إشکال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه
الأوّل : عدم بقاء الموضوع ، فإنّ المیّت لا رأی له عرفاً وإن بقی رأیه حقیقة بناءً علی تجرّد النفس ، فإنّ المحکّم فی موضوع الاستصحاب هو العرف لا العقل ، والعرف یری المیّت معدوماً بشخصه وهویّته ، فکیف برأیه وظنّه القائم بنفسه .
وفیه : أنّ الفانی بالموت إنّما هو رأیه وظنّه بما هو صفة قائمة بنفسه وأمّا ما تعلّق به الرأی والظنّ من القول والفتوی فهو باقٍ فی وعائه المناسب له ، والرأی والظنّ واسطة فی الثبوت بالنسبة إلی حجّیة الفتوی ، ففتاوی العلاّمة فی «قواعده» مثلاً بما هی فتاواه وبما هی حاکیات عن أحکام الله الواقعیة قد صارت حججاً شرعیة بسبب تعلّق ظنّ العلاّمة بها ، ویمکن أن تبقی علی هذه الحجّیة أبداً وإن انعدم الرأی والظنّ لا بالتبدّل ، بل بالموت ، فیستصحب حجّیة الفتاوی .
وبالجملة : فحجّیة الفتاوی والکتاب وإن دارت مدار تحقّق الظنّ حدوثاً ، ولکن یحتمل عدم توقّف حجّیتها علیه بقاءً ، کما یحتمل توقّفها علیه حدوثاً وبقاءً فبذلک یقع الشکّ فیستصحب . ونظیر ذلک تقویم المقوّم المضبوط فی دفتر إذا مات بل ونقل الأخبار فإنّ الأخبار المودعة فی الکتب تتوقّف حجّیتها علی جزم المخبر وهو صفة قائمة بنفسه تزول بموته ، ومع ذلک یبقی التقویم والخبر علی وصف الحجّیة إلاّ أن یتبدّل رأی المقوّم أو جزم المخبر بالشکّ والتردید فیسقط بالتبدّل تقویمه وخبره .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 461
ولکنّ الکلام لیس فی صورة التبدّل ، بل الکلام فیما إذا بقی الرأی والجزم إلی أن مات المقوّم والمخبر . وربّما یتوهّم أنّ حجّیة الکتاب والفتوی المضبوطة فی الدفتر لیست من حیث حکایته عن الواقع بنفسه وکون الرأی والظنّ واسطة فی ثبوت الحجّیة له ، بل الحجّیة أوّلاً وبالذات لنفس الرأی والظنّ وحجّیة الکتاب إنّما هی بالعرض من جهة حکایته عن الرأی وکونه وجوداً تنزیلیاً له ، فالکتاب حجّة بما هو کاشف عن الرأی فیکون الرأی حجّة مطلقاً .
غایة الأمر : أنّ رأی العلاّمة فی عصره حجّة إلی الأبد ما لم یتبدّل فلا نحتاج فی حجّیة الرأی إلی الأبد إلی بقائه بنفسه فیمکن أن لا یبقی الرأی ویبقی حجّیته ولا یشترط فی الاستصحاب بقاء الموضوع خارجاً ، وإنّما یشترط فیه اتّحاد القضیّة المتیقّنة والمشکوکة موضوعاً ومحمولاً ، وهذا هو الذی قد یعبّر عنه فی کلماتهم ببقاء الموضوع وهذا المعنی حاصل فیما نحن فیه .
أقول : هذا فاسد ، أمّا أوّلاً : فلأنّ قولنا : «الظنّ حجّة» هلیّة مرکّبة والموجبات فی الهلیّات المرکّبة تحتاج إلی تحقّق الموضوع خارجاً حتّی یثبت له المحمول ، فلا یعقل الحجّیة الفعلیة للرأی مع انعدام الرأی فعلاً ، کما هو المفروض .
وأمّا ثانیاً : فلأنّ کاشفیة الکتاب فعلاً عن الرأی المعدوم فعلاً محال ، إذ الکاشفیة والمکشوفیة أمران متضائفان والمتضائفان متکافئان قوّةً وفعلاً فالفتوی المضبوطة فی الدفتر لا کاشفیة لها فعلاً عن الرأی المعدوم ، وإنّما هی حاکیة عن حکم الله الواقعی المحفوظ فی ظرفه ، وقد ثبت لنفسها الحجّیة بوساطة تعلّق الرأی ، وحینئذٍ فیحتمل دوران حجّیتها مدار الرأی حدوثاً فقط ، کما یحتمل دورانها مداره حدوثاً وبقاءً فیستصحب حجّیة نفس الفتوی والکتاب کما فی
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 462
مثال الماء المتغیّر حیث یحتمل فیه کون التغیّر الآنی مسبّباً للنجاسة الدائمة .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ ملاک انتزاع وصف الکاشفیة فعلیة المکشوف بالذات لا بالعرض والحجّیة للمکشوف بالعرض لا بوصف المکشوفیة الفعلیة ، بل بذاته .
أو یقال : إنّ المکشوف بالعرض أیضاً باقٍ بوجود دهریِّ، فتأمّل .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 463