عقــد البیع وشرائطه

وجوه جواز المطالبة ومناقشتها

وجوه جواز المطالبة ومناقشتها 

‏ ‏

‏ذُکر فی وجه جواز المطالبة وجوه :‏

منها :‏ أنّ ظاهر الید أنّ العین ثابتة فی العُهدة، وأداء المثل أو القیمة من مراتب‏‎ ‎‏أدائها، اعتبر مراعاة لحقّ المالک، فله أن یسقط بعض المراتب ویطالب بالاُخری،‏‎ ‎‏ففی مورد تعذّر المِثْل یسقط ذلک ویطالب بالقیمة‏‎[1]‎‏.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 285
وفیه :‏ أنّ العقلاء لایساعدون علی جواز مطالبة المالک بغیر ما هو ثابت فی‏‎ ‎‏ذمّته، ولذا لایجوز إسقاط المرتبة الاُولی مع وجود العین والمطالبة بالمثل، ولا‏‎ ‎‏إسقاط المرتبة الثانیة مع وجود المثل والمطالبة بالقیمة.‏

ومنها :‏ أنّ الثابت فی الذمّة هو العین بجمیع شؤونها الثلاثة، فللمالک إسقاط‏‎ ‎‏بعضها والمطالبة بالآخر‏‎[2]‎‏.‏

وفیه :‏ عدم الخصوصیّة لتعذّر المثل حینئذٍ، کما مرّ، مع أنّ الثلاثة من شؤون‏‎ ‎‏المضمون، لا من مراتب الضمان، بل الضمان أمر واحد متعلّق بذی شؤون ثلاثة، فلا‏‎ ‎‏دلیل علی أنّ للمالک المطالبة ببعض الشؤون وإسقاط بعضها الآخر.‏

ومنها :‏ ما ذکره المحقّق الآخوند ‏‏رحمه الله‏‏: من أنّ الثابت فی الذّمّة العین، ولذلک‏‎ ‎‏آثارعند العقلاء، فمع وجود العین لایجوزالمطالبة بغیرها، ولابدّ من أدائها، ومع تلفها‏‎ ‎‏وإمکان المثل لابدّ من أدائه، ومع التعذّر أو کون الشیء قیمیّاً یکون الأثر هو جواز‏‎ ‎‏المطالبة بالقیمة ولزوم أدائها، وفیمورد تعذّرالمثل القیمة تکون بدل الحیلولة للمثل‏‎[3]‎‏.‏

وفیه :‏ مایجیء فی بدل الحیلولة: أنّ ذلک غیر مسلّم عند العقلاء فی جمیع‏‎ ‎‏الموارد، مضافاً إلی بطلان أصل المبنی، وأنّ جواز المطالبة بالقیمة عند تعذّر المِثْل‏‎ ‎‏فی الجملة لا دائماً عند العقلاء، وکونه من آثار ثبوت العین فی العهدة یمکن منعه.‏

ومنها :‏ ما ذکره الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ : من أنّ الجمع بین الحقّین یوجب وجوب دفع‏‎ ‎‏القیمة؛ لأنّ منع المالک ظلم، وإلزام الضامن بالمثل منفیّ بالتعذّر، فوجبت القیمة‏‎[4]‎‏.‏

‏وهذا لایمکن المساعدة علیه؛ لأنّ منع المالک عن القیمة لایکون ظلماً إلاّ‏‎ ‎‏إذا کان له المطالبة بها، وهذا أوّل الکلام، فیلزم الدور، ومنعه عن المِثْل أیضاً لیس‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 286
‏بظلم للتعذّر.‏

وبعبارة اُخری :‏ بناء علی المشهور: من کون المِثْل ثابتاً فی العُهْدة فی‏‎ ‎‏المثلیّات، لیس للمالک المطالبة إلاّ به، والظلم إنّما یتصوّر إذا منع عنه، والمفروض‏‎ ‎‏فی المقام أنّ التعذّر أوجب المنع. وأمّا القیمة فلیس للمالک المطالبة بها، ولا ظلم فی‏‎ ‎‏منعه عنها؛ لعدم الاستحقاق، فما هو مستحقّ له ممنوع عنه للتعذّر، والقیمة غیر‏‎ ‎‏مستحقَّة له، فأین الظلم؟!‏

ویمکن توجیه ما ذکره :‏ بأنّ للمالک تبدیل ماله بالقیمة، ومنعه عن ذلک ظلم،‏‎ ‎‏فیرفع الدور.‏

‏إلاّ أنّ هذا لایستلزم وجوب دفع القیمة، فإنّه متفرّع علی فعلیّة التبدیل،‏‎ ‎‏والمفروض المنع عن ذلک، فلاتبدیل، مع أ نّه لایتصوّر حقّ للآخر حینئذٍ حتّی یحکم‏‎ ‎‏بلزوم القیمة جمعاً بین الحقّین، بل بناء علی التقریب السابق أیضاً لا حقّ له، فإنّ تعذّر‏‎ ‎‏المثل لایوجب حقّاً للضامن، بل هذا أمر تکوینیّ طارئ، والجمع بینه وبین حقّ‏‎ ‎‏المالک لوکان یستلزم وجوب دفع القیمة، وکأنّه ‏‏رحمه الله‏‏ أطلق الحقّ علی ذلک مسامحة‏‎[5]‎‏.‏

ومنها :‏ ما ذکره الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ أیضاً، وهو الآیة الکریمة: ‏‏«‏فَمَنِ اعْتَدَی عَلَیْکُم‎ ‎فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَیٰ عَلَیْکُمْ‏»‏‎[6]‎‏؛ بتقریب: أنّ الإلزام بالقیمة حینئذٍ لیس‏‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 287
‏أمراً زائداً علی الاعتداء بالمثل‏‎[7]‎‏.‏

والجواب عن ذلک‏ ـ مضافاً إلی ما مرّ سابقاً: من أنّ الآیة واردة فی مقام‏‎ ‎‏الحرب، ولیس المراد من المِثْل فیها ما نحن فیه ـ : أ نّه بعدما فرض أنّ الشیء مثلیّ،‏‎ ‎‏فالإلزام بغیر المثل إلزام زائد علی الاعتداء، مضافاً إلی أنّ الآیة فی مقام بیان عدم‏‎ ‎‏جواز الاعتداء زائداً علی المثل، لا جواز کلّ ما لم یکن زائداً علیه.‏

ومنها :‏ أنّ جعل الضمان فی مورد تعذُّر المِثْل مع عدم وجوب دفع القیمة لغو،‏‎ ‎‏فیجب ذلک دفعاً لمحذور لَغویّة جعل الضمان‏‎[8]‎‏.‏

والجواب أوّلاً :‏ أنّ هذا إنّما یتمّ فی التعذّر المطلق، لا فی الجملة؛ لوجود الأثر‏‎ ‎‏حینئذٍ، وهو لزوم دفع المثل بعد رفع التعذّر.‏

وثانیاً :‏ أنّ هذا خلط بین الأحکام القانونیّة والشخصیّة کما مرّ مراراً، وقلنا:‏‎ ‎‏إنّ مبادئ جعل القانون مغایر لمبادئ جعل الحکم الشخصیّ، وهنا لا لغویّة فی جعل‏‎ ‎‏الضمان قانوناً وإن لم یکن له فی هذا المورد الشخصیّ أثر.‏

‏ولایمکن تصحیح تکلیف العصاة والکفّار إلاّ علی هذا المبنی، فإنّ الجدّ فی‏‎ ‎‏الحکم الشخصیّ لایمکن، ولذا ذکرنا أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء، لایوجب عدم‏‎ ‎‏ثبوت الحکم فیه کالوضع، وذکرنا أیضاً: أنّ العجز کالجهل من الأعذار العقلیّة، لاقید‏‎ ‎‏فی التکالیف‏‎[9]‎‏.‏

ومنها :‏ بناء العقلاء علی وجوب دفع القیمة فی مورد تعذّر المثل‏‎[10]‎‏.‏

‏وهذا فی الجملة صحیح، وهو فی مورد التعذّر الدائم أو إلی الأمد البعید، وأمّا‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 288
‏التعذّر إلی أیّام أو شهر وشهرین فلم یحرز ذلک منهم.‏

ومنها :‏ أنّ تعذّر المِثْل موجب لانقلاب المثلیّ إلی القیمیّ‏‎[11]‎‏.‏

وقد ذکر المرحوم النائینی فی هذا المقام :‏ أنّ مناط المثلیّة والقیمیّة لیس إلاّ‏‎ ‎‏وجود المثل وعدمه، فمع إعواز المثل ابتداء أو طارئاً یکون الشیء قیمیّاً‏‎[12]‎‏.‏

‏ویمکن تقریب ذلک علی مبنی الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ ـ من تبعیّة الأحکام الوضعیّة‏‎ ‎‏للأحکام التکلیفیّة فی الجعل ـ : بأنّه لا إشکال فی ثبوت أصل الضمان فی مورد‏‎ ‎‏إعواز المثل، فإنّه المتسالم علیه عند العقلاء، ومنهم الفقهاء قدّس الله أسرارهم، وهذا‏‎ ‎‏هو مقتضی إطلاق أدلّة الضمانات أیضاً، وبما أنّ الضمان حکم وضعیّ فلابدّ من‏‎ ‎‏تبعیّته لحکم تکلیفیّ مستقلّ بالجعل، ولیس ذلک إلاّ وجوب أداء المثل أو القیمة،‏‎ ‎‏والأوّل غیر معقول للزوم التکلیف بالمتعذّر، والثانی ینتج المطلوب، فإنّ الضمان‏‎ ‎‏المنتزع منه هو ضمان القیمة.‏

ولکن یرد علی المحقّق النائینی ‏رحمه الله‏‏ :‏‏ أنّ الحکم المتعلّق بطبیعة لایُعقل أن‏‎ ‎‏یسری إلی غیرها ولو تشخّصاتها الوجودیّة أو حالاتها، کما مرّ منّا مراراً، والضمان‏‎ ‎‏متعلّق بطبیعة المثل، وإعواز المثل وعدمه من حالات مصادیق المتعلّق، ولایمکن‏‎ ‎‏أن یکون ذلک ناظراً إلی حالات مصادیقه.‏

‏والظاهر أ نّه ‏‏رحمه الله‏‏ أخذ ذلک من الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ . والله العالم.‏

والحاصل :‏ أنّ الإعواز وعدمه فی المرتبة المتأخّرة عن کون الشیء مثلیّاً،‏‎ ‎‏ولایعقل دخلهما فی المثلیّة والقیمیّة، وقد مرّ مناط المثلیّة والقیمیّة.‏

وأمّا الجواب عن التقریب المذکور:‏ فمضافاً إلی بطلان أصل المبنی؛ وإمکان‏‎ ‎‏جعل الوضعیّات مستقلاًّ حتّی الجزئیّة والشرطیّة والمانعیّة عندنا، أنّ التعذّر إلی أمدٍ‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 289
‏لایوجب کون التکلیف بالمثل من التکلیف بالمتعذّر، فإنّ التکلیف به علی نحو‏‎ ‎‏الوجوب التعلیقی أو المشروط ـ علی مبنی الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏: من رجوع القیود إلی المادّة،‏‎ ‎‏لا إلی الهیئة‏‎[13]‎‏ـ ممکن، ویکفی فی انتزاع الضمان الفعلیّ عن التکلیف، کونه فعلیّاً‏‎ ‎‏ولو کان الواجب استقبالیّاً.‏

‏وأمّا فی التعذّر إلی الأبد فقد مرّ مفصّلاً: أنّ الأحکام القانونیّة لاتقاس‏‎ ‎‏بالأحکام الشخصیّة؛ لتغایر مبادئهما، ویمکن تحقّق مبادئ جعل القانون ولو کان فی‏‎ ‎‏بعض مصادیقه غیر قابل للامتثال، فتعذّر المثل فی المورد الشخصیّ لایوجب عدم‏‎ ‎‏تحقّق المبادئ فی جعل حکم قانونیّ، وهو ضمان المثلیّ بالمثل.‏

فتحصّل من جمیع ما ذکرنا :‏ عدم دلیل صالح للقول بانقلاب المثلیّ إلی القیمیّ‏‎ ‎‏بالتعذِّر مطلقاً، أو بلزوم دفع القیمة بالتعذّر کذلک.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 290

  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 1 : 99 / سطر 11 ـ 28 .
  • )) منیة الطالب 1 : 135 ـ 136 .
  • )) حاشیة المکاسب، المحقّق الخراسانی : 37 .
  • )) المکاسب : 107 / سطر 16 .
  • )) أقول : التحقیق : أ نّه لیس معنی الضمان اعتبار العین فی العُهدة، ولا اعتبار المثل فی المثلی والقیمة فی القیمی فیها، بل الضمان هو ما ذکره الشیخ رحمه الله سابقاً، وهو عهدة تدارک الخسارة، وحصول التدارک بالمثل تارة وبالقیمة اُخری أمر آخر غیر دخیل فی حقیقة الضمان، ومفاد دلیل الید أیضاً ذلک. فعلی ذلک یظهر وجه ما ذکره رحمه الله من الجمع بین الحقّین؛ وهو أنّ للمالک علی الضامن حقّاً، وهو مطالبة تدارک الخسارة، وللضامن حقّ وإن کان من باب التسامح، وهو تعذّر المثل، والجمع یقتضی وجوب دفع القیمة.     والظاهر أنّ هذا هو الصحیح، غایة الأمر فی التعذّر الدائم ظاهر، وفی التعذّر الموقّت تکون القیمة بدل الحیلولة. المقرّر دام عزّه.
  • )) البقرة 2 : 194 .
  • )) المکاسب : 107 / سطر 17.
  • )) حاشیة المکاسب، الأصفهانی 1 : 93 / سطر 25 ـ 32، اُنظر منیة الطالب 1: 141 / سطر1.
  • )) اُنظر أنوار الهدایة 2 : 214 ـ 216.
  • )) حاشیة المکاسب، المحقّق الخراسانی : 37، نهج الفقاهة : 147.
  • )) حاشیة المکاسب، الإیروانی 1 : 99 / سطر 28 .
  • )) منیة الطالب 1 : 137 / سطر 1 و 140 / سطر 14 .
  • )) مطارح الأنظار (تقریرات الشیخ الأنصاری) الکلانتر : 52 / سطر 31.