المعاطاة

التحقیق فی المقام

التحقیق فی المقام 

‏ ‏

‏إذا عرفت ذلک، ففی المقام قد اُسند الحکم إلیٰ المال، وهو غیر مراد جدّاً وإن‏‎ ‎‏کان مستعملاً فیه اللفظ بالإرادة الاستعمالیة. وقد ادُّعی : أنّ ما هو المراد جدّاً من‏‎ ‎‏ذلک هو المفهوم الحقیقیّ من المال، وبما أنّ الادّعاء لابدّ له من مصحّح، لا یکون‏‎ ‎‏متعلّق الجدّ إلاّ جمیع شؤون المال؛ من التصرّفات الحسّیّة والاعتباریّة، وجمیع‏‎ ‎‏التقلّبات والتحوّلات فیه، فإنّ المصحّح للادّعاء هو ذلک، ولا یصحّ ادّعاء أنّ بعضاً‏‎ ‎‏منها ـ ولاسیّما التصرّفات الحسیّة ـ مال حقیقة، فعلیٰ هذا تکون الموثّقة دالّة علی‏‎ ‎‏عدم جواز التصرّف فی مال الغیر حسّیّاً واعتباریّاً تکلیفاً ووضعاً، فالفسخ ـ وهو‏‎ ‎‏استرداد المال ـ حیث إنّه تصرّف اعتباریّ فی مال الغیر غیر نافذ، فإنّه لا یحلّ.‏‎ ‎‏ولایخفیٰ علیک أنّ هذا لیس تقدیراً فی اللفظ، بل اللفظ قد استعمل فی معناه‏‎ ‎‏الحقیقیّ، وتعلّقت الإرادة الجدّیّة بما یصحّ الادّعاء بأنّه هو المستعمل فیه اللّفظ،‏‎ ‎‏ولیس ذلک إلاّ جمیع شؤون المال.‏

‏ولو تنزّلنا عن ذلک، والتزمنا بصحّة التقدیر، فالصحیح ـ بمناسبة حذف‏‎ ‎‏المتعلّق الدالّ علی العموم، ومناسبة الحکم والموضوع ـ تقدیر جمیع ما هو من‏‎ ‎‏شؤون المال، لا خصوص التصرّفات.‏

‏ولو تنزّلنا أیضاً، والتزمنا بأنّ المقدّر خصوص التصرّفات، فما وجه‏‎ ‎‏اختصاص ذلک بالتصرّفات الحسیّة؟! فإنّ البیع والفسخ ونحوهما أیضاً تُعدّ من‏‎ ‎‏التصرّف بنظر العقلاء، بل اللغة أیضاً شاهد علیٰ ذلک، فراجع القاموس واللسان‏‎ ‎‏والمجمع تریٰ أنّه فسّر الصرف بالبیع ونحوه من الاعتباریّات‏‎[1]‎‏.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 76
‏ولو تنزّلنا أیضاً، والتزمنا بأنّ المقدّر خصوص التصرّفات الحسّیّة، إلاّ أنّ إلغاء‏‎ ‎‏الخصوصیّة عن ذلک قطعیّ عند العقلاء؛ أتریٰ أنّه لو عرضت هذه الروایة علی‏‎ ‎‏العقلاء فإنّهم یرون عدم جواز تصرّف أحد فی مال الغیر؛ من الأکل والشرب‏‎ ‎‏واللبس وغیرها، وأمّا لو باع ذلک المال للزم علی المالک الوفاء به وتسلیم المال إلی‏‎ ‎‏المشتری؛ بدعوی أنّه لا دلالة فی الروایة علیٰ عدم جواز هذا النحو من التصرّف.‏

‏فعلیٰ جمیع التقادیر دلالة الروایة علی عدم نفوذ الفسخ تامّة.‏

‏وقد ظهر بهذا البیان أنّ التوقیع الشریف ـ وهو «‏لایجوز لأحد التصرّف فی‎ ‎مال غیره إلاّ بإذنه»‎[2]‎‏ ـ أیضاً من أدلّة المقام، ولو صرّح فیه بلفظ التصرّف، فضلاً‏‎ ‎‏عن عدم کونه دلیلاً علی الخلاف، کما توهّم.‏

‏وقد یستشکل فی الموثّقة : بأنّ الحلّ فیها تکلیفیّ بقرینة المورد، وهو ردّ‏‎ ‎‏الأمانة إلی أهلها، وبقرینة الدم المذکور فیها‏‎[3]‎‏.‏

‏ولکن ظهر الجواب عنه ممّا مرّ، فإنّه بعدما علم أنّ التکلیف والوضع خارجان‏‎ ‎‏عن مدلول الحلّ، والمورد غیر مخصّص للکبریٰ الکلّیّة الملقاة تعلیلاً للحکم فی‏‎ ‎‏ذلک المورد، وعدم المنافاة بین استفادة التکلیف فی الدم من المقام واستعمال الحلّ‏‎ ‎‏فی معناه الحقیقیّ، یندفع الإشکال بالکلّیّة.‏

‏ویظهر من تطبیق التعلیل ـ وهو عدم حلّیّة المال ـ علیٰ المورد ـ وهو ترک ردّ‏‎ ‎‏الأمانة ـ أنّ ترک الردّ ممّا لا یحلّ، مع أنّه لیس من التصرّفات الحسّیّة.‏

‏فالروایة أیضاً شاهدة علی أنّ الممنوع مطلق التصرّف؛ حسّیّاً کان أو غیره.‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 77

  • )) المنجد : 422 ـ 423 .
  • )) کمال الدین: 521، الاحتجاج 2 : 559، وسائل الشیعة 6 : 377، کتاب الخمس، أبواب الأنفال وما یختصّ بالإمام، الباب 3، الحدیث 6، وسائل الشیعة 17 : 309، کتاب الغصب، أبواب الغصب، الباب 1 ، الحدیث 4.
  • )) اُنظر حاشیة المکاسب، الأصفهانی 2 : 9 / سطر 25.