المراد بالوفاء بالعقود
وأمّا الوفاء بالعقد فی الآیة الکریمة، فالمراد به ـ کما یظهر من العرف واللغة ـ هو العمل بمقتضاه تامّاً، وهذا إنّما یتحقّق بتسلیم العوضین وکون المتعاقدین ثابتین علیٰ ذلک؛ بأن لا یستردّ ما سلّمه إلیٰ الآخر عنه، ولازم ذلک صحّة العقد، وإلاّ لم یجب الوفاء به.
ودلالة الآیة علی اللزوم سیجیء الکلام فیها.
والمعاطاة ـ علیٰ ما تقدّم ـ عقد، ویتصوّر الوفاء بالمعنیٰ المذکور فیها بجمیع أقسامها؛ سواء وقع التعاطی من الجانبین، أو من جانب واحد، فیجب الوفاء بها، ولازم هذا صحّة المعاطاة.
إن قلت : هذا إنّما یصحّ لو کان المراد من العقد العهد، وأمّا بناء علیٰ ما ذکر:
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 37
من أنّه هو المعنیٰ المستعار عن العقدة، فلا معنیٰ لوجوب الوفاء به.
قلت : الوفاء بذلک أیضاً متصوّر؛ باعتبار القول والقرار وتبانی الطرفین والتزامهما بما التزما به، فلا إشکال.
نعم، لابدّ من کون مدلول الآیة عامّاً حتیٰ یمکن التمسّک بها لإثبات ذلک، وظاهرها العموم. ولکن یستشکل فی ذلک بوجوه:
أ ـ أنّ اللام فی العقود للعهد؛ بقرینة مسبوقیّة الآیة بتشریع المعاملات، فإنّها واقعة فی سورة المائدة، وهی آخر سورة نزلت علیٰ نبیّنا صلی الله علیه و آله وسلم، فالآیة ناظرة إلیٰ أنّ العقود السابقة لازم الوفاء، فلا عموم لها.
ب ـ لو سلّمنا العموم لزم من ذلک استعمال الآیة فی التأکید والتأسیس معاً، فإنّ بعض العقود قد شرّعت قبلها جزماً، وهذا أردأ من استعمال اللفظ فی أکثر من معنیً واحد.
ج ـ أنّ الاستعمال فی الآیة المبارکة استعمال مجازیّ استعاریّ ـ علیٰ ما مرّـ فلا عموم لها؛ لأنّ المعانی المجازیّة متکثّرة، فلا ظهور فی أحدها.
وفی الکلّ ما لا یخفیٰ، فإنّ المسبوقیّة بالذکر ـ لو سلّمت ـ لا تصلح للقرینیّة بعد ظهور الآیة فی العموم.
والتأکید والتأسیس لیسا قیدین للمستعمل فیه اللفظ، بل المستعمل فیه هو البعث فقط، والوصفان منتزعان منه باعتبار المسبوقیّة بالذکر وعدمها.
وکثرة المعانی المجازیّة لا توجب عدم العموم بعد ظهور الآیة فیه.
فالصحیح إمکان التمسّک بالآیة المبارکة لإثبات صحّة المعاملة المعاطاتیّة.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 38