إشکال ودفع
وهنا إشکال : وهو أنّ متعلّق الأوامر لابدّ وأن یکون مقدوراً للمکلّف، ففی المقام الأمر بالثبات علیٰ العقد لایمکن إلاّ مع کون العقد جائزاً، وإلاّ فالأمر بالثّبات علیٰ ما هو ثابت فی نفسه ولا یمکن نقضه، من التکلیف بغیر المقدور.
ولکنّ هذا یتمّ فیما إذا کان الأمر أمراً مولویّاً شرعیّاً، وأمّا لو کان أمراً إرشادیّاً إلیٰ اللزوم، کقوله: «لاتفسخ فإنّ الفسخ لا یؤثّر»، فلا یتمّ، نظیر «لا تصلّ فی وبر ما لا یؤکل لحمه»، فإنّه إرشاد إلی فساد الصلاة فی ذلک، لا حرمتها حتّیٰ یقال: إنّ النهی فرع الصحّة، وإلاّ تعلّق التکلیف بغیر المقدور، فیدور الأمر بین أن یکون الأمر بالوفاء مولویّاً أو إرشادیّاً إلیٰ عدم تأثیر الفسخ، والاحتمال الثانی أقرب بنظر العقلاء، فإنّه لا یحتمل أن یکون الفسخ من المحرّمات الشرعیّة.
إن قلت : إنّ احتمال حرمة الفسخ شرعاً وکون الأمر مولویّاً وإن کان ساقطاً، إلاّ أنّ هنا احتمالاً آخر: وهو أنّه جعل فی الآیة الکریمة وجوب الوفاء بالعقد
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 88
مولویّاً وحرمة الفسخ شرعاً مستعملاً فیه اللفظ بحسب الإرادة الاستعمالیّة، وتعلّق الجدّ بلازمه، وهو جواز العقد. فحرمة الفسخ شرعاً وإن لا یحتمل إرادتها من الآیة، إلاّ أنّه یحتمل جعلها کنایة عن جواز العقد، فدار الأمر بین کون الأمر إرشاداً إلی اللزوم، أو کنایة عن الجواز، فأیّ ترجیح للأوّل علیٰ الثانی ؟
قلت : الاحتمال الثانی یشبه الأُحْجیّة عند العقلاء، وجعل وجوب الوفاء کنایة عن جواز العقد أمر لا تقبله الطباع، بل هو مستنکر عند العقلاء، بخلاف جعله إرشاداً إلیٰ اللزوم.
هذا لو اُرید من وجوب الوفاء المعنیٰ الکنائیّ فقط.
وإن اُرید منه معناه الحقیقیّ والکنائیّ معاً، فمضافاً إلیٰ ما ذکرنا من عدم احتمال کون الوجوب مولویّاً شرعیّاً، وجعل وجوب الوفاء کنایة عن الجواز أمر مستنکر عند العقلاء، أنّ أمر هذا الاستعمال أصعب من استعمال اللفظ فی أکثر من معنیً واحد، فإنّه مستلزم لاجتماع اللحاظین ـ الاستقلالی والآلی ـ فی لحاظ واحد.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 89