المعاطاة

موازنة بین تقریبات اللزوم

موازنة بین تقریبات اللزوم 

‏ ‏

‏ولابدّ لنا من ملاحظة منشأ حصول الإباحة المالکیّة أو الشرعیّة؛ لترجیح‏‎ ‎‏بعض هذه التقریبات، فمن المعلوم أنّ القول بإنشاء المالک الإباحة فی المعاطاة،‏‎ ‎‏مخالف لما هو المشاهد من بناء العقلاء بالعیان فی معاملاتهم، فإنّهم لا ینشئون إلاّ‏‎ ‎‏التملیک والتملّک والمبادلة بین الملکین.‏

‏کما أنّ القول بإنشاء الملک والإباحة معاً ـ مع أنّه خلاف الواقع ـ یکون من‏‎ ‎‏قبیل إباحة مال الغیر، فإنّ المنتقل إلیه الملک یباح له التصرّف فی المال؛ لأنّه ملکه‏‎ ‎‏وماله، والناس مسلّطون علی أموالهم، ولا معنیٰ لإباحة ذلک بالعقد أبداً.‏

‏وأیضاً القول بأنّ کلاًّ من المتعاطیین راضیان بتصرّف الآخر فی ماله ساقط،‏‎ ‎‏فإنّ الرضا الحاصل لیس إلاّ الرضا المعاملیّ، وأمّا الرضا بالتصرّف مطلقاً فلا، بل‏‎ ‎‏المتعاطیان غیر ملتفتَینِ إلیه نوعاً، والرضا التقدیریّ ـ بمعنیٰ أنّه لو التفت إلی بطلان‏‎ ‎‏المعاملة لکان راضیاً ـ أیضاً غیر معلوم، بل یختلف باختلاف الموارد، والحکم‏‎ ‎‏لا یدور مداره، بل هو دائر مدار الرضا الفعلیّ.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 168
‏والقول بانسلاخ سببیّة المعاطاة للملک، وجعلها للإباحة، أو جعل الإباحة‏‎ ‎‏حکماً مترتّباً علیٰ هذه المعاملة، یحتاج إلیٰ دلیل قویّ، وصرف الاحتمال لایکفی‏‎ ‎‏فی الالتزام به.‏

‏فغایة ما یمکن أن یقال فی تقریب أصالة اللزوم بناء علی الإباحة : أنّ‏‎ ‎‏المتعاملین منشئان للملک، کما هو المفروض والمشاهد خارجاً، ولازم الملک جواز‏‎ ‎‏تصرّف من انتقل إلیه فیه ـ أیّ تصرّف شاء ـ تصرّف الملاّک فی ملکهم، وهذا ثابت‏‎ ‎‏ببناء العقلاء أیضاً.‏

‏غایة الأمر أنّ الإجماع قائم علیٰ عدم حصول الملک بالمعاطاة، والشارع‏‎ ‎‏لا یتصرّف فیما هو ثابت ببناء العقلاء، فإنّه ثابت علیٰ أیّ تقدیر، بل شأنه‏‎ ‎‏التشریع، والمقصود أنّ مفاد الإجماع لیس عدم حصول الملکیّة عند العقلاء، بل‏‎ ‎‏عدمه عند الشارع.‏

فالنتیجة :‏ أنّ العقد ثابت عند العقلاء باقٍ علیٰ قوّته، والملکیّة ثابتة عندهم،‏‎ ‎‏والإباحة اللازمة للملکیّة ثابتة أیضاً عندهم، والدلیل الشرعیّ قائم علی أنّ الملکیّة‏‎ ‎‏غیر ثابتة عند الشارع، ولا مانع من التفکیک بین الملزوم ولازمه فی وعاء الاعتبار،‏‎ ‎‏فلا دلیل علی عدم حصول الإباحة الحاصلة بالمعاطاة؛ بمجرّد وجود الدلیل علی‏‎ ‎‏عدم حصول الملک بها، بل الدلیل قائم علیٰ حصولها، فإنّها وإن کانت لازمة للملک،‏‎ ‎‏إلاّ أنّها مستندة إلی العقد ومن شؤونه، فیمکن التمسّک بدلیل وجوب الوفاء بالعقد‏‎ ‎‏لإثباته والحکم ببقائه.‏

‏ثمّ إنّه لو تمّ شیء من هذه التقریبات، وأثبتنا اللزوم، کان دلیل اللزوم حاکماً‏‎ ‎‏علی دلیل السلطنة‏‎[1]‎‏.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 169
‏ومع قطع النظر عن هذه التقریبات ذکر الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ : أنّ دلیل السلطنة یثبت‏‎ ‎‏الجواز، ومع قطع النظر عنه استصحاب بقاء السلطنة أیضاً یثبت ذلک، ولا یعارضه‏‎ ‎‏استصحاب الإباحة علیٰ تقدیر جریانه؛ لحکومة الأوّل علیه‏‎[2]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ استصحاب بقاء السلطنة إنّما یکون حاکماً علی استصحاب الإباحة‏‎ ‎‏إذا کانت السلطنة سبباً لنفیها، وکان استصحابها منقّحاً لموضوع کبریٰ شرعیّة، وکلا‏‎ ‎‏الأمرین منتفیان فی المقام :‏

أمّا السببیّة :‏ فلأنّ سبب الإباحة لیس عدم السلطنة، بل سببها حکم الشارع‏‎ ‎‏بها، وأمّا عدم کونها منقّحة لموضوع کبریٰ شرعیّة فواضح؛ لأنّه لا دلیل شرعیّاً دالاًّ‏‎ ‎‏علی أنّ السلطنة موضوع لعدم الإباحة ؛ حتیٰ یکون استصحاب السلطنة منقّحاً‏‎ ‎‏لموضوعه، بل یمکن أن یقال إنّ استصحاب الإباحة حاکم علی استصحاب‏‎ ‎‏السلطنة؛ لوجود السببیّة، فإنّ بقاء السلطنة ولا بقاءها یدوران مدار زوال الإباحة‏‎ ‎‏وبقائها، إلاّ أنّ الوجه الأخیر وهو عدم کون الأصل منقّحاً لموضوع کبریٰ شرعیّة‏‎ ‎‏موجب لعدم الحکومة.‏

والحاصل :‏ لو لم نقل بأنّ استصحاب الإباحة حاکم علیٰ استصحاب السلطنة‏‎ ‎‏فلا نقول بالعکس جزماً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 170

  • )) لم یتعرّض الاُستاذ لوجه الحکومة. نعم، یستفاد من کلامه الآتی: أنّ الوجه أنّ دلیلالسلطنة مقیَّد بعدم وجود سلطنة إلهیّة، والمفروض أنّ دلیل اللزوم یثبت الإباحة إمّا تشریعاً أو إمضاءً، فوجود السلطنة الإلهیّة والحکم الشرعی بالإباحة تأسیساً أو إمضاءً، یدفع موضوع دلیل السلطنة.     وبعبارة اُخریٰ : الناس مسلّطون علیٰ أموالهم لا علیٰ أحکامهم. المقرّر حفظه الله .
  • )) المکاسب : 90 ـ 91 .