المسألة الثالثة : حول ما یقال فی زیادة اسم فی «بِسْمِ اللّٰهِ»

‏‏المسألة الثالثة‏

‏‏ ‏

‏‏حول ما یقال فی زیادة اسم فی ‏‏«‏‏بسم اللّٰه‏‏»‏

‏‏ ‏

‏‏قال أبو عبیدة معمر بن المثنیٰ: إنّ «اسم» صلة زائدة، واستشهد بقول لبید:‏

‏‏ ‏

‏‏إلیٰ الحولِ ثمّ اسْمُ السلامِ علیکما‏

‏‎ ‎‏ومن یبکِ حولاً کاملاً فقد اعتذر‏

‏‏ ‏

‏‏فذکر «اسم» زیادة، وإنّما أراد: ثمّ الـسلام علیکما‏‎[1]‎‏.‏

‏‏وقال قُطْرُب: زیدت لإجلال ذکره تعالـیٰ وتعظیمـه‏‎[2]‎‏.‏

‏‏وقال الأخفش: زیدت لیخرج بذکرها من حکم الـقَسَم إلـیٰ قصد‏‎ ‎‏الـتبرّک؛ لأنّ أصل الـکلام باللّٰه‏‎[3]‎‏.‏

‏‏ولک أن تقول: إنّ الـعرب کانوا قبل الإسلام یبدؤون أعمالـهم بأسماء‏
‏‎

‏‏ویشهد لزیادتها قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الأَعْلَیٰ‏‏»‏‎[4]‎‏، وقولـه‏‎ ‎‏تعالـیٰ: ‏‏«‏‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّکَ الْعَظِیمِ‏‏»‏‎[5]‎‏، وقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏‏وَاذْکُرِ اسْمَ‏‎ ‎‏رَبِّکَ‏‏»‏‎[6]‎‏، وقولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏‏تَبَارَکَ اسْمُ رَبِّکَ‏‏»‏‎[7]‎‏ وهکذا، فإنّ الـمُسبَّح هی‏‎ ‎‏الـذات الـمسمّاة، لا الاسم. وإرجاع الآیـة إلـیٰ ترکیب آخر ـ کما صنعـه‏‎ ‎‏بعضهم فی بعض منها ـ غیر وجیـه؛ لأنّـه خروج عن الـحدّ فقولـه تعالـیٰ:‏‎ ‎‏«‏‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّکَ الأَعْلَیٰ‏‏»‏‏ لیس سبّح ربّک ذاکراً اسمـه الأعلیٰ، وقولـه تعالـی:‏‎ ‎‏«‏‏سَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّکَ‏‏»‏‏ أی: سبّح ناطقاً باسمـه الـعظیم، فإنّـه وإن کان بحسب‏‎ ‎‏الـمعنیٰ کذلک، ولکنّـه لیس مفاد هذه الـجملـة حسب الـترکیب الأدبی،‏‎ ‎‏فالأولیٰ دعویٰ: أنّ کلمـة «اسم» زیادة جیء بها لما تعارف ذلک.‏

‏‏ویدلّ علیٰ ذلک: ما أخرجـه أحمد وأبو داود وابن ماجـة والـحاکم فی‏‎ ‎‏مستدرکـه وابن حبّان فی صحیحـه، عن عقبـة بن عامر، قال: لمّا نزلت ‏‏«‏‏فَسَبِّحْ‏
‏‎

‏‏فقد رویٰ أحمد وأصحاب الـسُّنن الأربعـة وصحیح الـترمذی، عن‏‎ ‎‏حذیفـة، قال: صلّیتُ مع الـنبیّ ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ فکان یقول فی رکوعـه:‏‏ «سُبحانَ ربِّیَ‏‎ ‎‏العظیم»‏‏، وفی سجوده:‏‏ «سُبحانَ رَبِّیَ الأعلیٰ»‏‎[9]‎‏ فالاسم زائد فی هذه‏‎ ‎‏الـمواقف، فکیف لا وهو، لا یتبارک ولا یسبَّح وغیر ذلک، فإنّـه کفر وإلـحاد.‏

‏‏ولأجل أمثال هذه الـمأثورات والآیات، قالـوا باتّحاد الاسم والـمسمّیٰ‏‎ ‎‏والـتسمیـة‏‎[10]‎‏، وقال الآخرون: باتّحاد الاسم والـمسمّیٰ، دون الـتسمیـة‏‎[11]‎‏.‏

‏‏والمذهب المنصور:‏‏ عدم الاتّحاد الـحقیقی بین الاسم والـمسمّیٰ. نعم،‏‎ ‎‏لمکان حمل الاسم علی الـمسمّیٰ ـ والـحمل یقتضی الـتوحّد ـ لابدّ من اختیار‏‎ ‎‏نحوٍ من الاتّحاد الاعتباری؛ حتّیٰ قیل: إنّ الـوضع هو جعل الـهوهویـة بین‏‎ ‎‏الـلفظ والـمعنیٰ‏‎[12]‎‏.‏

‏‏والـقارئ الـعزیز ـ بعد الاطّلاع علیٰ ما أسّسناه فی هذا الـمضمار ـ فی‏‎ ‎‏فُسحـة من هذه الـتحلیلات الـباردة والاستدلالات الـکاسدة، فقد أحاط خُبراً‏
‏‎

‏‏فالـخلط بین الـنظرات فی الـمسألـة أوقع الـمشتبهین فیما وقعوا فیـه،‏‎ ‎‏وأوقع الآخرین فی عدم تمکّنهم من دفع الـشبهات حقّ الـدفع. والـخلط بین‏‎ ‎‏ما هو الـمقصود فی قولـه تعالـیٰ: ‏‏«‏‏وَاذْکُرِ اسْمَ رَبِّکَ‏‏»‏‎[15]‎‏ وبین ما یقول‏‎ ‎‏الـذاکر بالـحمل الـشائع أوجب هذه الـتخیّلات؛ فإنّ الاسم فی الآیـة‏‎ ‎‏الـشریفـة حکایـة عن أسماء اللّٰه تعالـیٰ، والأمر فیها بعث نحو ذکره تعالـیٰ،‏‎ ‎‏ولا یُعقل الـذکر إلاّ بذکر الأسماء بما لها من الـمعانی، غافلین فی مقام‏‎ ‎‏الاستعمال عن الـقوالـب، ومتوجّهین إلـی الـمعانی والـحقائق.‏

‏‎ ‎

‏‎ ‎

‏‎

• )) اُنظر الجامع لأحکام القرآن 1 : 98 .
• )) اُنظر الجامع لأحکام القرآن 1 : 99 .
• )) نفس المصدر .
• )) الأعلی (87) : 1 .
• )) الواقعة (56) : 74 و 96 .
• )) المزمل (73) : 8 .
• )) الرحمن (55) : 78 .
• )) مسند أحمد 4: 155، سنن أبی داود 1 : 292 / 869، سنن ابن ماجة 1: 282 / 887، المستدرک، الحاکم النیسابوری 2 : 477، صحیح ابن حبان 3: 283 / 1889، وانظر الدّر المنثور6 : 168 .
• )) مسند أحمد 5 : 382 / 1، سنن أبی داود 1 : 293 / 874، سنن النسائی 2 : 190، سنن ابن ماجة 1: 287 / 888 ، سنن الترمذی 1: 164 / 261، السنن الکبریٰ 2 : 310.
• )) اُنظر شرح المواقف 8 : 207 .
• )) شرح المقاصد 4 : 337 ، شرح المواقف 8 : 207 .
• )) راجع منتهی الاُصول 1 : 15 .
• )) الأنعام (6) : 118 .
• )) الأنعام (6) : 121 .
• )) المزمّل (73) : 8 ، الإنسان (76) : 25 .