تعارض الأدلّة والأمارات

إنّ التخیـیر بدوی أو استمراری

إنّ التخیـیر بدوی أو استمراری

‏ ‏

‏ثمّ إنّ التخیـیر‏‏  ‏‏، هل یکون ابتدائیاً أو استمراریاً ؟ ربّما یقال‏‏  ‏‏: إنّ موضوع‏‎ ‎‏التخیـیر هو المتحیّر الذی لا طریق له إلی الواقع‏‏  ‏‏، ومن أخذ بأحد الخبرین فی‏‎ ‎‏واقعة تحقّق له طریق إلی الواقع فیخرج عن التحیّر‏‏  ‏‏. وفیه‏‏  ‏‏: ما عرفت من أنّ‏‎ ‎‏التخیـیر أصل عملی صرف جعله الشارع لتحفّظ الواقع مهما أمکن ولا أماریة‏‎ ‎‏فی البین أصلاً بالنسبة إلی الواقع فبعد الأخذ بأحدهما أیضاً یبقی التحیّر فی‏‎ ‎‏الواقع لعدم انکشافه ولو بأمارة‏‏  .‏

‏وقال الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ ما حاصله بتوضیح منّا‏‏  ‏‏: إنّ فی صورة ورود خبرین‏‎ ‎‏متعارضین یتحقّق شکّان طولیان‏‏  :‏

‏الأوّل‏‏  ‏‏: أنّ حکمهما التساقط أو التخیـیر‏‏  ‏‏. الثانی‏‏  ‏‏: أنّه بعد ما ثبت التخیـیر‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏فهل هو ابتدائی أو استمراری ؟ فالشکّ الثانی متأخّر عن حکم الشکّ الأوّل فلا‏‎ ‎‏ینقدحان معاً فی رتبة واحدة فی ذهن من ورد عنده الخبران‏‏  .‏

‏وعلی هذا‏‏  ‏‏، فلا یمکن أن یکون لأخبار التخیـیر إطلاق یثبت به استمرار‏‎ ‎‏التخیـیر فإنّها وردت لبیان حکم الشکّ الأوّل‏‏  ‏‏، کما یظهر بمراجعة أسئلة الرواة‏‎ ‎‏حیث کان محطّ نظرهم فیها هو أنّ حکم المتعارضین هو السقوط مثلاً أو العمل‏‎ ‎‏بأحدهما‏‏  ‏‏، وأمّا حکم الشکّ الثانی فبیانه یحتاج إلی سؤال آخر بعد ثبوت أصل‏‎ ‎‏التخیـیر‏‏  ،‏‎[1]‎‏ انتهی‏‏  .‏


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 382
أقول‏  :‏‏ قد عرفت أنّ عمدة أخبار التخیـیر روایة ابن الجهم‏‎[2]‎‏ ومورد السؤال‏‎ ‎‏وإن کان أصل التعارض ولم ینقدح فی ذهن السائل شکّان‏‏  ‏‏، ولکنّ الإمام ‏‏علیه السلام‏‎ ‎‏أجاب بحیث یظهر منه حکم الشکّین حیث قال‏‏  ‏‏: ‏«إذا لم تعلم فموسّع علیک»‎ ‎‏فعلّق التوسعة علی عدم العلم‏‏  ‏‏، وظاهره عدم العلم بالواقع وهو متحقّق بعد الأخذ بأحدهما أیضاً کما عرفت‏‏  .‏

‏وبالجملة‏‏  ‏‏: فظاهر الروایة کون عدم العلم تمام الموضوع للتخیـیر فیکون‏‎ ‎‏الحکم به باقیاً ببقائه‏‏  .‏

‏ثمّ لو لم یثبت هذا الإطلاق فاستصحاب جواز التخیـیر جارٍ علی جمیع‏‎ ‎‏التقادیر المفروضة‏‏  ‏‏، سواء کان موضوع هذا الحکم هو المتحیّر أو غیر العالم‏‎ ‎‏بالواقع أو ذات الشخص المکلّف الذی ورد له خبران متعارضان أو من ورد له‏‎ ‎‏خبران کذلک ولم یختر أحدهما‏‏  ‏‏، وسواء کان الشکّ فی بقاء الحکم بالتخیـیر بعد‏‎ ‎‏البناء علی کونه فی المسألة الاُصولیة أو بعد البناء علی کونه فی الفرعیة أو کان‏‎ ‎‏ناشئاً عن الشکّ فی کونه فی الاُصولیة أو الفرعیة بعد تسلّم أنّه إن کان فی‏‎ ‎‏الاُصولیة فمرتفع قطعاً وإن کان فی الفرعیة فباقٍ قطعاً‏‏  .‏

‏أمّا إذا قلنا بکون الموضوع هو غیر العالم‏‏  ‏‏، کما هو ظاهر روایة ابن الجهم‏‏  ‏‏، أو‏‎ ‎‏نفس الشخص الوارد له المتعارضان کما هو الظاهر منها أیضاً فلو جعل قوله‏‏  ‏‏:‏‎ ‎«إذا لم تعلم»‏ إشارة إلی مفروض السائل فواضح‏‏  ‏‏، وکذلک لو قلنا بکونه عنوان‏‎ ‎‏المتحیّر لبقاء الموضوع قطعاً وکون التخیـیر فی الأصلیة لا یضرِّبکونه استمراریاً،‏‎ ‎‏لما عرفت من أنّ الأخذ بالخبر لا یوجب انکشاف الواقع لعدم کونه أمارة حینئذٍ.‏


کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 383
‏وأمّا إذا جعل الموضوع العنوان الأخیر فلبقاء الموضوع أیضاً عرفاً‏‏  ‏‏، کما فی‏‎ ‎‏مثال العنب والزبیب‏‏  ‏‏، حیث إنّ حکم العنب لا یسری إلی عنوان الزبیب قطعاً‏‎ ‎‏لتباین المفاهیم فی عالم المفهومیة‏‏  ‏‏، ولکن بعد تحقّق العنب فی الخارج ینطبق‏‎ ‎‏علیه حکم العنب فیقال‏‏  ‏‏: «هذا عنب وکلّ عنب إذا غلی ینجس‏‏  ‏‏، فهذا إذا غلی‏‎ ‎‏ینجس»‏‏  ‏‏، فإذا صار زبیباً لا یشمله نفس الدلیل لکون الحکم فیه ثابتاً لعنوان‏‎ ‎‏العنب‏‏  ‏‏، والمفاهیم متباینة قطعاً کما عرفت‏‏  ‏‏، ولکنّ العرف یقول مشیراً إلی‏‎ ‎‏الموجود الخارجی‏‏  ‏‏: «هذا إذا کان غلی ینجس والآن نشکّ فیه» فقوله‏‏  ‏‏: ‏«لا‎ ‎تنقض الیقین بالشکّ»‏ یحکم بوجوب إجراء الحکم السابق علیه فإنّ موضوع‏‎ ‎‏الاستصحاب باقٍ وإن لم یکن موضوع العنب إذا غلی غیر باقٍ‏‏  ‏‏، فإنّ موضوع‏‎ ‎‏الاستصحاب نقض الیقین بالشکِّ، وفی هذا المثال یصدق هذا العنوان لو لم‏‎ ‎‏یحکم بالحکم السابق ففیما نحن فیه أیضاً بعد الأخذ بأحد الخبرین وإن لم‏‎ ‎‏یصدق العنوان‏‏  ‏‏؛ أعنی من ورد علیه خبران متعارضان ولم یختر ولکنّ الذی‏‎ ‎‏انطبق علیه هذا العنوان‏‏  ‏‏؛ أعنی شخص المکلّف باقٍ‏‏  .‏

‏هذا‏‏  ‏‏، ولکن جعل الموضوع هذا العنوان صرف فرض‏‏  ‏‏، فإنّ الموضوع هو عدم‏‎ ‎‏العلم فی روایة ابن الجهم کما عرفت، فالاستصحاب لا إشکال فیه لو بنینا علی‏‎ ‎‏أخذ موضوع الاستصحاب من العرف‏‏  ‏‏، بل ولو أخذناه من الدلیل خصوصاً بعد‏‎ ‎‏ذکره بلفظ الشرط فإنّهم فرّقوا علی هذا بین قوله‏‏  ‏‏: الماء المتغیّر حکمه کذا‏‏  ‏‏،‏‎ ‎‏وقوله‏‏  ‏‏: الماء إذا تغیّر‏‏  ‏‏، فراجع ما ذکروه‏‏  .‏‎[3]‎

 

کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 384

  • - فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 27 : 43 .
  • - تقدّمت تخریجها فی الصفحة 376 .
  • - راجع : فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 26 : 295 ؛ فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 583 ؛ نهایة الأفکار 3 : 12 و4 ، القسم الثانی : 9 .