المعاطاة

الفرق بین الأحکام القانونیّة والشخصیّة

الفرق بین الأحکام القانونیّة والشخصیّة 

‏ ‏

‏وهذا وأشباهه ـ ممّا صدر عن عدّة من الأعاظم ـ خلط بین الأحکام‏‎ ‎‏القانونیّة والشخصیّة، وقیاس الأُولیٰ بالثانیة، وکم فرقٍ بین المقامین! فإنّ فی‏‎ ‎‏الأحکام الشخصیّة البعث لا یمکن إلاّ مع إمکان انبعاث المکلّف بشخص التکلیف،‏‎ ‎‏بخلاف الأحکام القانونیّة، فإنّ إمکان البعث غیر موقوف علیٰ ذلک، بل غایته أنّه‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 128
‏موقوف علیٰ إمکان البعث نحو الطبیعة؛ ولو کان بعض أشخاصه غیر قابل للامتثال،‏‎ ‎‏وهذا یظهر من ملاحظة تکلیف الکفّار والعصاة الّذین یُعلم بعدم انبعاثهم بالبعث‏‎ ‎‏وانزجارهم بالزجر، ولا یصحّ البعث الشخصیّ نحوهم، بخلاف البعث القانونیّ‏‎ ‎‏الشامل لهم ولغیرهم.‏

‏وبهذا البیان ذکرنا : أنّ العلم والقدرة لیسا من شرائط التکلیف، بل هما من‏‎ ‎‏شرائط التنجّز، وتفصیل الکلام فی محلّه‏‎[1]‎‏.‏

‏ولذا ذکرنا فی محلّه : أنّ ما استدلّوا به ـ فی أنّ خروج بعض أطراف العلم‏‎ ‎‏الإجمالی عن محلّ الابتلاء من أوّل الأمر، یوجب انحلال العلم الإجمالی ـ : من‏‎ ‎‏لغویّة البعث نحو الخارج عن محلّ الابتلاء؛ لعدم إمکان البعث نحوه‏‎[2]‎‏، لایرجع إلی‏‎ ‎‏محصّل، فإنّ عدم إمکان الانبعاث نحوشخص خارجیّ، لا یوجب لغویّة القانون، فإنّ‏‎ ‎‏مبادئ القانون اُمور مختصّة به، وما یصحّحه لیس إمکان الانبعاث نحو الأشخاص،‏‎ ‎‏بل إمکانه نحو الطبیعة ـ وإن لم یمکن نحو بعض الأشخاص ـ کافٍ فی تصحیحه.‏

‏ففی المقام جعل الخیار قانوناً للبیع، موقوف علیٰ عدم لغویّة هذا الجعل وإن‏‎ ‎‏کان فی بعض أشخاصه ـ کالمعاطاة ـ بلا أثر‏‎[3]‎‏.‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 129

  • )) مناهج الوصول 2 : 23 ـ 29 ، أنوار الهدایة 2 : 216 .
  • )) فرائـد الاُصول 2 : 420 / سطر 11 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 54 ، نهایة الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) البروجردی 3 : 338 ، درر الفوائد ، الحائری 2 : 464 .
  • )) أقول : الظاهر أنّ ما أفاده مدّ ظلّه خلط بین قیود الموضوع والمتعلَّق، ففی المتعلّق الأمر کما ذکره، فإنَّ حُرمة شرب طبیعة الخمر ثابتة وإن لم تکن جمیع أفراده تحت القدرة، بل لو لم یکن الموجود إلاّ خمراً واحداً، مع ذلک تکون الحرمة فعلیّة، وهذا بخلاف موضوع التکلیف فی الواجبات العینیّة، فإنّ الالتزام بأنّ الموضوع هو طبیعة المُکلّف منافٍ للالتزام بعینیّة التکلیف، بل یلزم منه کون التکلیف کفائیّاً، فإنّه لا معنیٰ للواجب العینیّ إلاّ أنّ کلّ واحدٍ واحدٍ مُکلّف بالفعل.     لا أقول : یدخل المشخّصات فی موضوع الحکم، بل أقول بتوجّه التکلیف إلیٰ کلّ شخص فی الواجبات العینیّة ؛ ولو من جهة انطباق عنوان ـ کالمستطیع ـ علیه.     ونتیجة ذلک : الانحلال بحسب تعدّد الموضوع، والمُدَّعیٰ اشتراط الموضوع بالقدرة، فإنّ العاجز غیر قابل للبعث والزجر.     وبعبارة اُخریٰ : إنّ البعث والزجر فی الواجبات العینیّة مُتعلّقان بکلّ شخص شخص، لا بالطبیعة المُهملة، فلابدّ من إمکان الانبعاث لکلّ واحد واحد لا للطبیعة المُهملة، فمع عجز المکلّف عن الامتثال یخرج عن موضوع التکلیف؛ لعدم إمکان الانبعاث بالنسبة إلیه، ولذا بنینا فی بحث الترتّب علی اشتراط التکالیف بالقدرة بلا کلام، وأتممناه فی ذلک المقام بما یتّضح به المرام.     هذا، وأمّا النقض بتکلیف العصاة والکفّار فلیس بوجیه، فإنّ الکفر والعصیان مستندان إلی اختیارهم، فکیف یدّعیٰ عدم إمکان الانبعاث بالنسبة إلیهم؟! وصِرف العلم بعدم انبعاثهم لایوجب لغویّة الجعل، فإنّ داعی البعث والزجر من قبل الله تعالیٰ، هو اللطف الذی هو داعی الجعل التکوینیّ أیضاً، کما قرّر فی محلّه، والعلم بعدم الانبعاث اختیاراً غیر منافٍ لذلک، بل عدم البعث والزجر منافٍ له، فلابدّ منهما «لِیَهْلَکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ وَیَحْییٰ من حَیَّ عن بَیِّنَةٍ»، ولذا لا لغویّة فی ذلک وإن کان التکلیف شخصیّاً. وأمّا البعث والزجر بالنسبة إلیٰ من لا یمکنه الانبعاث والانزجار، فلغویّته أظهر من أن تخفیٰ، فإنّ مخالفته أو موافقته للتکلیف غیر مستندة إلی اختیاره، فکیف یقتضی اللطف مثل هذا الجعل؟!     والحاصل : أنّ الحکم ینحلّ بتعدّد موضوعه، لا بمعنیٰ أنّه إنشاءات متعدّدة حسب تعدّد الموضوع، بل بمعنیٰ أنّ الحکم المنشأ لکلّ فرد من المکلّفین أو الطبیعة المتکثّرة أو الطبیعة الساریة یدور مدار موضوعه سعة وضیقاً؛ فمع عدم إمکان شموله لبعض الأفراد لا یمکن جعله إطلاقاً؛ لعدم انقداح الإرادة والکراهة عند المولیٰ العالم الحکیم أوّلاً، ولزوم اللغویّة ثانیاً.     وقد یقال فی مقام دفع ذلک : بأنّه یکفی فیه ترتّب القضاء والنیابة وغیر ذلک من الآثار؛ ولکن تصحیح الجعل بهذه الآثار الواقعة فی طول الجعل مستلزم لدور ظاهر.     هذا فی الأحکام التکلیفیّة؛ أی ما اشتمل علیٰ البعث والزجر، وأمّا الأحکام الوضعیّة فجعلهالا یدور مدار القدرة، کما یعلم من أحکام الضمانات؛ لعدم البعث والزجر فیها. نعم، لابدّ من ترتّب أثر علی ذلک؛ أی کونه مورداً لابتلاء المکلّف، وإلاّ یکون الجعل لغواً، وقانونیّة الجعل لا تصحّحه بعد فرض شمول الجعل للواقعة الشخصیّة أیضاً، فالعلم الإجمالیّ فی المثال منحلّ، کما هو المعروف. نعم، فی مسألتنا هذه لا لغویّة أبداً لترتّب الأثر علی الجعل، فإنّ المکلّف یتمکّن من إعمال الخیار، کما یتمکّن من فسخ العقد بطبعه، ولا مانع من جعل الشارع موضوعین لفسخ العقد فی مورد واحد، کما یجعل فی العرف علامتان لأمر واحد، وأمثاله کثیرة فی العرف، ولا یعدّ من اللغو أصلاً. المقرّر حفظه الله .