المبحث الخامس : حول استفادة کونه تعالیٰ ربّاً للعالمین بلا واسطة

‏‏المبحث الخامس‏

‏‏ ‏

‏‏حول استفادة کونه تعالیٰ ربّاً للعالمین بلا واسطة‏

‏‏ ‏

‏‏ربّما یُستظهر من الآیـة الـکریمـة الـشریفـة أنّـه تعالـیٰ ربّ‏‎ ‎‏الـعالـمین بلا واسطـة، وهذا یستلزم شبهات عقلیّـة:‏

‏‏وأهمّها :‏‏ أنّـه کیف یُعقل للقدیم الـواجب من جمیع الـجهات، الـمتعالـی‏‎ ‎‏الـذات عن کافّـة الـموجودات، مباشرة الـحرکـة الـمستلزمـة لوقوعها علیٰ‏‎ ‎‏الـمباشر، فإنّـه لایُعقل أن یوجد شیءٌ حرکةً بالـمباشرة ولایخلو عن تلک‏‎ ‎‏الـحرکـة الـشخصیّـة أو نوع آخر منها، وجمیع الـحرکات فی حقّـه تعالـیٰ‏‎ ‎‏ممتنع قطعاً.‏

‏‏وبعبارة اُخریٰ :‏‏ الـطبیعـة أو الـجسم الـمتحرّک فی الأعراض، سبب‏‎ ‎‏مباشر لتلک الـحرکات، وتقوم تلک الـحرکات بـه قیاماً حلولیّاً؛ لکونـه‏‎ ‎‏موضوعاً لها، وصدوریّاً باعتبار کونـه علّـة قریبـة لتلک الـحرکـة، وکلّ ذلک فی‏‎ ‎‏حقّـه تعالـیٰ ممتنع؛ لعدم مزاولتـه مع الـمادّة الـمتحرّکـة، ولا مع الـجسم، ولا‏‎ ‎‏غیر ذلک بالـضرورة، ولو کانت الـربوبیّـة بالإرادة، فکیف یُتصوّر حصول‏‎ ‎‏الـحرکـة والـخروج من الـقوّة إلـیٰ الـفعل؛ مع عدم تجدّد فی الإرادة ولا فی‏‎ ‎‏الـمرید؛ مع أنّنا إذا أردنا حرکـة شیء عرضیّاً کالـحرکـة الـوضعیّـة أو‏‎ ‎‏الأینیّـة، فلابدّ وأن یحصل فینا تلک الـحرکـة حتّیٰ یحصل للآخر، فلابدّ من‏
‏‎

‏‏أقول :‏‏ لاشبهـة فی أنّ الـعاشق یتحرّک ـ بحسب الـوجدان ـ فی الـعشق‏‎ ‎‏الـمجازی نحو الـمعشوق، وهو نائم فی بلده وغافل عن عشّاقـه ومجانینـه،‏‎ ‎‏فهل هذه الـحرکـة الـموجودة فی الـعاشق بالـعشق الـمتعلّق بالـصورة‏‎ ‎‏الـمعشوقـة بالـذات، وبالـمعشوق الـخارجی بالـعرض، لاتکون تستند مجازاً‏‎ ‎‏إلـی الـمعشوق، فیقال: إنّـه یحرّکـه ومحرّکـه وإنّ الـحرکـة مستندة إلـیـه؛‏‎ ‎‏لکونها تنتهی بالـوصول إلـیـه، فهی الـغایـة لها والـغایـة لأمدها، فلو کان ـ‏‎ ‎‏حسب الـمکاشفـة والـبرهان ـ جمیع الأشیاء عاشقاً لجمالـه وکمالـه‏‎ ‎‏بالـعشق الـذاتی والـشوق الـطبیعی، ومتحرّکاً نحو ذلک الـوجود الـکامل‏‎ ‎‏علی الإطلاق بالـمحبّـة والـعُلقـة الإدراکیّـة وغیر الإدراکیّـة، فیکون متحرّکاً‏‎ ‎‏ومتوجّهاً إلـیٰ الـکمال وخارجاً من الـقوّة والـنقص إلـیٰ الـفعلیّـة الـمحضـة‏‎ ‎‏والـکمال الإلهی، فیحصل فیـه من تلک الـحرکـة ماهو الـمطلوب الأعلیٰ‏‎ ‎‏والـمحبوب الأحلیٰ، وکانت تلک الـرکیزة وهذه الـخاصّـة الـطبیعیّـة‏‎ ‎‏والإدراکیّـة، من عنایتـه تعالـیٰ وحکمتـه الـکامنـة فی الـطبائع والأشیاء، فهل‏‎ ‎‏عند ذلک لایوصف هو تعالـیٰ بربوبیّـة الـعالـمین؟! کلاّ وحاشا، والـحمد للّٰه‏‎ ‎‏تعالـیٰ.‏

‏‏وإن شئت قلت :‏‏ إنّ خروج الـشیء من الـقوّة إلـی الـفعل: تارة یکون‏‎ ‎‏بمُخرج طبیعیّ وفاعل مزاول للمادّة، کإخراج شیء من قوّة الـحرکـة الأینیّـة‏
‏‎

‏‏فعلیٰ هذا هو تعالـیٰ ربّ الـعالـمین؛ لأنّـه لا یُعقل الـخروج من الـقوّة‏‎ ‎‏إلـیٰ الـفعل إلاّ بنفوذ إرادتـه وسعـة قدرتـه.‏

‏‏وهذا الـذی ذکرناه مجمل من الـمسائل الـکثیرة الـربوبیّـة‏‎ ‎‏والـطبیعیّـة، الـمحرّرة فی محالّها الـبالغـة إلـیٰ نصاب الـتحقیق ومیقات‏‎ ‎‏الـتدقیق، وتفصیلـه علیٰ وجـه الـنشر فی کتب إمام الـفنّ، صاحب‏‎ ‎‏«الـحکمـة الـمتعالـیـة»، وإجمالـه علیٰ سبیل الـنظام الـعلمی الـمتین فی‏‎ ‎‏قواعدنا الـحکمیّـة.‏

‏‏وبالجملة :‏‏ هذه الـنشأة مُعدّة، وفیها الـصور الـمفارقـة عن الـموادّ فیها‏‎ ‎‏الـواصلـة إلـیٰ الأسماء والـربّات الـمناسبـة معها والـمقامات الـمهیَّأة لهم،‏‎ ‎‏والـحرکـة الـموجودة فی مجموع هذا الـعالـم لو کانت مستندة إلـیٰ نفسها،‏
‏‎

‏‏وإذا کانت هی مستندة إلـیـه تعالـیٰ: فتارة یکون مباشرتـه تعالـیٰ‏‎ ‎‏کمزاولـة الـمربّیـة الـجالـسـة بجانب الـمهد، فهو یستلزم وقوع تلک‏‎ ‎‏الـحرکـة فی یدها، ومن یدها تسری إلـیٰ نفسها، واُخریٰ تکون بالـوجـه‏‎ ‎‏الـمشار إلـیـه. فافهم وکن من الـشاکرین.‏

‏‎ ‎

‏‎