نقلٌ ونقدٌ
وبذلک یظهر فساد ما ذکره المحقّق الحائری قدس سره ، فإنّه قال ما حاصله : أنّ ما دلّ علی حجّیة ، الخبر مفاده عامّ استغراقی فیدلّ علی وجوب الأخذ بکلّ خبر تعینیاً ، وعلی هذا فیمکن الاستشکال فی إطلاقه لصورة التعارض ، إذ وجوب الأخذ بکلّ من المتعارضین تعیـیناً مقطوع العدم ووجوب الأخذ بأحدهما بلا مرجّح والحمل علی الوجوب التخیـیری فی صورة التعارض یوجب استعمال الأمر فی التعیـینی لغیر صورة التعارض وفی التخیـیری لصورة التعارض ولا جامع بینهما .
وهذا البیان لا یجری فی باب التقلید ، إذ العموم فی أدلّته بدلی من أوّل الأمر فإنّ کلّ مجتهد بوحدته یکفی لتمام الفقه فما دلّ علی الرجوع إلی العلماء یکون مفاده من أوّل الأمر التخیـیر بین الرجوع إلی کلّ واحد من العلماء وبإطلاقه لصورة التعارض یستفاد تحقّق هذا التخیـیر فی هذه الصورة أیضاً من دون أن یختلف نحو شموله للصورتین فإنّه فی کلیهما تخیـیری ، فالأصل الأوّلی وإن اقتضی سقوط قول کلّ من المجتهدین المختلفین عن الحجّیة والأماریة ، وسیرة العقلاء التی هی العمدة فی هذا الباب أیضاً وإن لم تکن علی الرجوع إلی واحد منهما ، کما إذا اختلف طبیبان أو مقوّمان ولکن إطلاق الأدلّة اللفظیة یشمل لصورة التعارض أیضاً فیبقی فی هذه الصورة أیضاً الحجّیة التخیـیریة الثابتة فی غیرها ، انتهی کلامه قدس سره .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 455
أقول : ما ذکر من الأدلّة اللفظیة بعضها مخدوش السند ، کروایة تفسیر الإمام وما دلّ علی الرجوع إلی کلّ مسنّ فی حبّهم وکثیر القدم فی أمرهم وغیرهما وبعضها معتمد علیها من هذه الجهة ، ولکن فی أصل دلالتها علی جواز التقلید أو فی إطلاقها لصورة التعارض تأمّل ؛ إذ المقبولة وبعض آخر ، کما عرفت لا ترتبط بباب التقلید أصلاً ، وما دلّ علی الإرجاع إلی مثل زکریا بن آدم ویونس وزرارة وغیرهم وإن کان مربوطاً بباب التقلید لا نقل الروایة ، إذ الإرجاع إلیهم کان لأخذ معالم الدین لا لکونهم کمُسَجّل لصوت الإمام ، إلاّ أنّ المستفاد من مجموعها کون أصل جواز الرجوع إلی الغیر مفروغاً عنه عند السائلین ، وإنّما سألوا الإمام لیعیّن لهم شخصاً جامعاً لشرائط المرجعیة ، وعلی هذا فلا یستفاد منها کونها فی مقام التأسیس ومقام بیان جواز الرجوع إلی الغیر حتّی یتمسّک بإطلاقها لصورة التعارض ، بل هی واردة فی موضوع بناء العقلاء ومتفرّعة علیه وبنائهم علی ما عرفت فی صورة التعارض ، علی الحکم بالتساقط .
وبالجملة : ففی صورة تعارض قولی المجتهدین والعلم بتعارضهما یسقط کلاهما عن الحجّیة ، سواء تساویا أو کان أحدهما أعلم ، بناءً علی ما عرفت من أماریة کلّ منهما وعدم تعیّن الرجوع إلی الأعلم عندهم واللازم بعد تساقطهما هو الاحتیاط المطلق .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 456
اللهمّ إلاّ أن یقال : بحجّیتهما بالنسبة إلی نفی القول الثالث ، أو یقال بأ نّه کما نعلم بعدم تعیّن الاحتیاط المطلق من أوّل الأمر وکون الالتزام به مرغوباً عنه عند الشارع ، ولأجل ذلک نستفید جواز التقلید ومشروعیته ، إذ التزام الجمیع بالاحتیاط مع أ نّه موجب لاختلال النظام مخالف لبناء الشریعة السمحة السهلة ، کذلک نعلم بکونه مرغوباً عنه عند تعارض المجتهدین ، فإنّ موارد التعارض أکثر من أن تحصی والالتزام فیها بالاحتیاط التامّ یوجب المحاذیر المشار إلیها ، وحینئذٍ فیکون المرجع أحوط القولین لا الاحتیاط التامِّ.
وممّا یدلّ علی التساقط عند التعارض موثّقة سماعة عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل اختلف علیه رجلان من أهل دینه فی أمر ، کلاهما یرویه ؛ أحدهما یأمر بأخذه ، والآخر ینهاه عنه ، کیف یصنع ؟ قال : «یرجئه حتّی یلقی من یخبره ، فهو فی سعة حتّی یلقاه» .
بناءً علی کونه مربوطاً بتعارض المجتهدین لا الراویین وبإطلاقه یشمل ما إذا کان أحدهما أعلم فیتساقط قوله مع قول غیره .
وممّا یؤیّد کون الروایة مربوطة بباب الإفتاء قوله : «أحدهما یأمر بأخذه ، والآخر ینهاه عنه» ، إذ الأمر والنهی من وظائف المجتهد والمفتی لا الراوی بما هو راوٍ .
فإن قلت : معنی قوله : «یرجئه» هو الإرجاء من حیث الفتوی بقرینة السعة فی مقام العمل ، فالروایة بصدد بیان وظیفة المجتهد الوارد علیه خبران
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 457
متعارضان لا المقلّد الوارد علیه فتویان من مجتهدین .
قلت : لعلّ المراد بالإرجاء هو الإرجاء من حیث الالتزام بأحد الفتویین بما أ نّه حکم الله فیکون من وظائف المقلّد ، هذا .
ولکنّ الظاهر کون الروایة مربوطة بباب تعارض الروایتین بقرینة الروایة الاُخری لسماعة والظاهر اتّحادهما ، فراجع . فإنّ الإرجاع إلی مخالفة العامّة إنّما هو فی الروایتین لا فی الفتویین المتعارضین .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 458