شمول الأخبار العلاجیة للعامّین من وجه وعدمه
قد عرفت : أنّ ما جعل موضوعاً فی الأخبار العلاجیة أمران :
الأوّل : الخبران المتعارضان .
الثانی : الخبران المختلفان .
وعرفت أیضاً : أنّ موارد الجمع العرفی خارجة عنهما عرفاً وإن لم یخرج عنهما حقیقة . وإنّما الإشکال فی أنّه هل یدخل فی هذین العنوانین العامّان من وجه أو یختصّان بالمتباینین ؟
الظاهر خروج العامّین من وجه عنهما أیضاً عرفاً ، فإنّ المتبادر من العنوانین هو صورة ورود خبرین متّحدین بحسب الموضوع والمحمول . غایة الأمر : أنّ أحدهما یأمر والآخر ینهی .
وأمّا صورة ورود حکمین علی موضوعین مختلفین قد یجتمعان فیقع التحیّر فی مجمعهما فقط فلا یصدق علیها عنوانا المتعارضین والمختلفین الواردان فی الأخبار سؤالاً وجواباً .
وعلی هذا ، فاللازم فی العامّین من وجه هو الرجوع إلی ما یقتضیه القواعد مع قطع النظر عن الأخبار العلاجیة . والظاهر أنّ الأصحاب أیضاً لم یعملوا فیهما بمقتضی الأخبار من الترجیح ، وإذا لم یعمل فیهما بالترجیح لم یکن مجال للقول بالتخیـیر أیضاً مع مخالفته للقاعدة فإنّ القاعدة تقتضی التساقط .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 345
وممّا یشهد لعدم شمول الأخبار لهما هو أنّ المتبادر من المقبولة والمرفوعة اللتین تکونان مستندتین للترجیحات ، وغیرهما أیضاً تؤول إلیهما فإنّهما العمدة ، کون موضوع واحد مورداً لجمیع الترجیحات المذکورة فیهما .
ولا یخفی : أنّ بعض الترجیحات وإن أمکن جریانها فی العامّین من وجه بلا تکلّف ، ولکن بعضها الآخر ، ممّا یؤول إلی طرح السند فی أحد المتعارضین کالأصدقیة ، لا یجری فیهما إلاّ بتکلّف ، إذ یشکل التفکیک فی الصدور فی روایة واحدة والعامّان من وجه یؤخذ بهما فی مادّة افتراقهما بلا ریب .
اللهمّ إلاّ أن یقال : بأنّ الأخذ بالمرجّحات صرف تعبّد من الشارع ولا مانع من أن نتعبّد بصدور روایة من جهة دون جهة .
بل یمکن أن یقال : بأنّه من الممکن کذب الراوی فی جملة ممّا یرویه دون جملته الاُخری أو کذبه فی ذکر العامّ وصدقه فی بعض أفراده بأن ذکر الإمام علیه السلام الخاصّ فأبدله بالعامّ فی مقام النقل ، وحینئذٍ فیجعل أصدقیة أحد الراویین دلیلاً وأمارة علی کذب الآخر فیما یخالف کلامه کلام الأصدق ، وأمّا ما لا یخالفه فیؤخذ به لاجتماع شرائط الحجّیة ، وعلی هذا فلا مانع من جریان جمیع المرجّحات فی العامّین من وجه أیضاً .
وقد ظهر بما ذکرنا : أنّ المتعیّن هو القول بخروج العامّین من وجه عن مورد
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 346
الأخبار من رأس أو القول بدخولهما فیها وجریان جمیع المرجّحات ، وأمّا التفکیک بین المرجّحات والقول بجریان بعضها دون بعض فلا وجه له بعد رجوع جمیع الأخبار إلی المقبولة والمرفوعة ، وکون الظاهر منهما کون موضوعهما أمراً واحداً یجری فیه جمیع المرجّحات بالترتیب ، والظاهر هو ما عرفت من خروجهما عنها عرفاً ، فتدبّر .
ومثلهما فی الخروج عن موضوع الأخبار ، الخبران المتعارضان بالعرض ، کما إذا قال : «أکرم العلماء» مثلاً ، وقال أیضاً : «یجب الصلاة» وعلم بکذب أحدهما إجمالاً . بداهة أنّ القوم وإن سمّوهما متعارضین من جهة استلزام صدق أحدهما کذب الآخر لتحقّق العلم الإجمالی ، ولکنّ المتبادر من المتعارضین لغة وعرفاً هو الخبران المتضمّنان لحکمین مختلفین فی موضوع واحد بأن یأمر أحدهما مثلاً به والآخر ینهی عنه .
اللهمّ إلاّ أن یکون المتعارضان بالعرض بحیث صار تعارضهما مرکوزاً فی أذهان المتشرّعة ، کما إذا ورد فی دلیل «صلّ یوم الجمعة الظهر» وفی آخر «صلّ فیه الجمعة» فإنّ وجوبهما معاً وإن کان ممکناً ذاتاً ولکن ارتکز فی أذهان المتشرّعة بأجمعهم أنّ الواجب فی یوم الجمعة أمر واحد ، وعلی هذا فعدم وجوب الجمعة مدلول التزامی باللزوم البیّن لقوله : «صلّ الظهر» وبالعکس ، فهما حینئذٍ بمنزلة الخبرین الواردین فی موضوع واحد یأمر أحدهما به وینهی الآخر.
وبالجملة: فلیس مطلق التعارض بالعرض داخلاً فی موضوع الأخبار العلاجیة.
نعم ، یمکن إلحاقه بالمتعارضین بإلغاء الخصوصیة بأن یقال : إنّ ذکر المرجّحات وإن وقع فی موضوع التعارض ، ولکنّ العرف لا یری دخلاً
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 347
لخصوصیة التعارض وکون الخبرین بحیث یأمر أحدهما وینهی الآخر فی موضوع واحد ، بل المتبادر إلی أذهان العرف کونه علیه السلام بصدد بیان اُمور یشخّص بها الحجّة بعد اشتباهها ، فإنّ السائل قد کان مرتکزاً فی ذهنه حجّیة الخبر ، وإنّما تحیّر فی مقام المعارضة فسأل عن وظیفته فی حال التعارض وأنّ الواجب هو الأخذ بأیّ منهما فأجابه الإمام علیه السلام بذکر اُمور تکون أمارات نوعیة لتشخیص الحجّة عند التحیّر فیها .
هذا ، ولکن لو فرض إلغاء خصوصیة التعارض بهذا النحو لزم إجراء المرجّحات والحکم بالتخیـیر مع فقدها فیما إذا اشتبه الحجّة باللاحجّة أیضاً بأن کان هنا خبر صحیح مثلاً وآخر ضعیف فاشتبها ولیس ببعید ، ولکنّ الالتزام به مشکل .
اللهمّ إلاّ أن یقال : بوجود الفرق البیّن بین المقامین فإنّ التحیّر فی المتعارضین وما بحکمهما من التعارض بالعرض قد تحقّق بنفس ورود الخبرین فإنّ المفروض کون کلّ منهما واجداً لشرائط الحجّیة ، وإنّما منع عن العمل بکلّ منهما ورود الآخر وشمول دلیل الحجّیة له ، وأمّا فی صورة اشتباه الحجّة باللاحجّة فیکون أحدهما غیر حجّة ، سواء ورد الآخر أم لا ، والظاهر من الراوی هو السؤال عن صورة ورود خبرین لم یمکن العمل بهما بلحاظ ورودهما معاً بأن صار نفس ورود أحدهما مانعاً عن العمل بالآخر بحیث لو لا ورود الآخر لم یکن مانع عن العمل به فیشمل الروایات ، التعارض بقسمیه دون صورة اشتباه الحجّة باللاحجّة . غایة الأمر : أنّ شمولها للتعارض بالذات بالمنطوق وللتعارض بالعرض بإلغاء الخصوصیة .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 348