حکم خیاطة الثوب بخیوط مغصوبة
ثمّ تعرّض الشیخ رحمه الله لحکم ما لو خاط ثوبه بخیوط مغصوبة.
والکلام فی هذه المسألة ونظائرها یقع فی مواضع :
الأوّل : ما إذا أمکن ردّ المغصوب بلا حصول فساد فی مال الغاصب أو المغصوب منه، وحکمه ظاهر.
الثانی : ما إذا لم یمکن الردّ إلاّ بإفساد مال الغاصب، کما إذا توقّف ردّ اللوح المغصوب علی إفساد السفینة وغرقها، أو توقّف ردّ الخشبة المغصوبة أو الآجر المغصوب علی خراب بناء الغاصب.
فقد یقال بلزوم الردّ علی الغاصب وإن بلغ ما بلغ؛ من جهة انصراف أدلّة الضرر والحرج عن الغاصب، وأ نّه یؤخذ بأشقّ الأحوال.
ولکنّه لم یثبت هذا الانصراف ، والانصراف المسلّم والأخذ بأشقّ الأحوال،
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 357
إنّما هو فیما إذا استلزم الردّ تحمّل بعض المشاقّ والضرر أو الحرج فی مقدّمات الردّ، کالسفر ونحوه، وأمّا إذا استلزم فساد مال الغاصب فهذا غیر مسلّم.
وأمّا التمسّک بأنّ المغصوب مردود، ففیه : مضافاً إلی أ نّه فی مقام بیان أصل وجوب الردّ وإطلاقه، محکوم بأدلّة الحرج والضرر، یمکن: أن یقال إنّ ردّ البدل أیضاً ردّ للمغصوب، فتأمّل.
هذا مضافاً إلی أنّ الروایة مرسلة.
نعم، قد یتمسّک بروایات وردت فی باب الغصب، ومضمونها ما إذا بنی الغاصب داراً فی أرض مغصوبة، کان علیه أن یخربها وتحویل التربة کما کانت، فإنّه لیس لعرق ظالم حقّ.
وسند أکثر هذه الروایات ضعیف.
مضافاً إلی الفرق بین ما نحن فیه ومضمون الروایة، فإنّ مضمون الروایة نزع مال الغاصب عن مال المغصوب منه، وما نحن فیه نزع مال المغصوب منه عن مال الغاصب.
ولو سلّمنا وجوب النزع فی الأوّل ـ من جهة أ نّه لیس لعرق ظالم حقّ ـ لا نسلّمه فی الثانی.
وأمّا ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره عن علی علیه السلام فی نهج البلاغة: «الحجر
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 358
المغصوب فی الدار رهن علی خرابها»، فهو ـ علی فرض صحّة سنده ـ روایة أخلاقیّة ناظرة إلی أنّ مثل هذه الدار یخرب من قبل الله تعالیٰ.
وبالجملة : وجوب ردّ المال المغصوب فی مفروض المسألة أمر یستنکره عقلاء العالم، والشرع وإن أمکنه الحکم بلزوم الردّ بلغ ما بلغ؛ تأدیباً للغاصب وإصلاحاً للمجتمع من جهة قلع مادّة الفساد، إلاّ أ نّه إذا دلّ علیه دلیل، ولیس فی المقام دلیل عدا ما مرّ، ولایمکن الاستدلال بما ذکر لهذا الأمر المستنکر عند العقلاء؛ أتری أنّ العقلاء یحکمون بلزوم ردّ اللوح المغصوب فی وسط البحر؛ وإن استلزم نزع اللوح عن السفینة غرق السفینة وجمیع أموال الغاصب؟!
وعلی هذا تصل النوبة ـ فی مورد اللوح ـ إلی بدل الحیلولة، وفی مورد الخشبة والآجر فی البناء یعلم حکمه ممّا سیأتی.
الثالث : ما إذا لم یمکن الردّ إلاّ بإفساد نفس المغصوب، کالخیوط المغصوبة التی خیط بها ثوب الغاصب، فقد یقال بلزوم الردّ ودفع الغرامة؛ من جهة لزوم ردّ ملک الغیر وتدارک الخسارة.
ولکنّه مندفع : بأنّ مثل هذا الردّ أمر سفهیّ عند العقلاء، ولا دلیل شرعاً علی لزومه، فإنّ قوله : «المغصوب مردود» ناظر إلی لزوم الردّ فیما إذا لم یستلزم الردّ التلف، والمقام من هذا القبیل، فإنّ الخیوط بعد النزع تالفة حکماً بنظر العقلاء.
والحاصل : أ نّه لایمکن امتثال حکم مستلزم لإعدام موضوعه، کما فیما نحن فیه، مضافاً إلی أنّ هذا یعدّ من التبذیر، مع أنّ الردّ لایتوقّف علی النزع، بل یمکن
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 359
الردّ بتسلیط المغصوب منه علی الثوب.
ومن هنا یظهر : أ نّه لایمکن الحکم بعدم لزوم الردّ أصلاً؛ من جهة أنّ الخیوط المذکورة بحکم التالفة، فإنّها ممنوعة کبری وصغری.
أمّا الصغری : فلأنّ الخیوط مادامت فی الثوب لیست بحکم التالفة، نعم، بعد النزع کذلک، إلاّ أ نّا لانوجب النزع، بل لا نجوّزه للتبذیر.
وأمّا الکبری: فلزوم الردّ غیر متوقّف علی المالیّة، بل الملکیّة کافیة فی ذلک کما مرّ.
فالصحیح أن یقال : إنّ الخیوط باقیة بعدُ علی ملک مالکها، والثوب ملک للغاصب، ولابدّ للغاصب من ردّ الخیوط، إلاّ أ نّه أیضاً مسلّط علی ملکه، کما أنّ المغصوب منه مسلّط علی ملکه، لکن لایمکنه المطالبة بنفس خیوطه؛ لاستلزام النزع أو تسلیط الغاصب إیّاه علی الثوب، وهو منافٍ لسلطنته علیه، ولا دلیل علی عدم احترام سلطنة الغاصب علی ملکه، فالجمع بین التحفّظ علی سلطنة الغاصب علی الثوب والمغصوب منه علی الخیوط، یقتضی التصالح، أو بیعهما معاً إلی ثالث وتقسیم ثمنه، أو بیع أحدهما من الآخر، وإلاّ فلا یجوز لأحدهما التصرّف بلا رضیٰ الآخر فی الثوب.
وهنا صورة اُخری علم حکمها من ذلک : وهی ما إذا استلزم الردّ فساد المغصوب ومال الغاصب معاً، فلا یحتاج إلی التفصیل .
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 360