المعاطاة

الاستدلال بآیة التجارة

الاستدلال بآیة التجارة 

‏ ‏

‏3 ـ الآیة الکریمة : ‏‏«‏لاَ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَکُونَ تِجَارَةً‎ ‎عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ‏»‏‎[1]‎‏.‏

‏وفی الآیة احتمالات :‏

‏أ ـ نصب التجارة علیٰ أن تکون سادّاً مسدّ خبر الکون واسمه ضمیر راجع‏‎ ‎‏إلی الأموال، فمآل الکلام «إلاّ أن تکون الأموال أموال تجارة عن تراضٍ»، واللازم‏‎ ‎‏من ذلک التقدیر.‏

‏ب ـ نصبها علیٰ أن تکون خبر الکون والاسم ما ذکر؛ أی تکون الأموال‏‎ ‎‏تجارة، واللازم من ذلک الادّعاء.‏

‏ج ـ رفعها علیٰ أن تکون فاعلاً للکون التامّ‏‎[2]‎‏.‏

‏وفی جمیع ذلک یحتمل أن یکون الاستثناء متّصلاً، فتکون «بالباطل» تعلیلاً‏‎ ‎‏للحکم، ویحتمل أن یکون منقطعاً، فالآیة متکفّلة ببیان الحکمین علیٰ موضوعین.‏

‏وکذا یحتمل أن یکون المراد من التجارة البیع، کما قیل‏‎[3]‎‏، ویحتمل أن یکون‏‎ ‎‏المراد منها مطلق النقل والانتقال، کما هو الظاهر منها.‏

‏هذه محتملات الآیة، إلاّ أ نّه لا یحصل فرق فیما نحن بصدده، وهو الأخذ‏‎ ‎‏بالآیة لتصحیح بیع المعاطاة، بل مطلق البیع، بل مطلق التجارة فی الأموال، بل لعلّ‏‎ ‎‏غیرها کالإیقاعات والعقود المترتّبة علیٰ غیر الأموال بین هذه المحتملات، وذلک‏‎ ‎‏فإنّ ظاهر المستثنیٰ منه فی الآیة الکریمة ـ بقرینة مناسبة الحکم والموضوع ـ أنّ‏

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 33
‏تمام الموضوع لحرمة الأکل هو البطلان؛ سواء کان الاستثناء متّصلاً؛ أی تکون‏‎ ‎‏«بالباطل» علّة للحکم، أو منقطعاً؛ أی یکون ذلک قیداً لموضوعه؛ لعدم احتمال أن‏‎ ‎‏یکون الأکل أو المال ـ أو غیر ذلک ممّا ذکر فی الآیة ـ دخیلاً فی الحکم، وبقرینة‏‎ ‎‏التقابل بین البطلان والتجارة یفهم أنّ علّة جواز الأکل بالتجارة هو الحقّ وعدم‏‎ ‎‏البطلان؛ لعدم احتمال تعبّد الشارع بجواز الأکل بالتجارة مع أ نّه باطل.‏

‏فتصبح النتیجة : أنّ الآیة فی مقام بیان عدم جواز أکل المال الحاصل‏‎ ‎‏بالباطل، وجوازه الحاصل بالحقّ، وبما أنّ الموضوع وقیوده لابدّ من أن تؤخذ من‏‎ ‎‏العرف، فالنتیجة حرمة أکل المال الحاصل بالأسباب الباطلة عرفاً، وحلّیّة أکله‏‎ ‎‏الحاصل بالأسباب الحقّة عرفاً، وبما أ نّه لا یحتمل حلّیّة الأکل من غیر جهة إمضاء‏‎ ‎‏الأسباب ـ کما مرّ فی الآیة السابقة ـ فیعلم من الآیة إمضاء الشارع جمیع الأسباب‏‎ ‎‏الحقّة بنظر العرف، ومنها المعاطاة‏‎[4]‎‏.‏


کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 34
‏فظهر بهذا البیان عدم الفرق بین تلک المحتملات، فی دلالة الآیة علی إنفاذ‏‎ ‎‏البیع وفی إطلاقها؛ لورودها فی مقام بیان الحکمین، ولا سیّما إذا کان الاستثناء‏‎ ‎‏منقطعاً، کما هو الظاهر. فإنّه یمکن أن یقال فی الاستثناء المتّصل : إنّ الجملة واردة‏‎ ‎‏فی مقام بیان المستثنیٰ منه فقط، بخلاف المنقطع.‏

‏وما قیل : من أنّ المنقطع خلاف الفصاحة‏‎[5]‎‏.‏

‏مردود: بأنّه قد یکون اللطف فی الکلام من جهة انقطاع الاستثناء، کالآیة‏‎ ‎‏المبارکة: ‏‏«‏لاَیَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً وَلا تَأْثِیماً إِلاَّ قِیلاً سَلاَماً سَلاَماً‏»‏‎[6]‎‏.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 35

  • )) النساء 4 : 29 .
  • )) مجمع البیان 3 : 59 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) إنّ موضوع الحکم وإن کان اللازم أخذه من العرف، إلاّ أ نّه فی خصوص المقام الآیة مبتلیة بالمخصّص العقلی، وهو أنّ حلّیّة الأکل وحرمته غیر مترتّبین علیٰ الحقّ والباطل العرفیّین مطلقاً، بل العقل یحکم بأنّهما مترتّبتان علی الحقّ والباطل العرفیّین النافذین عند الشارع، فیکون الشکّ فی التنفیذ شبهة مصداقیّة للآیة.     وبعبارة اُخریٰ : لو کان المدلول المطابقیّ للآیة الکریمة إنفاذ العقد، لکان الشکّ فی الإنفاذ من الشکّ فی التخصیص، إلاّ أنّ مدلولها حلّیّة الأکل والتصرّفات وحرمتها، وهذه غیر مترتّبة علی الموضوع العرفیّ مطلقاً قطعاً، بل مختصّ بما أمضاه الشارع وبما هو نافذ عنده، فتکون الشبهة مصداقیّة.     هذا علی التقریب الّذی أفاده السیّد الاُستاذ مدّ ظلّه، وهو استفادة الإنفاذ بالدلالة الالتزامیّة.     وأمّا علی ما هو الظاهر من أنّ الأمر والنهی فی الآیة المبارکة إرشاد إلیٰ إنفاذ الحقّ والباطل، فالآیة وإن کانت سلیمة عن المخصّص العقلیّ، إلاّ أنّ فیها إشکالاً آخر یتعرّض السیّد الأُستاذ له فیما بعد، وهو أنّ نظر العرف للباطل والحقّ، معلّق بعدم تصرّف الشارع بدخل أمر وجودیّ أو عدمیّ فی المعاملة، فمع الشکّ فی ذلک یشکّ فی الموضوع العرفیّ أیضاً، فتکون الشبهة مصداقیّة . المقرّر حفظه الله .
  • )) اُنظر حاشیة المکاسب ، السیّد الیزدی 1 : 126 ـ 127
  • )) الواقعة 56 : 25 ـ 26 .