عقــد البیع وشرائطه

منع استصحاب سقوط الذمّة بأداء المثل ومناقشته

منع استصحاب سقوط الذمّة بأداء المثل ومناقشته 

‏ ‏

وقد عکس المحقّق المذکور‏ الأمر فی مورد تلف العین المثلیّة وسقوط مثلها‏‎ ‎‏عن المالیّة، وأجری استصحاب بقاء عهدة العین، ومنع استصحاب سقوط الذمّة علی‏‎ ‎‏تقدیر أداء المثل.‏

وذکر فی وجه ذلک :‏ أنّ لزوم أداء المِثْل قبل سقوطه عن المالیّة، إنّما هو من‏‎ ‎‏باب أقربیّته إلی التالف، فلایمکننا استصحاب سقوط الذمّة علی تقدیر أداء المثل؛‏‎ ‎‏لأنّا لاندری أنّ الأقرب إلی التالف بعد سقوط المثل عن المالیّة، هل هو المثل‏‎ ‎‏الساقط عن المالیّة، أو القیمة، أو هما معاً؟ فیرجع الشکّ إلی الشکّ فی الموضوع،‏‎ ‎‏فلایجری الاستصحاب، لکن نعلم اشتغال الذمّة بالعین قبل أداء هذا المثل، ونشکّ‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 299
‏فی سقوطها به، فنستصحب بقاء العُهدة حتّی تؤدّی القیمة‏‎[1]‎‏. انتهی محصّلاً.‏

وأنت خبیر‏ بأنّ استصحاب بقاء العُهدة لو کان مثبتاً فی الفرض السابق، فهو‏‎ ‎‏مثبت هنا أیضاً؛ لأنّ المفروض أنّ المجعول الشرعیّ إنّما هو عهدة العین، ولزوم أداء‏‎ ‎‏المِثْل أو القیمة لفراغ العهدة عقلیّ لا شرعیّ، فإنّ الکلام علی هذا المبنی، لا المبنی‏‎ ‎‏المشهور فی حدیث الید.‏

وأمّا ما ذکره‏ فی وجه عدم جریان الاستصحاب التعلیقیّ، ففیه : أنّ التردید‏‎ ‎‏فی ما هو الأقرب إلی التالف محقّق للشکّ موضوع دلیل الاستصحاب.‏

وبعبارة اُخری :‏ لو سلّمنا أنّ موضع الدلیل الاجتهادیّ، هو الأقرب إلی التالف‏‎ ‎‏علی نحو الواسطة فی العروض ـ ولا نسلّم کما عرفت ـ مع ذلک یجری‏‎ ‎‏الاستصحاب، فإنّه بانطباق هذا العنوان علی المثل قبل سقوطه عن المالیّة نحرز‏‎ ‎‏سقوط الذمّة علی تقدیر أداء المثل، وبعد سقوطه عن المالیّة ـ من جهة الشکّ فی‏‎ ‎‏انطباق العنوان علی المثل الصوریّ، أو القیمة، أو هما معاً ـ نشکّ فی بقاء هذا الحکم‏‎ ‎‏التعلیقیّ، فنستصحب ذلک، ونحکم بسقوط الذمّة علی تقدیر أداء هذا المثل، فنقول :‏‎ ‎‏هذا کان بحیث لو أدّی سابقاً لسقطت العین عن العهدة، والآن کما کان.‏

والحاصل :‏ أ نّا فی الاستصحاب لا نحتاج إلی بقاء موضوع الدلیل‏‎ ‎‏الاجتهادیّ، بل نحتاج إلی اتّحاد القضیّة المتیقّنة والمشکوکة وهو حاصل، ولذا لو‏‎ ‎‏شککنا فی أنّ عنوان الموضوع للدلیل الاجتهادیّ، هل هو علی نحو الواسطة فی‏‎ ‎‏العروض، أو الواسطة فی الثبوت، أمکننا إجراء الاستصحاب، ونشیر إلی المصداق،‏‎ ‎‏ونقول: هذا کان کذا، والآن کما کان؛ فلیکن فی المقام ـ وهو مورد الشکّ فی‏‎ ‎‏الانطباق ـ أیضاً کذلک.‏

والحاصل :‏ أ نّه لافرق بین الصورتین ـ وجود العین وتلفها ـ فی جریان‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 300
‏الاستصحاب، والصحیح أنّ استصحاب بقاء العُهدة جارٍ فی الصورتین، والعقل بعد‏‎ ‎‏ذلک یحکم بلزوم الجزم بالخروج عن العهدة؛ بأداء العین والقیمة فی الصورة الاُولی،‏‎ ‎‏وأداء المثل والقیمة فی الثانیة، والاستصحاب التعلیقیّ غیر جارٍ فی الصورتین، فإنّه‏‎ ‎‏من التعلیق فی الموضوع بلا ترتّب أثر شرعیّ علیه.‏

ثمّ ذکر المحقّق المذکور بعد ذلک :‏ أ نّه لو استفدنا من دلیل الید أنّ الثابت فی‏‎ ‎‏العُهدة ـ بعد تلف العین ـ المثل فی المثلیّات، فلایمکن إجراء استصحاب بقاء المثل‏‎ ‎‏فی العُهدة؛ لسقوطه عن القیمة، فإنّه من المحتمل أن یکون الثابت المثل المتقوّم‏‎ ‎‏بالمالیّة، فیسقط بسقوطه عن المالیّة، ولابدّ من أداء المالیّة، ومن المحتمل أن یکون‏‎ ‎‏الثابت المثل، وإن لم یکن کذلک ـ بل کان صوریّاً ـ فیثبت فی الذمّة ولو بعد سقوطه‏‎ ‎‏عن المالیّة، فیدور أمر المستصحب بین ماهو مشکوک الحدوث وما هو مرتفع قطعاً،‏‎ ‎‏فلایجری فیه الاستصحاب‏‎[2]‎‏.‏

ونقول :‏ إنّه لو أراد من ذلک أنّ هذا التردید یمنع من الاستصحاب، فلابدّ من‏‎ ‎‏المنع فی جمیع موارد الاستصحاب، ولاسیّما استصحاب القسم الثانی من الکلّی،‏‎ ‎‏فإنّ أمر المستصحب دائر بین البقاء والزوال، والذی یسهّل الخطب أنّ هذا التردید‏‎ ‎‏محقّق للشکّ، وهو موضوع الاستصحاب، ففی المقام من جهة ذلک التردید نشکّ فی‏‎ ‎‏بقاء المثل علی العهدة فیستصحب.‏

ولو أراد منه‏ ما ذکرنا سابقاً، وأجبنا عنه: بأنّ الکلّی لا وجود له خارجاً إلاّ‏‎ ‎‏بالفرد، فلامعنی لاستصحابه، فقد مرّ أنّ هذا خلط بین العقلیّات والعقلائیّات، فراجع.‏

‏ولو أراد منه : أنّ الجامع فی المقام لیس بحکم شرعیّ، ولا موضوع ذی أثر‏‎ ‎‏شرعیّ.‏

فجوابه :‏ أنّ المحتمل فی المقام أن یکون المجعول الشرعیّ عهدة نفس‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 301
‏طبیعة المثل، الجامع بین المتقوّم بالمالیّة وغیره، فنعلم بهذا الجامع، ونشکّ فی بقائه،‏‎ ‎‏فنستصحب ذلک، ویکفی فی الاستصحاب أن یکون المستصحب مجعولاً شرعیّاً‏‎ ‎‏ولو بلحاظ أحد أطراف الاحتمال، فالجامع وان لم یکن مجعولاً شرعیّاً ـ علی‏‎ ‎‏تقدیر أن یکون المجعول عهدة الفرد الخاصّ ـ إلاّ أ نّه علی التقدیر الآخر ـ وهو کونه‏‎ ‎‏مجعولاً ـ حکم شرعیّ، وهذا کافٍ فی الاستصحاب.‏

فتحصّل :‏ أنّ عهدة المثل متیقّنة، وقد شکّ فی بقائها لسقوط المثل عن المالیّة،‏‎ ‎‏فنستصحب بقاء العهدة، والحکم العقلیّ بلزوم القطع بالفراغ عنها یستدعی أداء‏‎ ‎‏المالیّة أیضاً.‏

وذکر فی ذیل کلامه :‏ أنّ وجه منع الاستصحاب فی المقام: هو عدم إحراز‏‎ ‎‏بقاء الموضوع، ولابدّ فی الاستصحاب من إحراز ذلک‏‎[3]‎‏.‏

‏وهذا مأخوذ من کلام الشیخ الأعظم ‏‏قدس سره‏‏، وتبعه فی ذلک المحقّق‏‎ ‎‏النائینی ‏‏رحمه الله‏‎[4]‎‏ أیضاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 302

  • )) حاشیة المکاسب ، الأصفهانی 1 : 97 / سطر 34 و 98 / سطر 14 .
  • )) حاشیة المکاسب، الأصفهانی 1 : 98 / سطر 30 .
  • )) نفس المصدر 1 : 98 / سطر 20.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 424 ـ 425 .