالم تعلّق الأمر ـ وهو لحاظ الآمر متعلّق أمره ـ عالم التجرید عن جمیع الخصوصیّات عدا نفس الطبیعة. وفی المقام وإن وجدت أفراد متکثّرة دفعة فی مقام الامتثال، إلاّ أنّ ما به الامتثال إتیان نفس الطبیعة مجرّدة عن جمیع لواحقه، والوحدة والکثرة ـ وهما المساوقان
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 390
للتشخّص ـ خارجان عن ذلک.
وبالجملة : الامتثال قد تحقّق بالإتیان بنفس الطبیعة، غایة الأمر هنا وجدت نفس الطبیعة بنعت الکثرة، وهذا لایضرّ بوحدة الامتثال، فإنّ الإتیان بالطبیعة المتکثّرة غیر الإتیان بالمأمور به متکثّراً، بل هو الإتیان بالمأمور به [القابل للتحقّق بنعت الوحدة «الشخصیّة» وبنعت الکثرة] بنعت الکثرة، وما به الامتثال شیء مجرّد عن الوحدة «الشخصیّة» والکثرة، وهو نفس الطبیعة.
ویمکن تقریب الاستدلال بوجه أسهل: وهو أنّ الأمر الواحد المتعلّق بطبیعة لایقتضی إلاّ إیجاد متعلّقه؛ أی الإتیان بهذه الطبیعة، والطبیعة فی عالم لحاظها أمر واحد، ولا قید فیها حتّی لحاظها؛ لعدم إمکان لحاظ الطبیعة المقیّدة باللحاظ بنفس هذا اللحاظ، وفی هذه النشأة تتّصف بالکلیّة والجزئیّة، فإنّها هی القابلة للصدق علی کثیرین، أو لایقبل الصدق إلاّ علی الواحد، وهذا مراد من قال: بأنّ الطبیعة من حیث هی لیست إلاّ هی، لا مافهمه بعض: من أ نّها غیر قابلة للحوق خصوصیّة بها، ولذا بنی علی أنّ متعلّق الأمرِ الطبیعةَ مرآةٌ إلی ما فی الخارج، وقد ذکرنا ما فی ذلک من الإشکال العقلی، فالطبیعة فی هذا اللحاظ لیست إلاّ ذاتها، وقابلة للانطباق علی الواحد وعلی الکثیر فی الطبیعة الکلّیّة التی هی مفروض کلامنا، وحیث إنّ الامتثال هو الإتیان بالمأمور به، فیحصل امتثال الأمر بالطبیعة بإتیان هذه الطبیعة وإیجادها فی وعاء الأین کیف اتّفقت ولو متکثّرة؛ لصدق الطبیعة علی الواحد والکثیر کما مرّ.
نعم، الإتیان بالکثرات بهذا النعت لیس امتثالاً له، بل الامتثال هو الإتیان بنفس الطبیعة الموجودة بنعت الکثرة فی مفروض کلامنا هذا، مضافاً إلی ما ذکرنا
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 391
سابقاً ـ فی وجه جریان الاستصحاب فی القسم الکلّیّ ـ من أنّ العقل وإن یحکم بتکثّر الطبیعة فی الخارج، إلاّ أنّ العقلاء یرونها أمراً واحداً قابلاً للبقاء وباقیاً فی بعض الموارد، فإنّ الطبیعة بنظر العقلاء توجد بوجود فردٍ ما، وتنعدم بانعدام جمیع الأفراد، وباب الإطاعة والعصیان لیس من الأبواب الموکول فهمها إلی العقل الدقیق، بل فهمها موکول إلی عقل العرف، والمفروض أنّ العقلاء فی مقامنا یرون اشتراک الکثرات فی أمر واحد، وهو نفس الطبیعة التی بها حصل الامتثال بنظرهم. هذا فی باب التکالیف الشرعیّة.
وأمّا الإکراه علی طبیعة معاملةٍ، فمع إیجاد المکرِهِ الطبیعةَ فی ضمن أفراد، مع إمکان إیجاده فی ضمن فرد واحد، فهل تقع جمیع المعاملات باطلة، أو تصحّ جمیعها، وهکذا فی التکلیفیّات، أو هنا تفصیل بین الوضعیّات وغیرها؟
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 392