المبحث الخامس
فی فعلیة الجزاء
قد سبق أنّ الآیـة ظاهرة فی فعلیّـة اتّصافـه تعالـیٰ بالـمالـکیّـة یوم الـدین، وقضیّـة ذلک فعلیّـة یوم الـدِّین وفعلیّـة الـدِّین، فإذا کان الـمراد من الـدِّین الـعقوبـة، بل ولو کان الـمراد منـه الـحساب، فتکون الآیـة دالّـة علیٰ تجسّمِ الأعمال والأفعال، وتبعیِّتها لـلصور الـمسانخـة معها الـتی هی حقیقـة الـجزاء والـعقوبـة؛ ضرورة أنّ تلک الـصور تابعـة لـها ولوجوده بالـفعل علیٰ نعت الـضعف والـقوّة والـکتمان والـسرّ؛ لـغلبـة أحکام الـمادّة والـمدّة، ولضعف الـنفس بسبب الاحتجاب بالـبدن عن خلقها، حسب مقتضیاتها الـموجودة معها من الـرذائل والأعمال، فإنّ کلّ عمل یصدر من الإنسان یُنقش فی صحیفـة وجوده، ویکون باقیاً وخالـداً حتّیٰ یراه، وتزیلـه الـتوبـة الـتکوینیّـة بالاقبال علیٰ دار الآخرة، والانغماس فی ماء الإنابـة والابتهال.
فإذاً یکون الـجزاء بالـفعل والـحساب بالـفعل، وأسبابهما موجودة الآن، و «إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیطَةٌ بِالْکَافِرِینَ» بالـفعل، إلاّ أنّ لـکلّ شیء ظهوراً وبطوناً، وهذا الـجزاء والـحساب بطونُهما حال الـعناق مع الـمادّة، وظهورهما
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 452
لـدیٰ الـفراق عن الـمادّة والـمدّة. ولظهورهما مراحل ومراتب تبتدئ من الـقبر وتنتهی یوم الـقیامـة الـکبریٰ والـرجعـة الـعظمیٰ. ولهذه الـمباحث مسائل راقیـة تأتی طیّ الـبحوث الآتیـة إن شاء اللّٰه تعالـیٰ .
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 453