سورة الفاتحة

المبحث الثانی : حول نفی العلّیة الإعدادیة بالآیة

المبحث الثانی

‏ ‏

حول نفی العلّیة الإعدادیة بالآیة

‏ ‏

‏مقتضیٰ ظهور الآیـة فی انحصار الـربوبیّـة للعالـمین فیـه تعالـیٰ، أنّ‏‎ ‎‏الـعلل الإعدادیّـة ـ أیضاً ـ تستند إلـیـه تعالـیٰ، فتکون الـنتیجـة والـمقدّمات‏‎ ‎‏بإرادتـه وقدرتـه، فیثبت بذلک مقالـة الأشعری وهو الـجبر وانتفاء الـوسائط‏‎ ‎‏فی الـدخالـة والـعلّیّـة الإعدادیّـة، وقد مرّ: أنّ الـربوبیّـة هی تهیئـة الأسباب‏‎ ‎‏للانتهاء إلـیٰ الـغایـة الـمطلوبـة، وأمّا ترتّب تلک الـغایـة فهو لیس داخلاً فی‏

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 366
‏معنی الـربّ، ولذلک یقال: إنّ زیداً ـ مثلاً ـ ما قصّر فی تربیـة ابنـه، ولکنّـه ما‏‎ ‎‏کان قابلاً لذلک.‏

ویؤیّد ذلک‏ ـ فی نفی إعدادیّـة أفعال الـغیر، فضلاً عن الاستقلال‏‎ ‎‏والإفاضـة ـ قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏ءأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏»‏‎[1]‎‏، مع أنّ‏‎ ‎‏الـزارع هو الـفلاّح الـذی یبسط الـزرع، ولذلک اشتهر: أنّ الـزرع للزارع ولو‏‎ ‎‏کان غاصباً، ولو کان الـزارع هو اللّٰه تعالـیٰ لکان الـزرع لـه، فلیتأمّل جدّاً.‏

والذی هو التحقیق :‏ أنّ الإعدادیّـة ـ أیضاً ـ ذات جهتین: جهـة کمال‏‎ ‎‏وجهـة نقص، ولیست الـعلل الإعدادیّـة إلاّ معالـیل فعلیّـة للعلل الـحقیقیّـة،‏‎ ‎‏وتکون إعدادیّتها باعتبار الـمعلول الآخر الـمتأخّر الـمترتّب علیـه، فتلک‏‎ ‎‏الـصورة الـمعَدّة مُفاضـة من الـغیب أیضاً، وإذا کانت إرادة الـفاعل وفاعلیّـة‏‎ ‎‏سائر الـفواعل فانیـة فی تلک الإرادة، وظلّ تلک الـفاعلیّـة، یصحّ أن یقال‏‎ ‎‏بانحصار الـربوبیّـة الـحقیقیّـة فی حضرتـه الـربوبیّـة تعالـیٰ وتقدّس.‏

وإن شئت قلت :‏ إذا انضمّ الـوجدان إلـیٰ هذه الآیـة الـکریمـة، یحصل‏‎ ‎‏الـمذهب الـوسط والـطریقـة الـعُلیا، فإنّ الـوجدان حاکم بأنّ هذه الـعلل لها‏‎ ‎‏الـدخالـة فی الـربوبیّـة، وهی الـعلل للتربیـة، والـبرهان والـقرآن یُنادیان‏‎ ‎‏بأنّ الـواجب عزّ اسمـه باسط الـید، وغُلّت أیدی من یقول بخلافـه.‏

‏فإذاً لابدّ من الـجمع بین هذه الـشواهد، فتصیر الـنتیجـة أمراً بین‏‎ ‎‏الأمرین؛ نفیَ استقلالیّـة الـفواعل وإثبات تبعیّتها فی الـعوامل، وهو الـحدّ‏‎ ‎‏الـمتوسّط والـصراط الـمستقیم.‏

‎ ‎

کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. ۱)صفحه 367

  • )) الواقعة (55) : 64 .