المعاطاة

الاستدلال بآیة الوفاء بالعقود

الاستدلال بآیة الوفاء بالعقود 

‏ ‏

‏4 ـ الآیة الکریمة : ‏‏«‏یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[1]‎‏.‏

‏فقد یقال : إنّ المراد من العقد العهد‏‎[2]‎‏، إلاّ أنّ العقد موضوع لعقد الحبل أو‏‎ ‎‏غیره، وهذا المعنی هو المناسب للمقام، فقد استعیر العقد لتبادل الإضافتین، کأنّه‏‎ ‎‏یحصل ربط خاصّ بینهما کعقد الحبل، والعهد هو التزام ذهنیّ، وبینهما بون بعید.‏

نعم یمکن أن یقال:‏ إنّ بینهما عموماً وخصوصاً مورداً، فإنّ فی مورد کلّ عقد‏‎ ‎‏عهد، ولا عکس‏‎[3]‎‏، إلاّ أنّ ذلک لایوجب اتّحادهما کما لا یخفیٰ.‏

وفی المجمعینِ وکلام بعض الأعاظم:‏ أنّ کلّ عهدٍ عقدٌ ولا عکس، ولا یفهم‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 35
‏معنیً محصّل منه، فراجع.‏

وقد یقال :‏ بأنّ العقد هو العهد المشدّد‏‎[4]‎‏؛ ولعلّ المراد منه هو العهد علی وجه‏‎ ‎‏اللزوم لا الجواز، إلاّ أنّ الفارق بین العقد والعهد قد تقدّم.‏

‏وأمّا أنّه هو خصوص المشدّد واللازم، فقد استدلّ علیه بأنّ ألفاظ العقود‏‎ ‎‏بنحو الدلالة الالتزامیّة تدلّ علی التزام الطرفین بالوفاء بمضمونها وترتیب آثارها،‏‎ ‎‏فیختصّ العقد بخصوص اللازم والمشدّد، وبما أنّ المعاطاة جائزة فلیست بعقد.‏

‏والجواب عن ذلک :‏

أوّلاً :‏ أنّه لا دلالة التزامیّة فی المقام أبداً، بل إنّما الموجود فی المقام، هو بناء‏‎ ‎‏الطرفین علیٰ ما ذکر من جهة بناء العقلاء علی ذلک، ولا اختصاص لذلک بخصوص‏‎ ‎‏البیع بالصیغة، بل یعمّ المعاطاة أیضاً.‏

وثانیاً : ‏حتّیٰ لو قلنا بالدلالة الالتزامیّة فی المقام، إلاّ أنّ الدلالة الالتزامیة‏‎ ‎‏لیست ناشئة من اللفظ، بل إنّما هی من جهة أنّ المدلول الالتزامیّ لازم للمعنیٰ،‏‎ ‎‏والمعنیٰ کما أنّه موجود فی البیع بالصیغة موجود فی المعاطاة أیضاً، فلازمه أیضاً‏‎ ‎‏موجود. فلو قلنا بأنّ العقد هو خصوص اللازم والمشدّد یعمّ المعاطاة أیضاً، ولا‏‎ ‎‏یختصّ بالبیع بالصیغة.‏

‏والصحیح عدم دخل اللزوم والتشدید فی معنیٰ العقد، فإنّه مستعار عن عقد‏‎ ‎‏الحبل، والمراد من العقد ـ کما یظهر من کتب اللّغة ـ مطلق الربط الخاص‏‎[5]‎‏ بلا‏‎ ‎‏دخل للتشدید فیه، فلو قلنا باختصاص العقد بخصوص اللازم، لزم من ذلک الالتزام‏‎ ‎‏باستعارتین فیه:‏

إحداهما :‏ استعارة العقد المشدّد من العقد.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 36
والثانیة :‏ استعارة الربط بین الإضافتین من العقد المشدّد، وهذا لو جاز فلا‏‎ ‎‏أقلّ من أنّه خلاف الأصل.‏

‏فالعقد هو تبادل الإضافتین بلا دَخْلٍ للتشدید فیه؛ لاستعارته من عقد الحبل،‏‎ ‎‏وهو الربط الخاصّ فیه.‏

‏هذا مضافاً إلیٰ تصریح اللغویّین بشمول العقد للبیع‏‎[6]‎‏، بل صریح کلام بعضهم‏‎ ‎‏عدم اعتبار اللزوم فیه، مع تعریفه العقد بالعهد المشدّد‏‎[7]‎‏؛ فیعلم من هذا أنّ المراد من‏‎ ‎‏المشدّد فی کلامهم هو نفس الربط الخاصّ، لا اللزوم، ویعبّر عنه بالفارسیّة «بسته‏‎ ‎‏شده». فالمعاطاة عقد؛ لأنّها بیع ـ کما مرّ ـ بل لأنّها العهد المشدّد ولو قلنا بجوازها.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 37

  • )) المائدة 5 : 1 .
  • )) عوائد الأیّام : 2 ، المکاسب : 215 / سطر 13 .
  • )) مجمع البیان 3 : 232 ، مجمع البحرین 3 : 103 ، حاشیة المکاسب، الأصفهانی 1 : 35 / سطر17.
  • )) مجمع البیان 3 : 232 .
  • )) المفردات فی غریب القرآن : 341، لسان العرب 9 :309، المصباح المنیر: 502.
  • )) نفس المصادر.
  • )) مجمع البیان 3 : 232 ـ 233 .