المعاطاة

فی الشبهة العبائیّة وجوابها

فی الشبهة العبائیّة وجوابها 

‏ ‏

‏وبهذا أجبنا عن الشبهة العبائیّة المعروفة : وهی أنّه لو علمنا إجمالاً بملاقاة‏‎ ‎‏النجاسة لأحد طرفی العباءة، وغسلنا طرفاً منها، فلابدّ من الحکم بطهارة ملاقی‏‎ ‎‏الطرف الآخر؛ لطهارة ملاقی أحد الأطراف، والحکم بنجاسة ملاقی الطرفین حینئذٍ‏‎ ‎‏لاستصحاب النجاسة فی العباءة. وهذا بدیهیّ الفساد؛ للزوم دخل الطرف الطاهر فی‏‎ ‎‏الحکم بنجاسة الملاقی‏‎[1]‎‏.‏

والجواب عن ذلک :‏ أنّ استصحاب وجود النجاسة فی الطرفین استصحاب‏‎ ‎‏کلّیّ، فلو کان لها بنعت الکلّیّة أثر کعدم جواز الصلاة فی العباءة یترتّب، وأمّا‏‎ ‎‏الحکم بنجاسة ملاقی الطرفین فلا، فإنّه موقوف علیٰ إثبات الملاقاة مع تلک‏‎ ‎‏الطبیعة، ولم یحرز، وإثباته بنفس الاستصحاب لایمکن إلاّ علی القول بالأصل‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 65
‏المثبت‏‎[2]‎‎[3]‎‏.‏

ویمکن بیان هذا الاستصحاب بوجوه اُخر‏ ظهر الجواب عن جمیعها ممّا تقدّم :‏

‏کاستصحاب زوال الملک علیٰ تقدیر الفسخ المتیقّن زمان الخیار.‏

‏وقد تقدّم أنّ مثل هذا الاستصحاب التعلیقیّ ـ الذی یکون التعلیق فیه عقلیّاً‏‎ ‎‏لا شرعیّاً ـ غیر جارٍ، فإنّ المجعول فی المقام حقّ الخیار، لا التعلیق المذکور.‏

‏وکاستصحاب بقاء الحقّ المتیقّن زمان الخیار أیضاً.‏

‏وقد تقدّم : أنّ مثلَ هذا الاستصحاب ـ الذی لا أثر فیه للکلّیّ القابل‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 66
‏للاستصحاب، وما له الأثر، وهو شخص الحقّ، غیر قابل له، ولا یمکن إثباته‏‎ ‎‏باستصحاب الکلّیّ ـ غیرُ جارٍ ، إلیٰ غیر ذلک ممّا ذکر فی بیان الاستصحاب فی‏‎ ‎‏المقام، الظاهر جوابه ممّا ذکرنا.‏

‏وقد ظهر ممّا مرّ أیضاً : وجه عدم جریان استصحاب عدم لزوم العقد فی‏‎ ‎‏المقام، فإنّه لو سُلّم جریانه، واُغمض عمّا اُورد علی الاستصحاب فی الأعدام‏‎ ‎‏الأزلیّة نعتاً، ومطلقاً‏‎[4]‎‏ لا أثر لهذا الاستصحاب أبداً، فلا یکون حاکماً علی‏‎ ‎‏استصحاب بقاء الملک، وقد فصّلنا وجه ذلک فی وجه حکومة الأصل السببیّ علی‏‎ ‎‏المسبّبیّ المفقود فی المقام.‏

ثمّ لو شککنا فی أنّ اللزوم والجواز منوِّعان للملک،‏ أو هما حکمان للعقد،‏‎ ‎‏والملک لیس إلاّ نوعاً واحداً، فهل یجری الاستصحاب أم لا ؟‏

التزم الشیخ ‏رحمه الله‏‏ بالجریان‏‎[5]‎‏.‏

وقد استشکل علیه :‏ بأنّ المورد من قبیل الشبهة المصداقیّة لدلیل‏‎ ‎‏الاستصحاب.‏

وأجاب المستشکل عن ذلک :‏ بأنّ المخصّص فی المقام لُبّیّ‏‎[6]‎‏، ولا مانع من‏‎ ‎‏التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة للمخصّص إذا کان المخصّص لبّیّاً. أمّا کون‏‎ ‎‏المقام من الشبهة المصداقیة لدلیل الاستصحاب فلا وجه له، فإن الأطراف الثلاثة‏‎ ‎‏کلّها مشکوکة حدوثاً، فلا تکون مجریً للاستصحاب الشخصیّ، والکلّیّ الجامع بین‏‎ ‎‏الأطراف مورد للاستصحاب لتمامیّة الأرکان، فأین الشبهة المصداقیّة؟‏

‏وبعبارة اُخریٰ : الأمر غیر دائر بین ما یجری فیه الاستصحاب وما لا یجری،‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 67
‏فإنّ موضوع الاستصحاب هو الیقین والشکّ، ولیس فی الأشخاص ذلک، فلا یجری‏‎ ‎‏الاستصحاب فی شخص منها، فأین الدوران؟! نعم من التزم بعدم جریان استصحاب‏‎ ‎‏الکلّیّ فی مورد الدوران بین الملکیّة المستقرّة والمتزلزلة‏‎[7]‎‏، لایمکنه إجراء‏‎ ‎‏الاستصحاب فی المقام، لا لأنّه من الشبهة المصداقیّة، بل لما بنی علیه فی وجه عدم‏‎ ‎‏الجریان فی ذلک المقام.‏

‏وأمّا أنّ المخصّص إذا کان لبّیّاً فلا مانع من التمسّک بالعموم فی الشبهة‏‎ ‎‏المصداقیّة له، فأیضاً غیر صحیح؛ لعدم الفرق فی الشبهة المصداقیّة بین المخصّص‏‎ ‎‏اللفظی واللُّبّی.‏

وما قیل :‏ من أنّه فی اللُّبّیّات یقتصر علی القدر المتیقّن‏‎[8]‎‏ ‏غیر مرتبط بالمقام،‎ ‎‏فإنّه مختصّ بما لو دار الأمر بین کثرة التخصیص وقلّته، إلاّ أنّ المقام لیس من هذا‏‎ ‎‏القبیل، فإنّ المفروض أنّ الشبهة مصداقیّة. فالصحیح جریان استصحاب الکلّیّ فی‏‎ ‎‏المقام، کما التزم به الشیخ ‏‏رحمه الله‏‏ ، ولایخفیٰ أنّ هذا الاستصحاب هو القسم الثانی من‏‎ ‎‏الکلّیّ وإن کثرت أطرافه، فإنّ الأمر بالأخرة دائر بین القصیر والطویل، وهذا ظاهر.‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 68

  • )) نهایة الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) البروجردی 4 : 130.
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره : 88 .
  • )) أقول : لو کان اللازم إثبات الملاقاة مع النجس لما جریٰ الاستصحاب حتّیٰ فی موارد استصحاب الفرد أیضاً، فإنّ استصحاب النجاسة لایثبت الملاقاة مع النجس، وما هو محرز بالوجدان الملاقاة مع الماء مثلاً، وأمّا مع النجس فلا.     والجواب عن جمیع الموارد واحد : وهو أنّ موضوع نجاسة الملاقی مرکّب من أمرین : نجاسة الملاقیٰ ـ بالفتح ـ والملاقاة .     وبهذا یمکن القول بنجاسة الملاقی فی استصحاب الفرد أیضاً، وفی المقام الملاقاة موجودة بالوجدان، والملاقی مستصحب النجاسة، فیترتّب حکمه، فلابدّ من الحکم بالنجاسة فی مورد الشبهة، ولا مانع منه بعد تمامیّة أرکان الاستصحاب وحکومته علی الأصل الجاری فی الملاقی ـ بالکسر ـ بخلاف ما إذا کانت الملاقاة مع أحد الأطراف فقط، فإنّ أصالة الطهارة فی الملاقی ـ بالکسر ـ بلا حاکم وبلا معارض.     وبعبارة اُخریٰ : إنّه کما یظهر فی محلّه أنّ المستصحب فی جمیع المقامات قضیّة، وفی المقام القضیّة المستصحبة قضیّة منفصلة، وهی أنّه «إمّا هذا نجس أو ذاک» والمنفصلة تتلاءم مع الشک فی الطرفین والعلم فی أحدهما، فالاستصحاب یجری بلا مانع.     والحاصل : أنّه فرق بین الکلّیّ والعلم الإجمالی ، فإنّ القضیّة الکلّیّة حملیّة قابلة للانطباق علی الطرفین، بخلاف العلم الإجمالی، فإنّ القضیّة فیه منفصلة، ولذا لا یحکم بالنجاسة فی کلا الطرفین فی مورد العلم الإجمالی، واللازم فی مورد استصحاب الکلّی الحکم بنجاسة جمیع الأطراف؛ لانطباق الکلّی ـ ولو عنوان أحد الطرفین ـ علیهما؛ وهذا کما تریٰ، مع أنّ الحکم بنجاسة الکلّی لایخفیٰ ما فیه. فلیتدبّر.المقرّر حفظه الله .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی  قدس سره : 101 ـ 102 .
  • )) المکاسب : 85 / سطر 9 .
  • )) منیة الطالب 1 : 61 / سطر 13 .
  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 1 : 73 / سطر 8 .
  • )) کفایة الاُصول : 259، مطارح الأنظار (تقریرات الشیخ الأنصاری) الکلانتر : 194 / سطر26.