کلام للشیخ فی المقام ومناقشته
ثمّ إنّه ذکر الشیخ رحمه الله بعدما ذکر فی وجه جواز رجوع المالک ولو بعد التلف : بأنّ الأصل عدم اللزوم لأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة وملکه لها.
وفیه : أنّها معارضة بأصالة براءة ذمّته عن مثل التالف عنده أو قیمته، والتمسّک بعموم «علی الید» هنا فی غیر محلّه، بعد القطع بأنّ هذه الید ـ قبل تلف العین ـ لم تکن ید ضمان، بل ولا بعده إذا بنیٰ مالک العین الموجودة علیٰ إمضاء المعاطاة ولم یُرِد الرجوع، إنّما الکلام فی الضمان إذا أراد الرجوع، ولیس هذا من مقتضیٰ الید قطعاً.
ولنا أن نسأل عن وجه ما ادّعیٰ رحمه الله من القطع بعدم الضمان ، فإنّ إطلاق «علی الید» یقتضی الضمان مطلقاً، ومعنی الضمان هو اللزوم علی العهدة، ووجوب الأداء متفرّع علیه تفرّع الحکم علیٰ موضوعه، ولا یعقل إثبات الضمان ووجوب
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 176
الأداء بنفس هذا الدلیل، بل الدلیل علیٰ وجوب الأداء أمر آخر دالّ علی وجوب ردّ مال الغیر إلیه.
والحاصل : أنّ إطلاق الدلیل یقتضی إطلاق الضمان، خرجنا عن هذا الإطلاق فی الأمانات المالکیّة صرفاً أو انصرافاً ، وفی الأمانات الشرعیّة بالدلیل، فیبقیٰ غیر ذلک تحته. ولا ینافی ذلک عدم وجوب الأداء، فإنّ کلاًّ منهما أمر مغایر للآخر؛ ألا تریٰ أنّ أکل مال الغیر جائز حال الاضطرار ولو اشتغلت ذمّة الآکل به؟!
والحاصل : أنّ إمکان التفکیک بین الضمان ووجوب الأداء فی غایة الظهور، وحینئذٍ نقول : إنّ دعواه رحمه الله القطع بعدم الضمان، إنّما تتمّ لو تمّت إحدیٰ الأمانتین: إمّا المالکیّة ، أو الشرعیّة.
أمّا المالکیّة فالمفروض عدمها؛ لأنّ الصادر من المالک لیس إلاّ المعاملة، ولیس له إلاّ الرضا بها، وأمّا کون المال أمانة عند صاحبه ولو مع عدم تحقّق مضمون المعاملة، فغیر صادر منه جزماً. أمّا إذا لم یلتفت إلی الحکم، أو کان ملتفتاً ولکن لم یکن مبالیاً بالشرع، فظاهر، وأمّا مع الالتفات والمبالاة، فلأنّ المفروض ثبوت الحکم بالإباحة بالمعاطاة، لا بأمر آخر.
وبعبارة اُخریٰ : إنّ مقتضیٰ القواعد کون المعاطاة کالبیع بالصیغة؛ فی حصول الملک واللزوم وسائر الآثار، لکن قد فرض الإجماع علیٰ عدم حصول الملک بالمعاطاة، بل تحصل بها الإباحة، لکن هذا ـ أی حصول الإباحة ـ موقوف علی فرض تحقّق المعاطاة، والملتفت المبالی ـ مع إنشائه المعاطاة ـ لایرید الإباحة، إلاّ الإباحة المترتّبة علی المعاطاة، لا الإباحة مطلقاً، فرضاه أیضاً معاملیّ، فلیس فی البین من الإباحة المالکیّة عین ولا أثر، ولذا ذکر هو قدس سره فی المقبوض بالعقد الفاسد: أنّ کلاًّ من المتعاملین ضامن لمال الآخر.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 177
وأمّا الإباحة الشرعیّة فأیضاً غیر متحقّقة فی المقام؛ لأنّ غایة ما دلّ علیه الإجماع هو حصول الإباحة؛ أی جواز التصرّف ، وأمّا عدم اشتغال الذمّة وکونها فارغة، فلم یدلّ علیه الإجماع، فإطلاق دلیل الید یقتضی الضمان؛ لعدم وجود الأمانة المالکیّة ولا الشرعیّة.
فالنتیجة : أنّه مع قطع النظر عن التقریبات السابقة، یمکن تقریب الجواز بدلیل الضمان؛ بأن یقال : إنّ إطلاقه یقتضی الضمان مطلقاً، وهو موضوع لوجوب الأداء، لکن فرض الإجماع علیٰ عدم الوجوب قبل التلف وبعده قبل الرجوع، وأمّا بعد الرجوع فلا إجماع علیه، والإطلاق یقتضی الضمان وکون الذمّة مشتغلة بمال الغیر، فلابدّ من ردّه إلی صاحبه؛ لقیام الدلیل علیه وعدم ما یوجب تقییده، وهذا ملازم للجواز وتأثیر الرجوع.
وقد ظهر بما ذکرنا : أنّه لا تصل النوبة إلی أصالة عدم الضمان، فضلاً عن معارضة أصالة بقاء السلطنة بها.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 178