دوران الأمر بین التخصیص والنسخ تعارض الأدلّة والأمارات / دوران الأمر بین التخصیص والنسخ
ومن الموارد التی یقع التعارض بین الأظهر والظاهر أیضاً ما إذا دار الأمر بین التخصیص والنسخ ، وقبل البحث عن ذلک ینبغی البحث عن حال المخصّصات والمقیّدات وسائر الصوارف الواردة فی کلمات الأئمّة علیهم السلام بعد مضیّ زمان العمل بالعمومات والمطلقات وغیرها .
قال الشیخ فی «الرسائل» : أنّ المحتملات فیها ثلاثة :
الأوّل : أن تکون ناسخة .
الثانی : أن تکون کاشفة عن اتّصال العمومات والمطلقات بالمخصّصات والمقیّدات ولکنّه عرض انفصالها فاختفت علینا .
الثالث : أنّ المصلحة اقتضت تأخیر البیان عن وقت العمل والحاجة فأودعت المخصّصات والمقیّدات عند الأئمّة علیهم السلام حتّی یظهروها فی زمن اقتضاء
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 328
المصلحة فکان مفاد العموم والإطلاق قبلها حکماً ظاهریاً .
واختار الشیخ قدس سره هذا الاحتمال والمحقّق النائینی قدس سره الاحتمال الثانی . وأیّده بأنّ کثیراً من المقیّدات والمخصّصات الواردة فی لسان الأئمّة علیهم السلام یوجد بمضامینها روایات نبوّیة عن طرق العامّة فیکشف ذلک عن اتّصالها وعروض الانفصال .
أقول : الإنصاف هو بُعد جمیع الاحتمالات ؛ أمّا النسخ فالظاهر کونه ضروری البطلان ، مع کثرة المخصّصات والمقیّدات إلی ما شاء الله فی ألسنة الأئمّة علیهم السلام لعمومات الکتاب والسنّة ، وهل یحتمل کون مفاد العمومات مثلاً أحکاماً واقعیة إلی زمن الصادقین علیهماالسلام وفی عصرهما حدث مصلحة التخصیص وهکذا ، ویستفاد من بعض الأخبار أیضاً خلاف ذلک .
کما أنّ الاحتمال الثانی أیضاً ظاهر الفساد ، فإنّ العامّة والخاصّة رووا عمومات ومطلقات کثیرة إلی ما شاء الله عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم من غیر ذکر المخصّصات والمقیّدات متّصلة بها ، ولا یمکن القول بأنّ الجمیع ترکوا ذکرها عمداً أو اشتباهاً ، ومجرّد ورود کثیر من المخصّصات ونحوها من طرق العامّة لا یدلّ علی أنّها کانت متّصلة ، إذ من المحتمل کونها منفصلة فی کلام النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم أیضاً بأن صدرت منه بعد مضیّ مدّة من زمان ذکر العمومات .
ومثل ذلک الاحتمال الثالث ، إذ أیّ مصلحة تتصوّر فی إیداع أغلب الأحکام الواقعیة عند الأئمّة علیهم السلام والنجوی بها معهم وإخفائها عن الناس إلی زمن
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 329
الصادقین علیهماالسلام مثلاً ، بل ینافی ذلک لقوله صلی الله علیه و آله وسلم فی حجّة الوداع : «یا أیّها الناس ، والله ما من شیءٍ یقرّبکم من الجنّة ویباعدکم من النار إلاّ وقد أمرتکم به ، وما من شیءٍ یقرّبکم من النار ، ویباعدکم من الجنّة إلاّ وقد نهیتکم عنه» .
والقول : بأنّ أمره بجمیع ذلک ونهیه عنه قد تحقّقا بإیداعها عند أمیر المؤمنین علیه السلام وأمره بمتابعته ، واضح الفساد .
کتابمحاضرات فی الاصول (تشتمل علی تنبیهات الاستصحاب و التعادل و الترجیح و الاجتهاد و التقلید): تقریر الابحاث الامام الخمینی (س)صفحه 330