عقــد البیع وشرائطه

إشکال آخر وجوابه

إشکال آخر وجوابه 

‏ ‏

وهنا إشکال آخر ذکره بعض المحقّقین أیضاً :‏ وهو أنّ الغایة الواردة فی النبویّ‏‎ ‎‏تدلّنا علی أنّ موضوع الضمان هو الید الواقعة علی ماهو قابل للتأدیة، والمنفعة‏‎ ‎‏لیست کذلک، فإنّ المستوفاة أو الفائتة منها غیر قابلة لها، وهو ظاهر، ومجموع ذلک‏‎ ‎‏والمنافع الآتیة أیضاً کذلک، والمنافع الآتیة معدومة فعلاً، فکیف تقبل الأداء؟! ولو‏‎ ‎‏قلنا بالقابلیّة فیها، وکفایتها فی دخول المنافع تحت النبویّ، لزم الحکم بعدم الضمان‏‎ ‎‏لو استوفی مدّة منافع الدار، وأدّی مابعدها من المنافع إلی مالکها، فإنّ أداء المنفعة‏‎ ‎‏قد حصل علی الفرض‏‎[1]‎‏. هذا محصّل کلامه ‏‏قدس سره‏‏.‏

والجواب عن ذلک :

‏أوّلاً بالنقض :‏‏ وهو أ نّه علی مسلکه ‏‏قدس سره‏‏ لابدّ من الالتزام بأنّ المنافع قابلة‏‎ ‎‏للتأدیة، فإنّ المنافع الآتیة المعدومة فعلاً یمکن فرض وجودها فعلاً، وبهذا صحّح‏‎ ‎‏تحقّق الاستیلاء علی المنافع، فإذا کان فرض وجود المنفعة کافیاً فی إمکان‏‎ ‎‏الاستیلاء، فلیکن فرضه کافیاً لإمکان التأدیة.‏

وثانیاً بالحلّ :‏ وهو أنّ الغایة المأخوذة فی النبویّ لیست محدّدة للموضوع،‏‎ ‎‏بل هی غایة الحکم ورافعة له عند حصوله فقط، والمستفاد من النبویّ أنّ التسلّط‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 244
‏علی مال الغیر موجب للضمان، والرافع له الأداء، وأمّا القابلیّة للتأدیة وعدمها ـ بل‏‎ ‎‏نفس التأدیة وعدمها ـ غیر مأخوذین فی موضوع الحکم بوجه .‏

وبعبارة اُخری :‏ أنّ المأخوذ غایة للحکم نفس التأدیة، لا إمکانها، فلو کانت‏‎ ‎‏الغایة محدّدة لموضوع الحکم لکانت النتیجة أنّ المال الغیر المؤدّی مضمون علی‏‎ ‎‏الید الآخذة له، والقابلیّة وعدمها أجنبیّتان عن هذا، ولازم ذلک عدم صلاحیّة الدلیل‏‎ ‎‏لإثبات الضمان فی شیء من الموارد، فإنّ المستشکل هو بنفسه ذکر فی أثناء کلامه:‏‎ ‎‏أ نّه لو اُخذ عدم الغایة قیداً للموضوع، فلابدّ من أخذه بنحو السلب بانتفاء المحمول،‏‎ ‎‏لا الموضوع، فإنّ الظاهر من القضیّة السالبة ذلک‏‎[2]‎‏، وعلی هذا یکون معنی الروایة‏‎ ‎‏المال الموجود الغیر المؤدّی... إلی آخره، فالدلیل قاصر عن إثبات حکم الضمان‏‎ ‎‏عند تلف المال، فإنّ عدم الأداء وإن کان صادقاً فیه أیضاً، إلاّ أ نّه من جهة السلب‏‎ ‎‏بانتفاء الموضوع لا المحمول، ویعلم من ذلک أنّ الغایة لم تؤخذ محدِّدة للموضوع،‏‎ ‎‏وإلاّ لزم ماذکر، بل موضوع الضمان المستفاد من النبویّ هو التسلّط علی مال الغیر‏‎ ‎‏عدواناً، ورافعه الأداء.‏

ثمّ ذکر بعض المحقّقین بعد ذلک :

‏إن قلت :‏‏ إذا اُخذت العین فقد دخلت فی العهدة بجمیع شؤونها، وهی حیثیّة‏‎ ‎‏شخصیّتها، وحیثیّة نوعیّتها، وحیثیّة مالیّتها، فللعین مراتب من العُهْدة وبحسبها‏‎ ‎‏مراتب من الأداء، وامتناع بعض المراتب لایوجب سقوط المراتب الممکنة، فکذلک‏‎ ‎‏المنفعة فقد دخلت بجمیع شؤونها، وامتناع أداء تشخّصها ـ لکونها تدریجیّة ـ‏‎ ‎‏لایوجب امتناع أداء سائر المراتب.‏

قلت :‏ إنّ شؤون العین متقوّمة بها، فتلک الحصّة من الطبیعی غیر الحصّة‏‎ ‎‏الاُخری المتقرّرة فی فرد آخر مماثل لها؛ ضرورة أنّ الطبیعیّ من کلّ معنیً موجود‏‎ ‎


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 245
‏بوجودات متعدّدة، فإذا تلفت فقد تلفت بجمیع شؤونها، وعلیه فلابدّ أوّلاً من شمول‏‎ ‎‏الخبر للمأخوذ المعیّن بأداء نفسه، ثمّ ترتیب أحکامه من أداء مثله أو قیمته،‏‎ ‎‏والمنافع حیث إنّها غیر قابلة للأداء بنفسها، فلا یعمّها الخبر‏‎[3]‎‏.‏

‏هذا ملخّص کلامه، ولکنّه خلط بین المسألة العقلیّة والعقلائیّة، فإنّ وجود‏‎ ‎‏الطبیعیّ فی کلّ فرد وإن کان مغایراً للآخر، ولذا لو تلف الفرد الأوّل لتلف بجمیع‏‎ ‎‏شؤونه وحیثیّاته، إلاّ أنّ هذا حکم العقل الدقیق. وأمّا العقلاء فیرون جامعاً مشترکاً‏‎ ‎‏بین أفراد الطبیعة الواحدة، ولذا لایقال: إنّ الإنسان یُعدَم ویوجد، بل یقال: إنّه باقٍ‏‎ ‎‏من لدن آدم إلی الآن، وقد تقدّم الکلام فی ذلک عند الکلام فی جریان استصحاب‏‎ ‎‏الکلّی مفصّلاً، فأداء الشیء بنوعیّته أو مالیّته، یعدّ نحو أداء له بنظر العقلاء وإن کان‏‎ ‎‏بالنظر الدقیق مغایراً له.‏

‏وعلیه فدعوی شمول الخبر للمنافع ـ فإنّها قابلة للأداء بحیثیّتها النوعیّة أو‏‎ ‎‏المالیّة ـ ممکنة.‏

ویمکن تقریب إشکال آخر‏ بالنسبة إلی شمول النبویّ للأعمال والمنافع: بأنّ‏‎ ‎‏المنافع متصرّمة الوجود، ولایمکن الالتزام بأنّ العهدة مشغولة بمثل ذلک؛ لعدم تقرّر‏‎ ‎‏له، والقول بأنّ الثابت فی العُهْدة هو أمر ثابت متقرّر لایتمّ، فإنّ الید وقعت علی‏‎ ‎‏المتصرّم لا الثابت، فما هو تحت الید لایمکن اشتغال العهدة به، ومایمکن اشتغالها به‏‎ ‎‏لم یقع تحت الید‏‎[4]‎‏.‏

وجوابه أیضاً ظاهر :

أوّلاً :‏ هذا مبنیّ علی المبنی غیر الصحیح، وهو لزوم نفس العین فی العهدة لا‏‎ ‎‏ما ذکرناه من معنی الضمان من الأمر التعلیقیّ.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 246
وثانیاً :‏ لو سُلِّم ذلک المبنی فلایمکن الالتزام بأنّ الخارج یثبت فی الذمّة،‏‎ ‎‏وهذا ظاهر. فصاحب هذا المبنی یرید بذلک: أنّ الذمّة مشغولة بعنوان غیر قابل‏‎ ‎‏للانطباق فی الخارج إلاّ علی فرد واحد، ولایلزم أن یکون العنوان متصرّم الوجود‏‎ ‎‏کمعنونه، فالذّمّة مشغولة بالعنوان، وهو أمر ثابت، والمعنون بهذا العنوان وقع تحت‏‎ ‎‏الید، وهو متصرّم الوجود.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 247

  • )) حاشیة المکاسب ، الأصفهانی 1 : 78 ـ 79 .
  • )) نفس المصدر 1 : 78 / سطر 35 .
  • )) حاشیة المکاسب، الأصفهانی 1 : 79 / سطر 1 .
  • )) اُنظر غایة الآمال 1 : 272 / سطر 18 .