القضاوة فی زمن الغیبة
وحینئذٍ فالقضاوة لغیرهما یحتاج إلی جعل من قبلهما وکذا غیرها من شعب الحکومة . ولا یخفی : أ نّه من المقطوع تعیـین النبیّ والإمام وظیفة الخلق فی زمن الغیبة وعدم الوصول إلیهما لما عرفت من أنّ دین الإسلام لم یهمل فیه مثل هذه الاُمور . وقد نهی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة علیهم السلام من الرجوع إلی قضاة الجور وحکّامهم ، فهل یحتمل أحد أ نّهم نهوا من الرجوع إلیهم ولم یعینوا من یرجع إلیه الخلق فی فصل الخصومات والتصرّف فی أموال الیتامی والقصّر والدفاع عن حوزة الإسلام إلی غیر ذلک من الاُمور المهمّة التی لا یرضی الشارع بإهمالها ؟ والقول بأنّ الشارع عیّن الإمام وغیبته منّا ، کلام خطابی لا محصّل له ، إذ بعد کون المصلحة فی الغیبة لا یجوز إهمال اُمور العباد .
وعلی هذا فمنصب القضاوة قد فوّض فی زمن الغیبة إلی بعض الخلق والقدر المتیقّن منه هو الفقیه العادل المستجمع للشرائط المحتمل دخالتها فیها ، إلاّ أن یصل الأمر إلی حدّ ینحصر فی الأفراد النادرة غیر الوافیة بقضاء حوائج الخلق کالمجتهد المطلق المحیط فعلاً بجمیع أحکام الإسلام فإنّه لم یتّفق من صدر الإسلام إلی عصرنا مجتهد کذائی .
نعم ، لا بأس باشتراط الاجتهاد المطلق ، بمعنی وجدان القوّة علی استنباط
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 425
الجمیع ، ویمکن القول باشتراط الأعلمیة أیضاً فینصب الأعلم غیره فی الولایات فإنّه القدر المسلّم . هذا کلّه مع قطع النظر عن الأخبار ، وإلاّ فسیجیء أنّ المستفاد منها کفایة مطلق الاجتهاد .
فإن قلت : لا نسلّم ما ذکرت من کون الحکومة والقضاوة أوّلاً وبالذات لله تعالی ، إذ هی أوّلاً وبالذات من شؤون العدالة والقانون العدل المرضیّ عند العقل فلو فرض محالاً کون الله تعالی جائراً فی أحکامه لما نفذ حکمه فی حقّ الغیر وإنّما ینفذ حکمه بما هو عادل فالقانون العدل المرضی عند العقل محکّم ، سواء کان من الله أو من غیره .
قلت : ما ذکرت کلام خطابی ولا نسلّمه ، فإنّه تعالی مالک للعبد ولجمیع شؤون وجوده ولو فرض کون حکمه جوراً أیضاً نفذ والناس مسلّطون علی أنفسهم وأموالهم عقلاً فلا ینفذ فیها حکم أحد إلاّ من کان مالکاً له ولجمیع شؤون وجوده .
فإن قلت : لا نحتاج فی الحکومة والقضاوة إلی جعله تعالی ، إذ للعبید أن یجتمعوا ویعیّنوا لأنفسهم الحکّام والقضاة .
نعم ، الأکثریة لا تفید لکون حکمهم جوراً بالنسبة إلی الأقلّیة .
قلت : تعیـین الناس عبارة عن توکیل الغیر فی التصرّف فی أموالهم وسائر شؤونهم والوکالة جائزة فلهم العزل فیختلّ الاُمور ، إذ نحن نحتاج إلی قاضٍ ینفذ حکمه فی حقّ الجمیع ویکون علی الجمیع حتّی علی من کان بضرره ، وعلی المجتهدین ترتیب الآثار ظاهراً علی مقتضی حکمه ولا یکون لأحد الخروج عن حکمه بعد ما حکم .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 426
ثمّ لو فرض کون بناء العقلاء علی عدم إمکان عزل الوکیل بعد تفویض الاُمور إلیه فمخالفته مخالفة لبناء العقلاء ولا یستعقب عقاباً شرعیاً وعصیاناً لله تعالی ، ومرادنا فی المقام تعیـین من ینفذ حکمه شرعاً ولا یجوز للناس مخالفته .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّه بعد ما أمکن تعیـین الخلائق للقاضی والحاکم لا یبقی طریق لاستفادة وجوب النصب علی الشارع ، فتأمّل .
وکیف کان : فنصب الإمام علیه السلام للقاضی لزمان الغیبة مسلّم . وقد عرفت من هو القدر المتیقّن له ، وحینئذٍ فاللازم المراجعة إلی الأخبار الواردة فی المقام .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 427