منشأ بناء العقلاء فی رجوع الجاهل إلی العالم
فنقول : ربّما یقال : إنّ منشأ بنائهم فی الاُمور المرتکزة لدیهم من العمل بخبر الواحد والحکم بمقتضی الید وأصالة الصحّة والتقلید من العالم ونحو ذلک حکم
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 444
قاهر عرفی أو شرعی فی الأعصار القدیمة ومقهوریة الآباء بسبب هذا الحکم وتوارث الأعقاب ذلک .
وربّما یقال : أنّ منشأ ذلک انسداد باب العلم فی حوائجهم وما یدور علیه رحی معاشهم ، فالانسداد الغالبی قهر کلاًّ منهم بتبعیة هذه الاُمور الظنّیة .
والتحقیق : فساد کلا المبنیـین . بداهة أنّ وجود قاهر شمل حیطة تصرّفه جمیع البلاد والنقاط مقطوع العدم والارتکازات المشار إلیها متحقّقة فی أفراد الناس کلّهم ، والسریان من بلد إلی جمیع الأمصار بعید ، وبقاء الارتکاز بالإرث فی جمیع الأعصار أبعد والعامل بخبر الواحد أو الید أو نحوهما لا یلتفت إلی الانسداد ومقدّماته المنتجّة لحجّیة الظنّ حتّی یسند إرتکازه إلی ملاحظته الانسداد .
فإن قلت : کان عمل الأسلاف مسنداً إلی الانسداد ، ثمّ بقی الارتکاز بالتوارث .
قلت : أوّلاً : أنّ المرتکز فی أذهان الأخلاف الاستناد إلی الأخبار والید ونحوهما من دون توجّه إلی عمل الأسلاف کیف والصغار أیضاً یعملون بخبر الواحد من دون التفات إلی عمل آبائهم والتوارث الخلقی ممنوع قطعاً .
وثانیاً : أنّ الأسلاف کانوا یعملون بالخبر قطعاً حتّی مع التمکّن من تحصیل العلم أو الاحتیاط والظنّ الانسدادی لا یکتفی به مع التمکّن من العلم أو الاحتیاط .
وبالجملة : فکلّ من الناس من الفرق والشعب المختلفة من أهل الأمصار من
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 445
الصغار والکبار قد ارتکز فی أذهانهم العمل بالأخبار والید وسائر الأمارات العقلائیة من دون توجّه إلی الانسداد ولا إلی عمل الأسلاف ، فما الوجه فی هذا الارتکاز ؟
الظاهر أنّ الوجه فی ذلک ندرة مخالفتها للواقع وضعف احتمالها جدّاً فی نظرهم بحیث لا یعدّ الاعتناء بهذا الاحتمال عقلائیاً فغلبة الإصابة غلبة تقرب من الاستیعاب قد صارت سبباً لبنائهم علی الاعتناء بهذه الاُمور ولا یتّضح ذلک إلاّ بالدقّة فی أحوال العقلاء وأعمالهم .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 446