الاستدلال بآیة الوفاء بالعقود
4 ـ الآیة الکریمة : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».
فقد یقال : إنّ المراد من العقد العهد، إلاّ أنّ العقد موضوع لعقد الحبل أو غیره، وهذا المعنی هو المناسب للمقام، فقد استعیر العقد لتبادل الإضافتین، کأنّه یحصل ربط خاصّ بینهما کعقد الحبل، والعهد هو التزام ذهنیّ، وبینهما بون بعید.
نعم یمکن أن یقال: إنّ بینهما عموماً وخصوصاً مورداً، فإنّ فی مورد کلّ عقد عهد، ولا عکس، إلاّ أنّ ذلک لایوجب اتّحادهما کما لا یخفیٰ.
وفی المجمعینِ وکلام بعض الأعاظم: أنّ کلّ عهدٍ عقدٌ ولا عکس، ولا یفهم
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 35
معنیً محصّل منه، فراجع.
وقد یقال : بأنّ العقد هو العهد المشدّد؛ ولعلّ المراد منه هو العهد علی وجه اللزوم لا الجواز، إلاّ أنّ الفارق بین العقد والعهد قد تقدّم.
وأمّا أنّه هو خصوص المشدّد واللازم، فقد استدلّ علیه بأنّ ألفاظ العقود بنحو الدلالة الالتزامیّة تدلّ علی التزام الطرفین بالوفاء بمضمونها وترتیب آثارها، فیختصّ العقد بخصوص اللازم والمشدّد، وبما أنّ المعاطاة جائزة فلیست بعقد.
والجواب عن ذلک :
أوّلاً : أنّه لا دلالة التزامیّة فی المقام أبداً، بل إنّما الموجود فی المقام، هو بناء الطرفین علیٰ ما ذکر من جهة بناء العقلاء علی ذلک، ولا اختصاص لذلک بخصوص البیع بالصیغة، بل یعمّ المعاطاة أیضاً.
وثانیاً : حتّیٰ لو قلنا بالدلالة الالتزامیّة فی المقام، إلاّ أنّ الدلالة الالتزامیة لیست ناشئة من اللفظ، بل إنّما هی من جهة أنّ المدلول الالتزامیّ لازم للمعنیٰ، والمعنیٰ کما أنّه موجود فی البیع بالصیغة موجود فی المعاطاة أیضاً، فلازمه أیضاً موجود. فلو قلنا بأنّ العقد هو خصوص اللازم والمشدّد یعمّ المعاطاة أیضاً، ولا یختصّ بالبیع بالصیغة.
والصحیح عدم دخل اللزوم والتشدید فی معنیٰ العقد، فإنّه مستعار عن عقد الحبل، والمراد من العقد ـ کما یظهر من کتب اللّغة ـ مطلق الربط الخاص بلا دخل للتشدید فیه، فلو قلنا باختصاص العقد بخصوص اللازم، لزم من ذلک الالتزام باستعارتین فیه:
إحداهما : استعارة العقد المشدّد من العقد.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 36
والثانیة : استعارة الربط بین الإضافتین من العقد المشدّد، وهذا لو جاز فلا أقلّ من أنّه خلاف الأصل.
فالعقد هو تبادل الإضافتین بلا دَخْلٍ للتشدید فیه؛ لاستعارته من عقد الحبل، وهو الربط الخاصّ فیه.
هذا مضافاً إلیٰ تصریح اللغویّین بشمول العقد للبیع، بل صریح کلام بعضهم عدم اعتبار اللزوم فیه، مع تعریفه العقد بالعهد المشدّد؛ فیعلم من هذا أنّ المراد من المشدّد فی کلامهم هو نفس الربط الخاصّ، لا اللزوم، ویعبّر عنه بالفارسیّة «بسته شده». فالمعاطاة عقد؛ لأنّها بیع ـ کما مرّ ـ بل لأنّها العهد المشدّد ولو قلنا بجوازها.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 37